الغناء والموسيقا في محافظة حماة

الغناء والموسيقا في محافظة حماة

هناك اسماء إنما هي رموز ابداعيه كانت قد ترسخت في فن الموسيقى والطرب في ذاكرة حماه عبر مرور الزمن وكانت يحق دعائم الفن الراقي والملتزم لكني أقول أيضا كان هذا محليا أيضا وليس له بصمة التخصصية المميزة في عالم الموسيقى فإذا كانت حلب قد اشتهرت في القدود الحلبية فشهرة حماه وتفردها كانت في اللالا الحموية الشرقي منها ما كان يغنيها “آل العجم” على الصبا او من غناها على الصبا والسيكا هزام ومنهم المطرب (نجيب السراج) وقد غدت الالا الحموية تمثل اعمدة الارتكاز التي يلتف حولها المزاج الحموي ذلك أنها تعبر عن بيئته وكانت المرآة التي تعكس حياته بكل جوانبها الإجتماعية والثقافية والسياسية. وفي الحقيقة انه لم يحدد التاريخ زمنا بدأت فيه الموسيقى في حماه تأخذ منحى جديا فقد كان المهتمون في الموسيقا لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين لآن الناس في ذاك الزمان كانوا يعتبرونها في عرف التعصب والتزمت الذي عرفت فيه قديما واشتهرت أنه ضرب من ضروب الحرام وأن في ممارستها خطية وذنب فهي في عرفهم تبعد الانسان عن الدين وذكر الله فيستجلب بذلك غضب الرب وعباده عليه. ومع ذلك فقد كنت ترى الناس تجتمع في حفلة موسيقيه وكانوا قلة قليلة تجمعهم قرابة او صداقة حميميه وتراهم في اجتماعهم يغنون ويصفقون وتنتهي سهرتهم أو سيارينهم على ضفاف العاصي في البساتين وتصبح من الذكريات الجميلة.

ولا ننكر أنه كان من بعض سهرات الرجال ما يشوبها “الكاس والطاس” ولكن بالسر الشديد واما الموسيقيون والعازفون في تلك السهرات والسيارين فهم ايضا قلة قليلة جدا وبعدد الأصابع أيضا وكذلك كان للنساء سهراتهن ايضا فمنهن كانت من تجيد العزف على العود والضرب على الدربكة بإيقاعات راقصة، وكانت مطربة السهرة تسمى “العشرية” ونذكر منهن “ضمضم بنت عتوك” و “زنوب العشرية” فلا ينجح عرس او سهرة بدونها فكانت على رأس المدعوات دائما وكانت “زنوبة تلك” كبيرة السن ممتلئة الجسم وكان هناك عشريات أخريات لكنهن لم يكن بشهرة زنوبه. وكما انه لم تكن هناك صالات أفراح في ذاك الزمان واغلب ما كان العرس يقام في باحة دار عربية واسعه وكانت الناس في الحارات تتنازل عن بيوتها تقدمة لإقامة عرس لجيرانهم او اصدقائهم وبكل محبة ونخوة وكانت انارة العرس والحفلة بواسطة “اللوكس” فقد كانت اكثر الإنارات من ضو الكاز وكانوا يستأجرون اللوكس من دكان ابو ظلام الطرن جانب جامع المرابط.

ومن ذاكرة الفنان والمربي الأستاذ (ظافر امام) أفادنا : أن فرقة موسيقي حماه ايام زمان كان قوامها من ثلاثة اشخاص وهم سعيد الترمانيني “عود” وهاني كيلاني “كمان” وأما الثالث فكان الأستاذ القدير المرحوم توفيق حمدون على “القانون” وهو استاذ الفنان ظافر امام. وأضاف أنه في ذاك الزمن الجميل كان قد زار مرة حماه المطرب محمد عبد الوهاب وهو في طريقه الى حلب فدعاه السيد نجيب آغا البرازي الى عمارته وهناك اسمعه عزف فرقة حماه من الموسيقين الثلاثه آنفي الذكر فأعجب بهم جدا. كانت للموسيقا حصة واحدة في برامج التدريس وكان المادة اناشيد مدرسية وعلى الغالب أناشيد وطنيه ومن مدرسي مادة الموسيقا كان الأستاذ المرحوم توفيق حمدون والأستاذ شوقي يعقوب آغا ثم الأستاذ يحيى السراج رحمه الله وله فضل تعليم الموسيقا النحاسيه لطلاب ملجأ الأيتام. ثم أتى بعدهم موسيقيون ومغنون نذكر منهم عبد الحميد جعمور و”أبو العك” وهو هو فهد فرنجية يقال له ابو فريد كان رجل عراضات يصعد على الأكتاف وكان عدادا ماهرا يثير النخوة والحميه في اهازيجه”، ثم أتى عبد الستار سلامه ونعسان الحريري ومحي الدين عوير وغيرهم.

ويذكر أ.ظافر الامام أن العازف الكبير (عمر نقشبندي) كان قد سكن حماه لعدة سنوات وكان يرافقه في حفلاته أ.توفيق حمدون ومحي الدين عوير. ويتابع أن النقشبندي كان صديقا حميما لعمي ووالدي وكنت احضر حفلات النقشبندي الذي اشتهر بذاك الزمان بمعزوفة “رقصة ستي” من مقام صبا لا. ويتابع أ.ظافر بأنه كان قد سمع من الأستاذ حمدون عن الشباب الحموية الذين كانوا قد اوقفوا ناعورة الجسرية لتكمل منيرة المهدية وصلتها الغنائية لأن عنين الناعورة كان قد طغى على صوتها وحيث لم يكن في ذاك الزمان مكبرات صوت.

ومن مطربي حماه كما افادنا الصديق الفنان (كمال الديري) الفنان المرحوم الأستاذ ياسين محمود الخطاب الذي ولد في حي تل الدباغة بحماة سنة 1923 ومن أشهر ألحانه أغنية (بيش الغوازي) لقد امتزجت روح هذا المطرب مع الأغاني الشعبية ويطرب لها عشاقها. ثم نذكر المطرب الفنان الأستاذ غالب طيفور الذي ولد بحماة سنة 1918 وكان قد أنتج روائع الألحان ما يقرب من (150) لحنا نذكر منها : سماعي حجاز – قطعة (ماريانا) – ورقصة العبد – ولحن موسيقي بعنوان (بنت الراعي) – وموشح (هل شفى قلبك وعد) وأوبريت (العودة) من شعر الأخوين رحباني – وقطعة شعبية جميلة (ياواردة عالعين).

ثم الفنان الأستاذ محمد بديع خلوف الذي ولد سنة 1914م وتعب على نفسه فغدا عازفاً بارعا عالما بتدوين الموشحات واوزانها والقطع الموسيقية والأغاني بدقة واتقان، وقد تخرج على يديه أناس كثيرون أصبحوا فيما بعد أساتذة مرموقين في فن الموسيقا وعلومها منهم : مصطفى هلال وغالب طيفور وصبحي سعيد وغيرهم وكان قد قام بتدريس الموسيقا في المعهد الموسيقي الذي أسس في عهد حكومة المرحوم الشيخ تاج الدين الحسيني، وهو أحد مؤسسي المعهد الفارابي الموسيقي بدمشق سنة 1942. ثم نذكر الفنان الأستاذ سعيد الترمانيني الذي تلقى الفن عن المرحوم الحمصي محي الدين مكاوي وكان قد أعد نفسه بالتمرين على العود حتى برع فيه وأجاده.

وأما الفنان الأستاذ نجيب السراج (البلبل المتفنن) فقد ولد في حماة سنة 1922م وكان يتمنى منذ صغره أن يهبه الله صوتا جميلا ليشبع به رغبته وميوله نحو فن الغناء، لكنه غنى في أول محطة اذاعية أسست سنة 1945 ونجح وأصبح بجده وذكائه يلحن أغانيه ولقد لحن مئات الأغاني وأبرزها (قصيدة بلقيس – من مقام العجم) و(قصيدة البردة – من مقام الحجاز) للإمام البوصيري و(قصيدة المساء) للشاعر عارف تامر، وله ألحان غنتها (ماري جبران) وغيرها، ولقد لقب نجيب السراج بعبد الوهاب سوريا بعد لقاءه مع المطرب محمد عبد الوهاب في مصر كما لقب بمطرب العيون لاشتمال أغانيه على ذكرها.

وكما نذكر الفنان الأستاذ عبد الكريم بن زين الدين الكيلاني. الذي ولد في مدينة حماة وعاش فترة في الجزائر وهناك عمل في مجال الصحافة والإذاعة والتلفزيون حتى عام 1979 ويعد واحداً من رواد الحركة الموسيقية والمسرحية في مدينة حماة وقد أقيم له في نادي الفارابي عدة مهرجانات فنية قدمها على مستوى القطر كما قام بوضع كلمات ولحن لمهرجان ربيع حماة.

ومن المطربين الذين زاروا حماه محمد عبد الوهاب والمطربة المصرية منيرة المهدية وصباح والمطرب المصري كارم محمود الذي استمع لغناء نادر حداد وأعجب به واطلق عليه لقب مطرب حماه ثم المطربه كروان ثم المطرب صباح فخري ولعدة مرات وله في حماه صداقات وطيدة والموسيقي الكبير عبد الرحمن جبقجي. وخرجت من حماه المطربة سحر. فحماة أهدت للفن مطربين وعازفين كانوا عمالقة في فن الموسيقي غناء وتلحينا أمثال نجيب السراج وياسين محمود و عازف الكمان صبحي جارور وياسين العاشق و غيرهم.

ونعود لنذكر بأنه لم يكن لحماه فرقة موسيقيه تحمل اسم حماه بل كان هناك شبه مجموعات من العازفين رابطهم الصداقة والسهرات بالدرجة الأولى وليس رابط الفرقة الموسيقية الملتزمه نذكر منهم ايام زمان كما أفادنا الفنان ظافر امام منهم المرحوم الصيدلي محمد الريس على العود والدكتور مروان ركبي على الكمان وظافر امام على الكمان ايضا هذا كان في منصف اربعينات القرن الماضي، وكان تعليمهم سماعي وليس بقراءة النوته ثم في الخمسينات. ثم كان المرحوم خالد سهيان وكان على الايقاع ومن ثمة نادي الفارابي ثم بيت السهيان في تل الدباغة وقد جمع العازفين من آل يعقوب آغا الفنان موفق والفنان فتحي ثم تتالى الفنانون الأستاذ ممدوح عروق عزف الكمان واحمد شوكه من فرقة الأطلال بي 65 – 75 القرن الماضي وكان ايضا فرقة طلائع الفن التي كان يقودها الفنان مصطفى صمودي في اوائل ستينات القرن الماضي.

والجدير بالذكر ان الفنان صمودي كان قد ألف الأوبريت الوطني نداء العروبه كلمات والحان ثم كان من منتدى الاثنين الفني أ.محسن اصفر عود وفؤاد اصفر ايقاع و د.فراس يعقوب آغا قانون واحمد حداد ناي والريحاوي كمان ومروان بركات غناء و د.عبد الحميد طيفور غناء و م.الياس باشا كمان والمطرب غياث عوير وكان هذا البيت الموسيقي صلات مع المطرب صباح فخري فقد زارهم عدة مرات كما كان مجلسهم مجلس شعر وادب فمن جلسائهم كان الدكتور الشاعر وجيه البارودي واديب حماه وليد قنباز ومن بيت السهيان تفرع منتدى الاثنين للموسيقا في حارة الطوافره و..و..

ويضيق المجال فقد رفدت حماه فيما بعد فنانين كثر ومازال لديها أيضا أساتذة في الموسيقى لهم بصماتهم و آثارهم و دورهم الكبير اليوم اذكر على سبيل المثال الأساتذة حسين السبسبي الذي غدا بمصاف العالميه والأستاذ ظافر امام الذي الف كتابا في الموسيقا بعنوان السلالم الموسيقيه والايقاعات والمقام حيث يبحث بشكل عام في الايقاعات والمقامات ويدحض فيه نظريات الغرب في الموسيقى فمن بعضها على سبيل المثال أن المسافة بين ره والميم هي عشرة محلات لا محلين فقط حسب نظرة الغرب فقد اسقطوا من الحساب ثمان محلات وانهم يكتبون النوته من اليسار الى اليمين بين كان العرب يكتبونها من اليمين الى اليسار لآنهم قوم “اليمين” انه يرتد في بحوثه الى اعلام الموسيقى في التراث العربي الفارابي وابن سينا و..و.. ويؤكد ان الموسيقا هي علم ايقاع ورياضيات.

ثم نذكر نقيب فناني حماة الأستاذ (معمر السعدي) وأخيه الأستاذ (قصي السعدي) وكما أذكر من الفنانين: كمال ديري رئيس نادي الفارابي حاليا، و محمد الأمير – ميلاد جمعة – حيدر مغمومة – مصباح غنامة – يحيى جنيد – ممدوح عروق – خالد رحيل – عبد القادر مصري – أحمد سرميني.

وفي الطرب نملك أصواتاً هامة منها مثلاً الفنانين : ياسر أسعد – غياث عوير – شادي عبد الكريم – حنا توما – زكي حداد – غزوان غنامه – أيمن عرفة – مازن السفاف و فايز السفاف وغيرهم. ويطول بنا الذكر ونأسف عن الذين غفلنا عن ذكرهم فهم ماشاء الله كثر.

آه ما أجمل أيام زمان وسماع نجيب السراج من راديو اذاعة دمشق في الليالي المقمرة وهو يغني : يا أم العباية و عاللالا ولالا… والله لعبي الجرة من ميتك يالعاصي..و..و.. سقى الله ذاك المزمن الجميل.

وأخيرا أقدم لكم قولا كنت قد قرأته وأعجبني : الحياة ساقية وزهرة وبلبل والبشر إزاءها عين وقلب فمن عكر الساقية وقطف الزهرة وأمات البلبل كان عبئا ثقيلا على الحياة حيث لا أذن ولا قلب ولا عين , ومن استيقظ وتمتع بها وجدها جميلة مستبشرة فان شاء غديراً رقراقاً كان ذاك وان شاء سعيراً لا هباً كان هو ولكل امرئ ما نوى.