وثائق سوريا
كلمة رئيس البعثة التجارية البريطانية عبر إذاعة دمشق عام 1946
بعيد الاحتفال بجلاء القوات الفرنسية عن سورية وصلت بعثة تجارية بريطانية برئاسة اللورد دافدسون إلى سورية في في الأول من أيار عام 1946م.
وكان الهدف من الزيارة هو تشجيع التجارة بين سورية وبريطانيا ورغبة رجال الصناعة البريطانية في تلبية ما تحتاجه سورية.
اجتمع أعضاء البعثة مع مختلف الفعاليات السياسية والاجتماعية والتجارية في سورية.
في الساعة السادسة والنصف من مساء يوم السبت الرابع من أيار 1946 أذاع اللورد دافدسون رئيس البعثة التجارية الكلمة التالية من محطة إذاعة دمشق.
النص:
إن البعثة التجارية التي أتشرف برئاستها لتحمل إليكم رسالة ودية من حكومة صاحب الجلالة والشعب البريطاني كما أن أعضاء هذه البعثة الذيني يمثلون الصناعة البريطانية الهامة وبينهم ممثل عن منظمات العمال، لجد ممتنين لما لاقوه من حسن الوفادة والصداقة من الحكومة السورية الجليلة وشعبها الكريم.
لقد استقبلت هذه البعثة بمنتهى الحفاوة من قبل صاحب الفخامة رئيس الجمهورية السورية ودولة رئيس الحكومة وأصحاب المعالي والوزراء وكافة المؤسسات والهيئات الاقتصادية.
ليست الغاية من زيارتنا هذه عقد صفقات تجارية، وإنما القصد منها التعرف إلى أفضل الوسائل، عن كثب وإيجاد الظروف الملائمة التي تساعد على تجديد أمتن العلاقات الاقتصادية بين بلدينا فإن الأبحاث التي أتيحت لنا أثناء زيارتنا حول التطور الذي ينشده السوريون كانت عظيمة الفائدة وكان من المفيد أيضاً أن نعرف ما تحتاج إليه سوريا من صناعتنا وخبرتنا. وإنا لنرجو أن تقوم الصناعة البريطانية بدور هام في تأمين احتياجات سوريا، يؤول إلى صالح البلدين.
لقد أتيح للبعثة عرض صورة واقعية عن حقيقة الحالة في إنكلترا كما هي اليوم مستعرضة المشاكل التي لابد من حلها قبل أن تتمكن تجارة التصدير البريطانية من الحصول على الكميات المنوي إنتاجها.
إن الجهود الجبارة التي بذلتها بريطانيا العظمى خلال سنتي 1940- 1941 حينما وقفت وحدها في وجه الحملات العنيفة التي شنتها القوات المحورية هي التي دفعتنا إلى تحويل انتاجنا تحويلاً كاملاً من حالة السلم إلى حالة الحرب. فراحت بأجمعها تدأب جاهدة لتجهيز قواتنا بما تتطلبه من ذخائر حربية.
كانت الظروف يومئذ تقضي بتوزيع الأيدي العاملة وتوجهها إلى أعمال مستجدة لم تكن لتألفها من قبل والتي غالباً ما كان الواجب يدعو إلى القيام بها في أماكن نائية فتنتج عن كل ذلك أن أصبح التحويل الحربي متمماً إلى درجة يصعب معها العودة إلى ما كان عليه قبل الحرب. إذ أن إعادة تنظيم الصناعة في البلاد تتطلب جهوداً متواصلة ووقتا غير يسير. ليس لدى بريطانيا ما يكفيها لسد حاجاتها لذلك هي مضطرة إلى إستيراد الغذاء فيستهلك الغذاء وأما المواد الأولية فيصنع منها سلع الأسواق المحلية والأسواق الخارجية، ولكي تتمكن بريطانيا العظمى وجب عليها أن تنظم دائرة خاصة بالتصدير.
لقد كانت بريطانيا العظمى في الماضي في طليعة الدول في التجارة العالمية. ولم يقتصر ذلك على بيع سلعها في الخارج فحسب بل كان يشمل الشحن والتأمين وجميع المعاملات المالية.
اعتقد بأنه يحق لنا القول بأننا قد بنينا لأنفسنا مركزاً في الحقلين التجاري والمالي، لا ريب أننا ضحينا بثروتنا وبتجارتنا، ولو مؤقتاً أيام النضال في سبيل الحرية على أننا نشعر اليوم بأنه من الواجب عاجلاً أم آجلاً والمرجح عاجلاً إعادة تنظيم تجارة التصدير على دعائم تضمن لها الحياة، وإننا لنتطلع والأمل يملأ قلوبنا إلى توثيق الصلات التجارية المتبادلة بين سوريا وبريطانيا العظمى.
لا شك أن هذه الحرب على ما كان فيها من شرور وويلات قد نتج عنها بعض الخير، إذ أن الألوف من شبابنا قضوا مدة خدمتهم في الشرق الأوسط كثيرون منهم تذوقوا جمال سوريا ولمسوا قيمة مواردها الطبيعية وما أن وضعت الحرب أوزارها حتى ألقوا سلاحهم وعاد كل منهم إلى مزاولة أعماله الاعتيادية فهذا في مصنعه وذلك في حقله والآخر في مكتبه لاشك أن جميع هؤلاء سيقدمون أكبر المساعدة في توثيق أواصر التفاهم بين شعبينا لأن المعرفة والتفاهم في الحقلين الاقتصادي والثقافي هما الدعامتنان اللتان تستطيع الشعوب الحرة ان تبني عليها أسس السلم العالمي.
لقد كانت ألمانية النازية تعتقد بأننا نحن معشر البريطانيين شعب عقيم حرم ولكن الأحداث العالمية لحسن الحظ قد كذبت ذلك الاعتقاد وأظهرت الحقيقة ناصعة جليلة. إننا لعدة قرون خلت كنا ننعم بسلم داخلي ساعد على دوام تطورنا السياسي والاقتصادي.
فإذا كان لنا ما نسديه إلى العالم عن مخزون خبرتنا التجارية والإجتماعي فلدى سوريا مواردها البكر التي يجب تعهد انمائها لتعطي أكلها لشعبها خاصة والبشر عامة.
كما أن لها حماس أمة فتية في نشأتها السياسية ولكنها عريقة في ماضيها الثقافي.
وقبل أن تقوم البعثة برحلتها الاستكشافية في بلادكم الجميلة اغتمنت الفرصة لأتحدث إلى الشعب السوري الكريم على أمواج الأثير. سنزور حمص وحماه وحلب واللاذقية لنضيف إلى اتصالاتنا ومعلوماتنا الحاضرة اتصالات أخرى ومعلومات التي آمل أن تساعدنا على اعداد تقرير جامع مفيد لدى عودتنا إلى إنكلترا.
فبأسمي واسم زملائي، أبعث إليكم بأخلص التمنيات راجياً للبلاد السورية مستقبلاً زاهراً ولبلدنا صداقة وثيقة التبادل دائمة النمو.