إياد محفوظ – التاريخ السوري المعاصر
طوائف اليهود في حلب
“جميع طوائف اليهود في حلب على اتباع التلمود، وليس فيهم سامرية ولا قرّاؤون إلّا وهو غريب عن حلب، وهم على ثلاثة أنواع:
– كوهن ينتسبون إلى نبي الله هارون عليه السلام.
– لاوي.
– إسرائيلي، وهم العموم.
هذا والغالب على اليهود في حلب تمسكهم بتقاليدهم الدينيّة واعتزالهم معاشرة غير أبناء دينهم خصوصاً المسيحيين، وانهماكهم في مشاغلهم، وفيهم الغنى المفرط والفقر المدقع، وفي تجارهم المهارة في الاقتصاد، وأصول التجارة، وفنون الحساب، وتعدّد اللغات الغربية.”(1)
أقول:
إنّ الطائفة الموسويّة موجودة في حلب منذ مئات السنين وربما منذ آلاف السنين، وأبناء هذه الطائفة مندمجون في مجتمعات المدينة منذ القدم، ويمتهنون الأعمال المختلفة لا سيما المتعلقة بقطاعي المال والاقتصاد، ولا عجب أن نرى عدداً لا بأس منهم يحمل أسماءً عربية، يكاد المرء لا يعرف ديانتهم إذا لم يفصحوا عنها بأنّفسهم، كما أنّ كثيراً منهم اعتاد تسمية ابنه البكر على اسم والده تيمناً بالعادات الحلبية المتوارثة.
من اللافت أنّ أمكنة إقامة الأسر اليهوديّة كانت موزعة على عدد كبير من الأحياء الحلبيّة القديمة وذلك في بدايات القرن العشرين، وقد ذكر الشيخ كامل الغَزّي في الجزء الثاني من كتابه نهر الذهب في تاريخ حلب في معرض حديثه عن أحياء المدينة، عدد البيوت في كل محلة، وعدد السكان فيها، فضلاً عن تقديم شرح مفصل لعدد الأهالي من الذكور والإناث، المنتمين إلى الطوائف والمذاهب الدينية المتنوعة.
وخلصتُ إلى أنّه من المفيد استعراض ما يخص الطائفة الموسويّة من هذا الإحصاء لما رأيت فيه من أهمية، لعلنا نستنبط من خلال التطواف في هذا البحث الاجتماعي، والغوص في تفاصيله بعضاً من الدلالات المهمة، التي قد تقودنا إلى استنتاجات أكثر أهمية.
هذا وقد جاء انتشار أفراد الطائفة اليهوديّة في أحياء المدينة على النحو التالي:
1- محلة العقبة (د(2)): عدد بيوتها (110)، إجمالي عدد سكانها (969)، سكانها اليهود: الذكور (53)، الإناث (67)، المجموع (120)، نسبة اليهود فيها (%13)، وتصبح نسبتهم فيها دون حساب عدد الأجانب (%15).
2- محلة ساحة بزه (د): عدد بيوتها (328)، إجمالي عدد سكانها (2195)، سكانها اليهود: الذكور (17)، الإناث (24)، المجموع (41)، نسبة اليهود فيها (%2)، وتصبح نسبتهم فيها دون حساب عدد الأجانب (%3).
3- محلة سويقة علي (د): عدد بيوتها (135)، إجمالي عدد سكانها (1044)، سكانها اليهود: الذكور (57)، الإناث (67)، المجموع (124)، نسبة اليهود فيها (%12).
4- محلة الدباغة العتيقة (د): عدد بيوتها (83)، إجمالي عدد سكانها (760)، سكانها اليهود: الذكور (253)، الإناث (256)، المجموع (509)، نسبة اليهود فيها (%67).
5- محلة البندرة (د): عدد بيوتها (225)، إجمالي عدد سكانها (2455)، سكانها اليهود: الذكور (927)، الإناث (948)، المجموع (1875)، نسبة اليهود فيها (%77).
6- محلة المصابن (د): عدد بيوتها (148)، إجمالي عدد سكانها (1515)، سكانها اليهود: الذكور (377)، الإناث (400)، المجموع (777)، نسبة اليهود فيها (%52)، وتصبح نسبتهم فيها دون حساب عدد الأجانب (%61).
7- محلة بَحْسيتا (د): عدد بيوتها (264)، إجمالي عدد سكانها (4223)، سكانها اليهود: الذكور (1970)، الإناث (1890)، المجموع (3860)، نسبة اليهود فيها (%92).
8- محلة جب أسد الله (د): عدد بيوتها (243)، إجمالي عدد سكانها (1660)، سكانها اليهود: الذكور (104)، الإناث (124)، المجموع (228)، نسبة اليهود فيها (%14)، وتصبح نسبتهم فيها دون حساب عدد الأجانب (%16).
9- حي الجميليّة (خ(3)): عدد بيوتها (220)، إجمالي عدد سكانها (2788)، سكانها اليهود: الذكور (632)، الإناث (700)، المجموع (1332)، نسبة اليهود فيها (%48)، وتصبح نسبتهم فيها دون حساب عدد الأجانب ومهاجري ماردين (%67).
10- حارة الصليبة الصغرى (خ): عدد بيوتها (266)، إجمالي عدد سكانها (2186)، سكانها اليهود: الذكور (200)، الإناث (300)، المجموع (500)، نسبة اليهود فيها (%23).
من خلال نظرة فاحصة لهذا الاستعراض المفصل لتوزع أفراد الطائفة الموسوية في بعض أحياء المدينة ومناطقها يسعنا الإشارة إلى الملاحظات التالية:
1- إنّ عدد أفراد الطائفة الموسوية بحلب في بدايات القرن العشرين هو (9366)، في حين بلغ إجمالي عدد سكان المدينة في الفترة نفسها (109610)، وهذا يعني أن نسبة عدد اليهود إلى العدد الكلي لأهالي المدينة هي (%8.5) تقريباً.
وفي السياق نفسه ذكر الشيخ محمد راغب الطباخ في كتابه إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء في الجزء الثالث، الصفحة (377) إنّ إجمالي عدد نفوس أهالي مدينة حلب وفق ما ورد في جريدة الفرات في عددها المؤرخ في (08/ رجب/1301 هجريّة) هو (99189)، منهم (7825) موسويين، أي أنّ نسبة اليهود إلى إجمالي عدد سكان حلب هي (%8) تقريباً.
ويسعنا الخلوص إلى أن النسبتين المستنتجتين من المصدرين المذكورين تكادان أن تكونا متطابقتين.
2- نجد أنّ نسبة كلا الجنسين من اليهود متقاربة إلى حد بعيد، فقد بلغت نسبة الإناث ال(%51)، في حين لم تتجاوز نسبة الذكور ال(%49).
3- إنّ الأسر اليهوديّة منتشرة في عدد لا بأس به من أحياء حلب، أسوة بأبناء الطوائف المسيحية المتنوعة، لا سيما في المناطق الموجودة ضمن الأسوار، وهذا يشير إلى أنّ أفراد الطائفة اليهودية كانوا منصهرين في النسيج الاجتماعي للمدينة، ولم يشعروا بالحرج والخوف من الإقامة في أحياء يغلب عليها الطابع الإسلامي فحسب، بل عاشوا على مرّ الأزمان والعصور في أجواء سادت فيها أسباب الاحترام المتبادل، وأشكال الصون المجتمعي، لخصوصيات الطوائف والمذاهب الدينيّة المختلفة.
4- يتمركز أغلب أفراد الطائفة الموسوية في خمسة أحياء وهي: بَحْسيتا، البندرة، الجميليّة، الدباغة العتيقة، والمصابن.
5- على الرغم من انتشار الأسر اليهودية في عشرة من أحياء المدينة، التي يقع معظمها داخل الأسوار التاريخيّة لحلب، إلّا أنّنا نجد أنّ هذه الأحياء متجاورة إلى بعضها بعضاً، ومتصلة فيما بينها من خلال دروب وأزقة متشعبة.
6- انتقال عدد كبير من الأسر اليهودية للإقامة في حي الجميليّة منذ بداية إنشائه في نهايات القرن التاسع عشر، إلّا أنّني لم أجد تفسيراً شافياً، أو مبرراً اجتماعيّا، جعلهم يبادرون إلى اتّخاذ هذه المحلة دون سواها من الأحياء الجديدة خارج الأسوار مسكناً جديداً لهم، غير أنّنا نتفهم جيداً سعيهم للانتقال من حي بَحْسيتا إلى محلة الجميليّة إثر انتشار بيوت الفحش والبغاء في محلة بَحْسيتا العريقة على نحو مفرط، خلال الربع الثاني من القرن العشرين.
7- من جهة أخرى لم أجد مسوغاً إزاء عدم سعي بعض الأسر اليهودية للانتقال من حي الجميليّة، ومن أحياء حلب الأخرى إلى الإقامة في محلاتها الغربية الحديثة (المحافظة والسبيل)، حين بدأت بالظهور في أواسط القرن العشرين، أسوة بالأسر الميسورة من المسلمين، ونسبة لا بأس منها من أمثالهمالمسيحيين، على الرغم من تمتع فئة مهمة من اليهود بالغنى والثراء، والاكتفاء فقط باستملاكهم لمساحات كبيرة من الأراضي في تلك المناطق الجديدة من المدينة، التي نظمت حديثاً وباتت معدة للبناء والتشييد، في حين نجد استمرار انتقال الأسر اليهودية من الأحياء القديمة إلى محلة الجميليّة حصراً وذلك في الفترة نفسها، إلى أن أصبح أغلب أفراد الطائفة الموسويّة مقيمين في هذا الحي، وذلك في العقود الأخيرة من القرن الفائت.
أعتقد أنّ الأسباب الوجيهة لعدم تمدد أبناء الطائفة الموسوية في أحياء حلب الغربية يعود أغلبها في حدود علمي إلى هجرة عدد كبير من أثرياء اليهود الحلبيين، التي تسارع إيقاعها على نحو ملحوظ في حقبة الخمسينيّات من القرن العشرين، وذلك لظروف متباينة.
8- يقدر عدد اليهود الحلبيين في بداية القرن العشرين ب(8500) شخص تقريباً، على أنّه تضاعف هذا الرقم في منتصفه حيث قارب حاجز (16000) نسمة، في حين تناقص بشدّة في نهايته، ولم يعد يقطن في المدينة سوى بضعة أفراد منهم.
كنائس اليهود في حلب
استطراداً في الحديث عن انتشار أفراد الطائفة الموسوية في أحياء المدينة نجد أنّ كنائس اليهود كانت موجودة في أغلب الأحياء التي كانوا يعيشون فيها، دون أن نلحظ أدنى اعتراض أو امتعاض من أهالي تلك المناطق ذات الأغلبية المسلمة. ونستعرض تالياً أماكن وجود كنائس اليهود في المدينة:
أولاً: حارة اليهود:
1-كنيس مدراش عبود.
2-كنيس حاخام موشي دباح.
3-كنيس مدراش الحسيديين.
ثانياً: محلة القلة(4):
1-كنيس بيت ناسي.
2-كنيس مدراش ألبومين.
ثالثاً: محلة الجميليّة:
1- كنيس سيلفيرا.
2- كنيس الجميليّة.
رابعاً: محلة المعابد:
كنيس ماكين كابوريم.
خامساً: محلة بَحْسيتا:
الكنيس الكبير.
سادساً: محلة البندرة:
1-كنيس سيلفيرا.
2- كنيس غورة عدس.
3- الكنيس الصفراء(5).
1- انظر كتاب نهر الذهب في تاريخ حلب، تأليف الشيخ كامل الغَزّي، الجزء الأول، الصفحة (164).
2- (د): داخل أسوار حلب القديمة.
3- (خ): خارج أسوار حلب القديمة.
4- القلّة: أزيلت محلة القلة بما فيها من بيوت وكنائس في إطار تنفيذ مشروع باب الفرج عام (1979).
5- الكنيس الصفراء: يقع في منطقة بندرة اليهود، هو كنيس قديم جداً وذو تاريخ غير معروف، ربما تعود بعض مواده وأحجاره إلى القرن الثاني عشر أو إلى فترة أقدم من ذلك، وقد خُصص للتعليم والعبادة، كما تحفظ فيه نسخ قديمة من التوراة مكتوبة على رق يقال إنها إحدى أقدم النسخ الموجودة في العالم قاطبة، وفيه مقام للخضر (عليه السلام)، كما يضم غرفاً يسمونها المدراش، ومحراب بُني كذكرى للسلطان مراد خان العثماني حين زار الكنيس. ويقال إنّ هذا الكنيس من آثار أيواب بن سيرويا قائد جيش النبي داوود (عليه السلام)، وذلك في فترة حربه مع الآراميين، وهذا القول غير مدعوم تاريخياً.
وأقول: قامت مديرية الآثار في حلب بترميمه عام (1988) بإشراف ممثلين عن الطائفة الموسوية، وهم السادة إبراهيم نقّاش وجاك شقالو ومراد كندي، ويوجد لوحة في مدخل الكنيس تشير إلى ذلك، كما قامت مديرية الآثار بإجراء ترميم ثانٍ وشامل للكنيس بين عامي (1998 و2000)، تحت إشراف رئيس الطائفة الموسويّة في دمشق، وقد كلفت المديرية المهندس المعماري جمال الريحاوي والمهندس المدني أنس الحلو بتنفيذ عمليات الترميم الأخيرة.
اقرأ:
إياد محفوظ: مقهى العطري في حلب