مقالات
الرابطة الثقافية الحموية .. النادي الأدبي في حماة
خالد محمد جزماتي – التاريخ السوري المعاصر
اشتد الصراع الدولي بشكل غير مسبوق خلال سنين القرن التاسع عشر الميلادي، واشتعلت حروب كثيرة وشديدة، دولية بين الدول العظمى ومحلية، قامت بها شعوب تطلب حريتها.
وكانت روسيا القيصرية أشد الدول حماسة لتفكيك الامبراطورية العثمانية للوصول الى المياه الدافئة، والسيطرة على بحر مرمرة ومضيقيه البوسفور والدردنيل، ولكن تضارب ذلك مع مصالح بريطانيا وفرنسا، فكان السبب الرئيسي وراء تأخر سقوط الدولة العثمانية.
ومنذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بدأ الحراك السياسي وطلب العدل من الحكام من قبل النخب السياسية التي أيدتها قوى شعبية فاعلة، لمختلف مكونات الدولة العثمانية من القوميات تركية كانت أم عربية أو صربية ..؟
وعندما تورطت الدولة العثمانية بقيادة الأتراك الاتحاديين في الحرب العالمية الأولى الى جانب الألمان وحلفائهم وخرجت منها خاسرة، كان القادة العرب بزعامة الهاشميين يأملون بقيام الدولة العربية الواحدة. ولكن الانكليز مكروا بهم أي بالعرب وخانوهم، واقتسموا الأراضي العربية مع الفرنسيين.
كان على رأس عصر النهضة في دمشق الشيخ طاهر الجزائري الذي له الصلات الحميدة برائد النهضة في مدينة حماة الشيخ محمد سعيد النعسان والشيخ حسن رزق والشيخ سعيد الجابي والدكتور صالح قنباز والدكتور خالد الخطيب والدكتور توفيق الشيشكلي وغيرهم الكثير
وعندما انسحب الأتراك من دمشق ومن حمص وحماة، قام متصرف حماة سماحة المفتي بدر الدين الكيلاني برفع علم الثورة العربية فوق بلدية حماة، وعند زيارة الأمير فيصل بن الحسين حماة يوم 9 تشرين الثاني 1918 تم استقباله شعبياً ومن قبل أعيان حماة، وأنزلوه ضيفا في قصر العظم، حيث وقف السيد نورس الكيلاني خطيبا يرحب به، وطلب منه المساعدة والدعم على انشاء مدرسة أهلية الذي وافق على ذلك من فوره.
وتلك كانت مدرسة “دار العلم والتربية” ولما قامت هذه المدرسة تم تشكيل هيئة تأسيسية سُمّيت “هيئة الأمناء” رئيسها السيد نورس الكيلاني، وعُمدتها (المشرف) الدكتور صالح قنباز والحاج أحمد المشنوق “خازنا” والدكتور توفيق الشيشكلي وتوفيق الأحدب أعضاء. هذا لا يعني أن كثيرا من الرجال كانوا بعيدين عن التأسيس مثل الأساتذة أحمد الوتار وعثمان الحوراني وأمين الكيلاني والمفتي سعيد النعسان والصيدلي عبد الحميد قنباز والشيخ طاهر القطمة وأحمد السبع وعبد الحسيب الشيخ سعيد وغيرهم.
ودار الزمن وتتالت الأيام، وقرحة الناس لم تكتمل ولم تدوم، فقد احتل الفرنسيون دمشق ، وأمروا الملك فيصل بمغادرة البلاد، وأرسلوا أسوأ الضباط الفرنسيين الى حماة ليحكمها ، وهو الكابتين “ميك” .. وبدأت الهموم تتراكم على القادة وعلى الناس جميعا. ولكن الكفاح والنضال ضد سلطات الانتداب بدأ بالظهور من خلال مدرسة دار العلم والتربية، يبثون من خلالها التمسك بالوقوف أمام المستعمر بكافة الطرق المتاحة.. وهكذا اشترك الحمويون مع عشيرة الموالي بالقتال ضد العساكر الفرنسية، ومن قبل دعموا انتفاضة الدنادشة في “تلكلخ”.
أيضا كانوا أقوى داعم لثورة الشيخ صالح العلي طوال سنوات ثلاث ….. ولكن هؤلاء المناضلين اتفقوا فيما بينهم سنة 1922 على تأسيس منظمة جديدة ظاهرها للنشاط الأدبي وباطنها العمل الوطني والاستمرار فيه بشكل فعال ..
ففي النادي يقومون بالنشاط اليومي عن طريق القاء المحاضرات الوطنية والدعوة للتمسك بالثوابت الوطنية والمطالبة بالاستقلال الكامل.ونشر العلم ومحو الأمية…..
وقد تبرع الكثير من المؤسسين لهذا النادي بالأموال لشراء الكتب الكثيرة، فأصبحت مكتبته مشجعة للناس على المجيء الى النادي للمطالعة والتعلم على يد اولئك الناس بدون مقابل. ولقد قامت لجان النادي المختلفة بإقامة الندوات الشعرية، وتمثيل كثير من الروايات التاريخية التي تبث الروح الوطنية وطلب المعالي لبلدهم، وكان من أشهر المحاضرين في النادي المحامي إبراهيم الشيشكلي والشاعر الشيخ طاهر النعسان، والأستاذ نجيب الأرمنازي.
والشاعر بدر الدين الحامد وأستاذ التاريخ عثمان الحوراني وكانت أهم أهداف المحاضرات، التعريف بحقوق وواجبات الشعوب تحت الانتداب، وأن الانتداب معناه الحقيقي هو الاستعمار بعينه. ولقد قال الشاعر المبدع بدر الدين الحامد قصيدة ألقاها في النادي الأدبي أمام جمهور عريض كانت عظيمة أجج فيها مشاعر من سمعها، ومنها :
كيف لا أهوى ميامينَ الحمى كيف لا أعشق في الناس الكراما
كيف لا أطرب والفوز على باب ناديكم ترامى فأقاما
قد أبحتم منهل النادي لمنْ كان يأبى الورد من قبل احتشاما
ان من يشرب جاما واحدا مترعا لا يشتكي بعد أواما
ولقد كان لهذا النادي نظام داخلي حضاري يضاهي به أمثاله في جميع الدول المتقدمة، وان نظرة قيادة هذا النادي سطرت أروع الأمثلة، اذ اعترت أنه يجوز لأي مواطن عربي الانتساب اليه، ولقد ذكر شمائل القادة الحمويين وشبابهم كثير من المفكرين العرب وثمّنوا ناديهم الأدبي ونظامه الداخلي..
ولقد تأسس النادي الأدبي (الرابطة الثقافية) في العام 1922 على الشكل التالي : الدكتور توفيق الشيشكلي رئيسا، والأستاذ ابراهيم الشيشكلي خازنا ، الدكتور صالح قنباز، نورس الكيلاني ، جميل البارودي ، محمد البارودي أعضاء.
وفي أوائل عام 1924 تشكلت لجنته الادارية من السادة: الدكتور توفيق الشيشكلي رئيساً، والأعضاء إبراهيم الشيشكلي وعثمان الحوراني وعبد الحسيب الشيخ سعيد ومحمد البارودي. وفي نهاية عام 1924 وبالتحديد يوم 4 كانون الأول 1924 اجريت انتخابات جديدة لقيادة النادي فنجح الدكتور توفيق الشيشكلي رئيسا وعضوية كل من : قدري كيلاني، رشيد حميدان، محمد سعيد الزعيم، جميل البارودي.
وكان من أهم أعمال النادي الأدبي قبل ثورة حماة 1925 قيامه بجمع التبرعات من الأهالي لتجديد مرقد أبي الفداء ملك حماة، وكان رئيس لجنة جمع التبرعات السيد محمد سعيد الزعيم عضو اللجنة الادارية للنادي الأدبي، فقام بالمهمة خير قيام، وتم ترميم المرقد. وقام النادي بتدشين المرقد عن طريق حفل كبير حضره المئات من الناس وجاء كثير من الضيوف من خارج حماة وعلى رأسهم زعيم العروبة المصري المعروف أحمد زكي باشا يرافقه الدكتور محجوب ثابت أيضا من مصر العربية. وهذا الاحتفال حصل خلال شهر تموز لعام 1925. وأيضا كان النادي بلجنته الادارية وأعضائه وأصدقائه يهتمون بالنشاط الكشفي الذي كان في ذلك الزمن شبه عسكري. وكان يقود العمل الكشفي المجاهد عبد الرحيم الغزي رحمه الله
وهكذا نفذ النادي الأدبي تمتين الصلات القومية بشل عملي عن طريق استقبال كشافة بيروت في ربيع عام 1925 ونصبت خيامها في قلعة حماة، وحاضر فيهم الدكتور صالح قنباز والدكتور توفيق الشيشكلي والمحامي ابراهيم الشيشكلي، ولقد تمت دعوتهم الى موائد الطعام في باحة قصر العظم بمدرسة دار العلم والتربية.
ومن النشاطات التي اغتاظ منها الحاكم الفرنسي في حماة، ذهاب قيادة النادي الأدبي الحموي وكثيرا من أعضائه الى دمشق ليشتركوا في الاحتفال الكبير بذكرى شهداء 6 أيار.1916 ولقد توج النادي أعماله الوطنية باشتراك قياداته وأعضائه بثورة حماة 1925 مع اختلاف اّرائهم حول تلك الثورة.
وبعد اخماد الثورة صدر قرار اغلاق النادي من قبل السلطات الفرنسية، وتشتتت قيادته فمنهم من اعتُقل، مثل: محمد سعيد الزعيم وعبد الرحيم الغزي والشاعر بدر الدين الحامد والأستاذ أحمد الوتار والشيخ طاهر النعسان وفؤاد البرازي وعثمان الكيلاني وعز الدين الحريري وغيرهم. ومنهم من توارى عن الأنظار وهرب مثل: محمد البارودي وعثمان الحوراني وسعيد الترمانيني وتوفيق الشيشكلي، ومنهم من استشهد مثل الدكتور صالح قنباز.
ولقد استطاع أشد الرجال فعالية من أصدقاء وأعضاء النادي الأدبي في حماة من الافلات من الفرنسيين، حيث غادروا حماة ليتابعوا الجهاد في أماكن أخرى من سورية، مثل : المجاهد الدكتور محمد علي الشواف والدكتور خالد الخطيب والمجاهد سعيد الترمانيني والأستاذ عمر يحيى ورفيقه عثمان الحوراني والحاج محمد طهماز ومحمد الحبال ومصطفى عاشور وعبد القادر مليشو وصطوف البشري وعدية الكويدر ومصطفى الحوراني ومنير الريس وجميل العلواني ومئات غيرهم يضيق المجال بذكرهم الطيب.
وفي ختام هذا الحديث الذي يلخص التعريف بالنادي الأدبي في حماة لا بد من ذكر مكرمة عظيمة قدمها بعض رجالات حماة الأشاوس كردة فعل وطنية سلمية على ما تكنه نفوسهم، فقد دعى الحاكم الفرنسي لانتخابات عامة أثناء الثورة السورية الكبرى، وتم تحديد موعد لها في حماة بتاريخ 6 كانون الثاني سنة 1926، أي بعد أقل من شهرين على اعلان ثورة حماة 1925.. فكان الجواب التالي : “نحن أعضاء المجلس البلدي بحماة، بالنظر لما تحققناه من اجماع الأهلين على مقاطعة انتخاب المجلس التمثيلي بموجب القرار الأخير لمخالفة الأماني الوطنية، وبحسب تمثيلنا المشروع الذي ائتمنا عليه من قبل الشعب الحموي، وتنفيذا لرعاية مصالحه، قررنا رفض اشتراكنا في الانتخابات”. وقد وقّعه كل من : رزق الله فرح، أحمد الدريعي، الحاج سليم عدي، عبد الرزاق الأسود، محمد البرازي، محمد عدي، كذلك قاطعه أعضاء المجلس الاداري .فلم تجر الانتخابات في حماة ولا في شقيقتها حمص العدية أو في أي مكان اّخر في سورية العظيمة.