وثائق سوريا
خطاب هنري دو جوفنيل المندوب الفرنسي السامي في دمشق عام 1926
خطاب هنري دو جوفنيل المندوب الفرنسي السامي في دمشق عام 1926
زار المفوض السامي هنري دو جوفنيل دمشق في يوم الجمعة الخامس من شباط عام 1926 في زيارة مفاجئة وهي الأولى له، والتي جرت وسط تصاعد عدة أحداث أهمها:
– هجمات ثوار الغوطة على دمشق وقيامهم باختطاف شخصيات حكومية ومتعاملة مع السلطات الفرنسية.
– انتشار أنباء إبرام اتفاق صلح جرى بين السلطات الفرنسية ومجموعة من الدروز في السويداء وعلى رأسهم عبد الغفار الأطرش.
– استسلام رمضان شلاش إلى السلطات الفرنسية ونشر الصحف مقابلات صحفية معه هاجم فيها الثوار.
– عزل مناطق الثوار في الغوطة عن دمشق بشريط وسواتر ترابية من باب شرقي إلى القابون، وانسحاب السلطات الفرنسية من قرى ومناطق الغوطة وتركها تحت إدارة الثوار.
تجول هنري دوجوفينل في أحياء دمشق بالسيارة وعندما وصل إلى سوق الحميدية نزل من سيارته وسار بين المحال والمتاجر، وكان يصحبه في تلك الجولة السيخ تاج الدين الحسني ونورس الكيلاني متصرف دمشق.
وفي يوم وصوله، الجمعة، أقيم حفلة شاي في دمشق للجالية الفرنسية وأعيان المدينة حضرها نحو 300 مدعو ثم خطب المفوض السامي في المجلس التمثيلي خطبة طويلة، هذا ملخص لها:
ملخص
(إنني أعلم أن الكلمة التي تقال في دمشق ترجع أنحاء الشرق صداها، لذلك أوضح عملي وأجدد الغاية التي أسير إليها خطوة خطوة.
كنت في حياتي الصحافية والإجتماعية أعزز فكرة تكون بها فرنسا صديقة الإسلام وتكون هذه الصداقة صلة بين الغرب والشرق، ولم أقبل وظيفتي إلا لتأسيس هذا الذي لا يهدد بلداً ولا ديانة.
وكما كان المسلمون والمسيحيون يدخلون في الماضي إلى أول مسجد في دمشق من باب واحد ففرنسا ترجو خلق تلك التقاليد السامية.
فالمسلمون والمسيحيون والدروز والعلويون متساوون ولا يميزهم غير أعمالهم وليس برنامجي “فرق تسد” فلا سبيل لاكراه شعب على الاتحاد والانقسام فهو يختار مصيره.
تقدم إلي عرائض متناقضة فاألحأ إلى الانتخابات في البلاد المتمتعة بالسلم، ولو خضع الثوار وسكت الرصاص لتمكنت دمشق من أن تعبر عن رأيها ولاستطاع المجلس التاسيسي الإجتماع في سوريا كلها. فمتى يدركون أن السلاح الوحيد الذي يستطيع كل شعب أن يضمن به حرياته الوطنية هو الإقتراع.
إنني أقدم هذا السلاح للذين ليس عندهم سواه وليس الذنب ذنبي إن كان هناك تعساء يرفضونه مفضلين البنادق القاتلة مؤثرين العنف الذي يفرق بلادهم.
إني آسف لجنونهم، وهذا الجنون لا ينال فرنسا بل ينالهم هم ويلادهم إنني أسلم بكل شيئ معقول إما بالقوة فلن أسلم بشيء والكريم يصفح بعد المعركة أما الذي يصفح في خلالها فجبان. فالأول يخدم السلام والثاني يخدم الترويع الجاري أمامه.
وما آتيت للبحث عن الأعداء بل آسفت كثيراً عندما وجدتهم، فانتظر خضوعهم لأعاملهم معاملة الأصدقاء، وتكون دمشق وسوريا سعيدة لو بوشرت الانتخابات بعد أن تترك العصابات سلاحها لتعرب مجالسها عن آمالها وتضع الدستور الذي ينظم استقلالها الوطني. وهذا ما قدمته إليكم عند وصولي ومازلت أقدمه. والخضوع هنا وفي جبل الدروز مقدمة ضرورية لنيل الحرية، فتأخر العصابات عن الخضوع يعطل الوحدة التي تنشدها ويدعم آراء القائلين بأن دمشق منبع مشاكل واضطرابات فيجب الابتعاد عنها بحذر.
أنا لا أريد أعمالاً باسم فرنسا تؤدي إلى التسلط والتجزئة بل أرغب في تحقيق آمالكم التي تعبرون عنها بالوسائل المشروعة ولا أطالب السكان إلا بأن يحترم بعضهم بعضاً بأموالهم وأرواحهم وكرامتهم.
ولا أريد سلماً مؤقتاً بل أريد أن أشد سلماً وطيداً ثابتاً يقوم بمعاهدة تتعهد فيها الأقطار المختلفة في سوريا ولبنان في ما بينها وأمام فرنسا متضامنة بسلامة الحدود الخارجية المشتركة ومتفقة بتقديم اللازمة في سبيل المصلحة المشتركة، وإذا اختلقت فيما بينها تحتكم إلى فرنسا بدلاً من الالتجاء إلى القوة، وتتكفل فرنسا أمام الشعوب باحترام هذه التعهدات فتكون المرشدة الفنية للولايات السورية اللبنانية في طريق الرقي وتضمن حدودها الخارجية واستقلالها الوطني.
بهذه الطريقة أفهم الانتداب، ولا توجد طريقة أوسع حرية منهم بل لا أجد دليلاً أنصع من هذا الدليل تقدمه بلادي رمزاً لصداقتها الراسخة لبلادكم.
وما صرحت بهذه الأمور صدفة وإتفاقاً بمناسبة زيارتي، بل ستجدونها في تقريري الذي قدمته إلى جمعية الأمم، وسأنشر هذا التقرير قريباً وقد أرسلته في التاسع من شهر يناير الماضي.
إنني لا أستطيع أن أتحمل مسؤولية تحرك دمشق وسوريا بدون حكومة طويلاً ففي هذه المدينة أحياء يجب تعميرها، وهذا واجب الحكومة، وقد انتظرت بصبر ليقوم السوريون بتأليفها فإذا ترددوا فإني آخذ الأمر على عاتقي فقد حان الوقت لتعمير سوريا، وليعمل السكان لسعادتهم فواجب السلطة ليس إرسال الجنود بل احياء التجارة والمواصلات التي تجعل بلادكم ملتقى أوربا واسيا وافريقيا لتضاهي مدنيات الشرق والغرب وأديانها لأجل سعادة البشر).
انظر:
الأحداث والتطورات اليومية في عام 1926
انظر: