عام
مرويات موفق الشرع حول بدايات الرياضة في درعا
جانب من مذكرات موفق الشرع التي نقلها فؤاد حبش:
(كنت طالباً في الصف الثاني الإعدادي في مكتب عنبر بدمشق، ضعيفاً نحيلاً شاحباً، وفي شهر كانون الثاني من عام 1935 وأثناء العطلة الانتصافية للمدارس، أصبت بالروماتزم الشديد في ركبتي حتى أصبحت عاجزاً عن القيام بأي عمل دون مساعدة أحد أفراد العائلة، واضطرت إلى التغيب عن المدرسة لبعض الوقت، فأرسلت المدرسة خطاباً إلى أهلي ينذر برسوبي إذا تجاوز غيابي عنها خمسة عشر يوماً مما اضطرني للحضور إلى دمشق والدوام في المدرسة رغم مرضي الشديد.
شاهدني مدرس الرياضة المرحوم الأستاذ عزة الرفاعي منعزلاً في زاوية الملعب، فسألني عن سبب عدم ممارستي للرياضة فأخبرته عن إصابتي بالروماتزم فقال إن علاجي الوحيد هو مزاولتي للرياضة، وأوعز لعريف الصف أن يلاحظني ويعلمه عن كل مرة أتوقف فيها عن المشاركة في درس الرياضة ليعاقبني أشد العقاب.
وهكذا اضطررت لممارسة الرياضة أثناء وجودي في الملعب كتسلق الحبل ورفع الأثقال ورمي الكرة الحديدية والجري والوثب بأنواعه، وسرعان ما تحسنت حالتي الصحية بفضل نصيحة وتشجيع الأستاذ الرفاعي على ممارستي للرياضة، وأصبحت بعد فترة وجيزة أمارس أنواعاً عديدة من الرياضة كألعاب القوى والمصارعة والملاكمة وألعاب الكرات وشاركت في المباريات والبطولات السنوية التي كانت تقيمها المدرسة بإشراف الأستاذ الرفاعي، ونلت العديد من الأوسمة والكؤوس في الجري ورفع الأثقال، وانقلبت إلى فتى ملئ النشاط والحيوية وأضحى شحوبي أحمراراً وضعفي قوة.
وبعد أن نلت البكالوريا الأولى ذهبت إلى الجامعة الأمريكية ببيروت والتحقت بقسم الإعداد اللغوي، حيث كانت عناية الجامعة الأميركية أشد وأقوى، ومارست السباحة ونلت شهادة منقذ وشاركت مع منتخب كرة القدم والسلة في قسم الإعداد اللغوي للجامعة.
وعندما عدت لإتمام البكالوريا الثانية في مدرسة اللاييك بدمشق لعبت مع منتخبها للكرة الطائرة وتغلبنا على أقوى الفرق المدرسية في العاصمة، وفي عام 1947 انتقلت إلى تدريس الرياضة بعد أن حضرت دورة رياضية للمعلمين في معسكر قطنا عام 1946 برئاسة الأستاذ أنور تللو وبعض المدرسين المصريين أذكر منهم محمد علي الحافظ وحسين رشدي ومصطفى الباجوري وخليل فوزي ومحمد فضالي.
وأذكر أنني حين كنت مدرساً للرياضة في درعا قاسينا الأمرين من مقاومة البيئة الاجتماعية التي كانت تعتبر الرياضة انحرافاً وإضاعة للوقت، ولاقينا محاربة من قبل المسؤولين في المحافظة في ذلك الوقت، وعلى سبيل المثال أود أن أذكر بعض هذه الحوادث:
1-ملاحقتنا من قبل الشرطة بناء على توجيه من أحد المحافظين لأن لباسنا القصير في رأيه غير محتشم ومنافِ للدين والأخلاق فاضطرنا إلى اللعب بالشراويل الطويلة وكان منظرنا بها مضحك.
2-لم يكن هناك مال مخصص للرياضة، ولم يكن أحد يساعدنا في شراء احتياجاتنا أو أدواتنا الرياضية، وأذكر أنني جمعت من الطلاب مبلغاً بسيطاً اشترينا به انبوبين حديدين غرزناهما في الملعب لإنشاء ملعب للكرة الطائرة وربطناهما بحبل من الأعلى عوضاً عن الشبكة، كما صنعنا سلة لكرة السلة من إطار غربال قديم ثبتناه على عمود كهربائي مكسور وجدناه ملقى بجانب أحد الشوارع، وكنا نتمرن عليه دون لوحة خشبية أما ملعب كرة القدم فكان ساحة مليئة بالأحجار وكنا نكتفي بوضع كومتين من الحجارة في السهول المحيطة بالبلد لتحديد هدفي الملعب.
3- في عام 1953 تعرض الرياضيون في درعا إلى مضايقات ومحاربة من قبل المحافظ وكان يدعى بشير فؤاد وهو من حلب، قمت بإرسال رسالة مسجلة إلى وزارة التربية والتعليم في بدمشق، فاستدعيت بعد فترة قصيرة من قبل اللجنة العليا لحركة التحرير أيام حكم الشيشكلي لإيضاح الأمر، فاتخذت اللجنة قراراً بتبديل المحافظ وتعيين السيد حمدي الصالح بدلاً عنه، والذي أصبح أكبر مشجع للرياضة في المحافظة، وكانت هذه الحادثة نصراً كبيراً للرياضيين وللرياضة في المحافظة)(1).
(1) حبش (فؤاد)، تاريخ الحركة الرياضية في سورية، الجزء الثاني،صـ 365