بطاقات بحث
ثلاث بنات وأمهنّ – من الحكايات الشعبية الشامية
ثلاث بنات وأمهنّ – من الحكايات الشعبية الشامية
من حكايات حي مئذنة الشحم
الراوي: امرأة عجوز سمعتها من عجائز أسرتها وقد سمعنها بدورهنّ من أمهاتهن وجداتهن. ومعنى ذلك أن هذه الحكاية تحمل رواية الجيل الثالث للرواة. وجيل الرواية قد يمتّد زمنها إلى منتصف القرن الثامن عشر للميلاد.
توثيق الباحث نزار الأسود.
كان ياما كان حتى كان، كانت في قديم الزمان أم فقيرة تعيش مع بناتها الثلاث.
يغزلن ويأكلن من ثمن غزلهن. في كل يوم ثلاثة قروش. واستمر هذا الحال مدة من الزمن، إلى أن قالت البنت الصغرى لأمها! وحتى متى نصبر على الفقر وقلة المال؟ وأكل الزيتون والخبز الجاف؟ يجب أن نسعى في مناكبها.. وأن نكسر طوق الفقر والعزلة التي نعيشها. قالت الأم: جربي حظّك من الدنيا اليوم يا بنية.
ذهبت البنت الصغرى -فاطمة- إلى السوق، باعت الغزل بثلاثة قروش، ثم قصدت دكان الزهوراتي وقالت: أتأخذ ثلاثة قروش وتعطيني ثلاث فلاتّ!؟ فقبل بائع الزهور، وأعطاها ما طلبت.
وعلى الرغم من غضب الأم، وحزنها لفعل فاطمة، إلا أن فاطمة أسرعت إلى الجيران، واستعارت حذاء جديداً، وملاءة حريرية لأمها. وطلبت منها أن تذهب بالفلّ إلى قصر الملك. وتقدّم هذه الهدية إلى ابنة الملك، وتقول لها: فطوم بنت العشرة، والصحبة، تهديك السلام وتقوم لك: “النبي قبل الهدية، وأنت اقبلي الهدية” فأعطتها ابنة الملك أربع ليرات ذهباً، ففرحت بها فاطمة ونزلت إلى السوق واشترت بها مونة البيت من رز وسكر وزيت. وكذلك اشترت لحافاً وبساطاً جميلاً.
وفي اليوم التالي.. يتكرر بالفعل وتأخذ البنت من أمها من ثماني ليرات ذهبيّة.. وتشتري بها أثاث المنزل من الكراسي والتخوت، وفي اليوم الثالث.. تأخذ اثنتي عشرة ليرة ذهبية وتشتري بها أرائك وستائر.. كذلك في المرة الرابعة، وأخيراً تعزم فاطمة ابنة الملك على طعام الغذاء في الحمام وتقول لها: تفضلي أنت ومن تشائين، رغم معارضة أمها (ونحن من مقام الملك وابنته!!) (سنصبح ضحكة أمام الناس والضيوف) بيد أن البنت طمأنت أمها وقالت لها: لا تهتمي سأدبر الأمر بنفسي.
وهكذا استأجرت الحمام وأحضرت الأكل من السوق: أوزي، كنافة، وما لذ وما طاب. حتى إن بنت الملك وضيوفها وجدن ما يأكلن من أفخر المأكولات وأشهاها. وخرجن من الحمام مسرورات، إلا أن فاطمة حلفت على ابنة الملك وضيوفها وأقسمت يميناً أن ينمن الليلة في بيتها، فقبلت ابنة الملك: أما الأم فقد خافت وهربت من البيت..
وفي الطريق من الحمام إلى البيت كانت فاطمة تسر ضيوفها بحديثها العذب. ولسانها الحلو وتحكي لهن الحكايات والنواد الغريبة. وإذا بها تشاهد قصراً فخماً بجانب الطريق، وكأنه سراي. فدخلت وبحثت عن صاحبه فوجدت ابن صاحب القصر، وهو شاب كسول خامل، فقالت له: استرني، الله يسترك.. لدي ضيوف، ويجب عليك أن تكرم وفادتهن. وأعطته مالاً – ما بيحكي إلا القرش- فقبل وأحضرت فاطمة كل ألوان الطعام من أجل العشاء. إلا أنها خافت من صاحب القصر، وهو رجل عجوز يسكن في علية القصر. فحكت له قصتها. ورجته أن يقبل ضيوفها الليلة وحتى اليوم التالي. فقبل الرجل العجوز. واشترط أن تتزوج الليلة من ابنة الشاب، فرضيت.
تحول القصر إلى دار أفراح بعد أن زينته. وأخذت تغنّي وتعزف على العود أجمل الألحان، بين إعجاب ضيوفها ودهشتهن. فكانت ليلة جميلة. امتدّ العرس طوال الليل وأسرعت إلى عريسها الشاب الخامل الكسول. فبعثت به إلى الحمّام، وألبسته أجمل الثياب. وعلّمته حسن التصرف ولباقة الحديث مع الضيوف. فأعجبت النساء به.
وفي الصباح، وبعد الأكل من سفرة العرس وأحضرت العربات لتنقل ضيوفها إلى منازلهّن. ثم علّمت زوجها أصول العمل والتجارة. فأصبح عاملاً نشيطاً، وزوجاً مخلصاً. وجاءت بأمها وأخوتها إلى القصر ليعشن معها في سعادة دائمة.
وقبل الغروب وقف الزّوج عند بائع الحليب. وأخذ يسأله بدهشة: ما هذا؟ وما هذا؟ وبائع الحليب يجيب: رزّ بحليب، مهلبية، مرقّد الحليب.. وهكذا جرى بينه وبين بائع الحليب ما جرى بينه وبين بائع الطعام والحلواني. أخذ الزوج جديه وانطلق به، والدنيا ظلام، والزوج لا يدري أن يذهب، وهو غريب.
مصادفة رأى الزوج امرأة مشمرة تنتقل بين بيوت جيرانها. وتفز من سطح إلى سطح. فناداها وقال لها: أريد أن أبات عندك الليلة! فوبخته ورفضت. فألح الزوج حتى قالت لها جارتها: وما عليه، خذي منه الجدي ونيميه في المطبخ . وهكذا نام الزوج في المطبخ.
فجأة، أخذ الباب يطرق. فحارت المرأة ما تفعل. وقالت للزوج: أصعد وأختبئ في السقيفة أنت والجدي. وإياك أن يصدر عنك أي صوت! فوافق الزوج واختبأ. وفتحت المرأة الباب، فإذا ببائع الطعام (وهو أخوها في الرضاعة) ويدخل وقد عطّر نفسه وزيّن لباسه، ومعه أطيب الأطعمة. فاحتفلت المرأة به. وأعدّت السفرة والنرجيلة، وسهرت معه وهو يحدثها عن همومه ومتاعبه.
وفجأة أخذ الباب يطرق، فاحتارت المرأة ما تفعل! وقالت للحلواني: اختبئ في السقيفة. فاختبأ مع الزوج والبائع. وفتحت الباب فدخل (أخوها من الرضاعة) بائع الحليب، ومعه أطايب ما في دكانه. فاحتفلت به المرأة، وهو يحدثها عن همومه.
وفجأة طرق الباب. لقد جاء زوج المرأة المسافر بعد غياب ستة أشهر. فاختبأ بائع الحليب في السقيفة، وصبغت المرأة وجهها بالعصفر، ومدّت الخبز اليابس تحت فراشها، وتصنعت المرضن وفتحت الباب.. وأخذت تشكو مرضها لزوجها، والخبز اليابس يتكسّر تحتها لشدة مرضها. فتأثر الزوج ودعا لها بالشفاء.
وهنا ضجّ صاحب الجدي من هذه التركيبة العجيبة. فقرص الجدي وفزع أصحاب السقيفة الثلاثة. فقال الزوج لامرأته: ما هذا: فقالت لامرأة :إنهم أولياء صالحون، سمعت صوتهم استجابة لدعوتك. فصدّق الزوج وصاح: كم أنتم؟ قال صاحب الجدي: ثلاثة وجدي. قال زوج الأمرأة: أين أنتم؟ أجابه صاحب الجدي: في القبة، في القبة..
هدّد صاحب الجدي أصحابه بالفضيحة. وأخذ منهم مالهم، وملابسهم. وهم يهمهون غضباً ! والمرأة تتوجع لتغطي على همهماتهم. وأخيراً حمل صاحب الجدي الجدي على كتفه، وصرّة المتاع. وأشار إلى أصحابه أن اتبعوني. فتبعوه وهم يهلّلون ويدورون حول المرأة لتشفى. وفجأة اتجهوا نحو الباب وهربوا.
عاد صاحب الجدي إلى زوجته، ومعه الجدي.!! وماتزال زوجته تقول له: يجب أن نبحث عن عريس لهذه الصبية!.
توتة توتة خلصت الحتوتة.
انظر:
الحكايات الشعبية في الساحل السوري