عام
الموسيقا في حلب
الموسيقا في حلب
الموشح :
بلغ فن “الموشح” في حلب في أواخر القرن التاسع عشر الأوج على أيدي الفنانين الحلبيين الذين هذبوا فيه حتى استقام على الصورة المعروفة اليوم باسم “الموشحات الحلبية”
الأغنية الشعبية:
ووجد فن الأغنية الشعبية وهي الأغنية الشعبية الدارجة التي كانت تستقي مادتها من الحياة اليومية على يد مجموعة كبيرة من الفنانين الشعبيين المجهولين الذين حافظوا عليها ونشروها في كل بلاد الشام حتى أضحت بعد أن جمعت وهذبت من التراث الفولكلوري.
الغناء:
نقل العاملون في الموسيقا والغناء فن الدور المصري إلى بلاد الشام، ليتبوأ المكانة اللائقة به إلى جانب فنون الغناء الأخرى المعروفة:
(الغناء بكلمة ياليل، الموليا “الموال” – الأهزوجة – القصيدة- الموشحة – والأغنية الدينية “المدائح النبوية”).
أما بالنسبة للموسيقا الآلية، فقد سادت قوالب الموسيقا الشرقية في التأليف الموسيقى فاهتم الموسيقيون “بالدولاب” – وهو تمهيد موسيقي قصير- لضرورة التمهيد به للغناء، أكثر من قالب “التحميلة” الفني، وأولوا “السماعي” و”اللونغا” عناية خاصة أكثر من “البشرف”.
كان ينظر المجتمع نظرة قاسية إلى أهل الطرب من الموسيقيين والمطربين والفنانين عموماً – بسبب المعتقد الديني- وظل يعتبرهم حتى السنوات الأولى التي تلت بعد الجلاء من أحط الناس، أدركنا سر المعاناة التي كان يتعرض لها أولئك الذين كانوا يصنعون المسرة لكل الناس.
فقد كانت شهادة كل العاملين في الموسيقا غير مقبولة في المحاكم أسوة بكشاشي الحمام ومتعاطي الكحول والمخدرات.
وإلى جانب الحياة الفنية الدنيوية، قامت حياة أخرى فنية دينية قوامها الفرق الدينية المتصوفة مثل : الشاذلية والمولوية والقادرية والرفاعية والنقشبندية والجباوية وغيرها من الفرق التي وقفت حلقات أذكارها على المدائح النبوية والتغني بالذات الألهية.
وهذه الفرق لم تستخدم في حلقات أذكارها من الآلات الموسيقية سوى آلات الإيقاع الخالية من الصنوج.
وفنانو وشيوخ هذه الطرق من المنشدين كانوا في غالبيتهم من أتباع الطريقة الشاذلية والطريقة المولوية، منهم على سبيل المثال:
الشيخ محمد الوراق.
الشيخ محمد أبو الهدى الصيادي الرفاعي.
محمد سلمو الشاذلي.
صالح الجذبة
وغيرهم.
في هذه البيئة ظهر أحمد أبو خليل القباني 1833- 1903 بمسرحه الغنائي كظاهرة فريدة في الغناء والموسيقا والمسرح الغنائي، غير أن مجتمع دمشق المحافظ دفعه للرحيل إلى مصر التي وصلها في الثالث والعشرين من تموز 1884 ليكرس فنه لخدمة المسرح، والمسرح الغنائي.
وسبق القباني في الرحيل إلى مصر الفنان “شاكر الحلبي” الذي نزح إلى مصر في عام 1840 وقام بتقلين أصول الموشحات وفنونها.
تبرز أهمية هجرة القباني أنها دلت سائر الفنانين السورين الذين تعرضوا للاضطهاد الاجتماعي للهجرة إلى مصر، فكان “يوسف الخياط” و”سليمان قرداحي” من أوائل النازحين من محترفي العمل المسرحي، كذلك هاجر عدد كبير من الموسيقيين، منهم من أقام في مصر نهائياً، ومنهم من آثر العودة، وأول الرواد في مجال الموسيقا العازفون : “عمر الجراح 1853 – 1921 الذي كان يجيد العزف على آلتي العود والقانون، و”حسن الساعاتي” 1858 – 1933 عازف القانون المعروف و”أمين الأصيل” 1860- 1853.
كما قام عدد من الهواة والمحترفين على حد سواء بزيارة مصر وهدفهم الاحتكام بمشاهير الفنانين
كان أبرز هؤلاء الذين زاروا مصر:
عبد الله أبو حرب 1836 – 1908 الذي يعد أمهر ضارب إيقاع ومن راقصي “السماح” المبدعين.
عبد الرزاق العش 1862- 1936.
حسن شاشيط 1861- 1916 الذي غنى أمام الخديوي توفيق.
جميل الأدلبي 1878- 1917 الذي آخذ علم الغناء عن المطرب “عبد الحي حلمي”.
جميل جمعة 1890- 1942 عازف العود الذي ترأس فرقة موسيقية وافتتح صالة “كباريه” خاصة به.
الموسيقى “أنطون يوسف الشوا” وجد عنتاً مشابهاً للذي لقيه القباني، وإذا كانت اهتمامات القباني قد انصبت على التلحين والتمثيل والتأليف للمسرح، فإن أنطون الشوا، انصرف إلى تطوير “التخت الشرقي” – الفرقة الموسيقية- ففي عام 1865 قام بخطوة جريئة تجلت في محاولته استخدام آلة “الكمان” الغربية في التخت الشرقي، وتطويعها عن طريق تغيير جذري في ضبط أوتارها الأربعة المتعارف عليه في الموسيقا الغربية، لتلائم كآلة موسيقية، أغراض وإمكانات آلات “التخت الشرقي” فجعل أصوات الأوتار المطلقة في الكمان الغربية (صول، ره، لا ، مي) من الأعلى إلىى الأسفل – (صول، ره، لا ، ره) متبعاً في ذلك الأسلوب التركي في ضبط أوتارها، وعلى الرغم من نجاح “الشوا” في ذلك، فإن الإقبال على هذه الآلة ظل محدوداً، واضطر من أجل تحقيق طموحه إلى النزوح مع ولديه “سامي وفاضل” إلى مصر، آملاً في النصر الذي يحلم به لهذه الآله التي سبق لابنه “سامي الشوا” أن انتزع الإعجاب بالعزف عليها في حلب ودمشق والقدس، والذي حقق النجاح نفسه في مصر بمساعدة الموسيقى الكبير “محمد القصبجي” لتغدو بفضله الآلة الرئيسية بعد القانون والعود في التخت الشرقي.
شجع نزوح هؤلاء الفنانين سائر الفنانين من موسيقيين ومطربين وممثلين على النزوح بدورهم إلى مصر وسائر الأقطار العربية، وكان أول هؤلاء الشيخ “علي الدرويش” 1884- 1952 الذي يمم وجهه شطر “الآستانة” أولاً ثم إلى العراق والمحمرة – عربستان- مرتين متتاليتين قبل أن يتوجه إلى مصر بدعوة من الفنان “مصطفى بك رضا”، فأغنى الحياة الموسيقية في مصر بإطلاعه الواسع وبالعلم الذي يعرفه والتراث الذي يفظه ، ومن ثم شد رحاله إلى تونس تلبية لدعوة البارون “دير لينجه”.
ومنذ مطلع هذا القرن شهدت القاهرة غزواً مركزاً قوامه مشاهير الموسيقيين والممثلين ومن هؤلاء الفنان “كميل شامبير 1892- 1934” الذي حاول أن يفرض آلة البيانو على الحياة الموسيقية في دمشق وحلب، حتى إذا فشل رحل إلى مصر، وفي نفس الفترة التي نزح فيها “كميل شامبير” إلى القاهرة، توجه إليها الفنان الكبير “توفيق الصباغ” 1892- 1966 لكن الصباغ كفنان كلاسيكي يؤمن بالقوالب الفنية التي قام عليها التأليف الموسيقي الشرقي، لم يستطع التعايش مع الوسط الفني الذي وجد نفسه فيه بعيداً عن وطنه، فشد رحاله في العام 1923 عائداً إلى مسقط رأسه حلب.
أبرز الفنانين الذين جربوا حظوظهم الفنية في القاهرة التي هاجروا إليها قبل إندلاع الحرب العالمية الأولى هم: “سامي الشوا” و”فريد غصن” عازف العود الشهير، الذي استقر هو الآخر نهائياً في مصر، “جميل عويس” عازف الكمان المتميز والمؤلف القدير الذي لعب دوراً كبيراً في حياة مصر الفنية.
في أعقاب الحرب العالمية الأولى، استمرت هجرة الفنانين السوريين والمطربات السوريات، وكان هدف المطربات السعي وراء الشهر والثراء، ومن أشهرهن “نادرة الشامية” و”ناجية الشامية”، وقد تمكنت نادرة الشامية من مزاحمة “منيرة المهدية” على عرشها، ونافست فيها بعد طويلاً المطربة الشابة أم كلثوم قبل أن يطويها الزمان.
كذلك جربت “ناجية الشامية” حظها في القاهرة، فلم يحالفها التوفيق، فعادت لتمارس مهنتها في دمشق.
أما المطربة “علياء المنذر” فلم تكن في الأصل مطربة، فقد هربت من السويداء في جبل العرب مع أولادها “فؤاد وفريد وآمال” إلى لبنان وبادئ ذي بدء خوفاً من الثورة المنذرة بالاندلاع، ثم توجهت إى مصر، فعملت لحساب بعض المتاجر، قبل أن تتصل ببعض أهل الفن مع معارفها كالفنان “فريد غصن” والفنان “داود حسني” اللذين قدما لها ما يستطيعان من مساعدة، ثم تعرفت على محمد القصبجي وزكريا أحمد والشيخ محمود صبح اللذين لحنوا لها عدداً من الألحان قامت بتسجيلها على اسطوانات شركة كولومبيا، وغدا بيتها بفضل كرمها وروايتها للشعر وإتقانها الحديث والمسامرة محجاً للفنانين والأدباء، وابتعدت شيئاً فشيئاً عن ميدان الطرب واهتمت بتربية أولادها تربية فنية وبخاصة فريد وآمال، ليسفر كل ذلك عن تبؤ كل من فريد الأطرش و”آمال الأطرش” اسمهان لمركزي الصدارة بين المطربين والمطربات.
إن النزوح ليس هو هدف هذه المقدمة التي أردنا من ورائها إلقاء بعض الضوء على الأسماء التي قيض لها أن تلعب درواً في الحياة الموسيقية في مصر. وإن كان بعض هؤلاء الموسيقيين قد عاد إلى وطنه، فإنما عاد ليسهم في الحركة الموسيقية التي أخذت تبشر بولادة عهد جديد من خلال الأجيال الجديدة المتفتحة والمعطشة لكل عطاء إيجابي (1).
(1) الشريف (صميم)، الموسيقا في سورية – أعلام وتاريخ، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، وزارة الثقافة، دمشق عام 2011م، صـ 15- 17.