بطاقات بحث
الكلب – من الحكايات الشعبية الشامية
الكلب – من الحكايات الشعبية الشامية
من حكايات حي مئذنة الشحم
الراوي: امرأة عجوز سمعتها من عجائز أسرتها وقد سمعنها بدورهنّ من أمهاتهن وجداتهن. ومعنى ذلك أن هذه الحكاية تحمل رواية الجيل الثالث للرواة. وجيل الرواية قد يمتّد زمنها إلى منتصف القرن الثامن عشر للميلاد.
توثيق الباحث نزار الأسود.
كان ياما كان حتى كان، كان في قديم الزمان امرأة تعيش مع زوجها عيشة هنية، ولكنها كانت عاقراً.. وذات يوم دخل إيوانها كلب فقالت له يائسة: إذا رزقني الله ابنة فسوف تكون زوجة لك، ومضت الأيام، ورزقت المرأة طفلة جميلة ربتها، ودللتها حتى أصبحت صبية كالورد المفتحة. وعندما جاء الكلب ليأخذها، حنثت المرأة بوعدها، ولم تف بنذرها الذي قطعتها على نفسها، وطردت الكلب من الدار! فخطف الكلب البنت وطار بها وحلق في الجو إلى أن أصبحت الأرض ترى كالذبابة، فوجد بستاناً نزل فيه.
وقال للبنت: أريد أن أنام على ركبتك فقد تعبت، وما أن نام حتى وضعت البنت تراباً تحت رأسه وهربت منه قائلة: يامن سترت لا تفضح.
ظلت البنت تمشي حتى عثرت على حلقة، فرفعتها، فوجدت سرداباً فمشت فيه فرأت أربعين غرفة وأرض دار واسعة، وأشجاراً تحمل الفواكه الطيبة فغسلت الغسيل ونظفت الدار وطبخت الطعام، وإذ بواحد وأربعين لصاً يدخلون الدار.
فاختبأت البنت خوفاً منهم.
صاح أصغر اللصوص وهو يرى النظافة والترتيب والطعام الطيب: أظهر وبان عليك الأمان، إذا كنت كبيراً فأنت أبونا، وإذا كنت صغيراً فأنت أخونا، وإذا كنت كبيرة فأنت أمنا، وإذا كنت صغيرة فأنت أختنا.
فخرجت البنت من مخبئها، ففرح اللصوص بها وخلطوا دمهم بدمها، وعاملوها معاملة أخ لأخته..
ومضت الأيام، والفتاة سعيدة بحياتها الجديدة، إلا أنّ الكلب جن جنونه لهربها فأخذ يبحث عنها. وبينما كانت تشعل عود ثقاب من الكبريت عرف سرها، فاتجه نحوها، فخافت البنت وهربت في أرض الله الواسعة، ومشت أياماً إلى أن رأت ضوءاً خافتاً من بعيد، ولما وصلت إليه، وجدت غرفة، فدخلتها فرأت غولة، فقالت لها: السلا عليك. أجابتها الغولة: لولا سلامك ما سبق كلامك لأكلتك وفصفصت عظامك..؟ ثم قصّت البنت أظافر الغولة ورضعت من ثديها، فأصبحت كابتها. وذات يوم كانت البنت تشعل عود ثقاب من الكبريت على غير علم منها أن الكلب يعرف مكانها ويستدل عليها من الكبريت.
وهكذا أسرع الكلب إليها، ودخل على الغولة وقال لها: إني أشم رائحة أنس هنا. قالت الغولة: الأنس بعبابك والسيف يقطع رأسك. من أين لي الأنس؟؟ وكل يوم كان الكلب يفعل ذلك. ويهدد الغولة بالقتل والذبح. وهي لا تعلم أن في الكبريت سرّ وصوله إليها.. واكتشاف مكانها. قالت الغولة للكلب: غداً صباحاً سترحل البنت عني. فإذا كنت قوياً وقادراً فخذها من دار أهلها. فوافق الكلب على ذلك، وأعطاها غربالاً لتضع البنت الجمر فيه، فينير طريقها ويدفئها. فكانت البنت كلما مشت تساقطت الصفوة من الغربال.. فيتبع أثرها.
وأخيراً وصل الكلب إلى بيت اللصوص. فكان يأتي كل يوم ليلاً، ويقول للبنت: أعطني رأس خنصرك، فتعطيه خنصرها فيمصه، حتى ذهبت عافية البنت. وأصبحت كالخيال، وبركت فلا تستطيع الحركة. ثم أشرفت على الموت. وكلما سألها إخوتها عن السبب سكنت خوفاً من الكلب. وأخيراً تكلّمت. فاتفق الإخوة على أن يكمن أحدهم للكلب ويقتله بالسيف. إلا أن اللص نام بعد أن غلبه النعاس. فجاء الكلب ومصّ خنصر البنت وذهب دون أن يشعر به أحد..
وهكذا تتابع الإخوة وهم ينتظرون الكلب ويغلبهم النعاس، حتى جاء دور الأخ الأصغر فجرح يده. ورشّ الملح على الجرح، ليؤلمه فيسهر اللّيل. ثم حمل سيفه، وانتظر الكلب، فجاء الكلب ليمصّ خنصر البنت! فضربه بالسّيف فقتله. إلا أن الكلب قبل أن يموت ألقى ظفره على أرض الدّار..
شرع الإخوة بمعالجة أخوتهم.. فذبحوا خروفاً، وسلقوه حتى أصبح في كأس ماء. فأكلته الأخت، وعادت كما كانت بعد أسبوع من الزمن. إلا أنها وبينما كانت تشطف أرض الدار فجأة وماتت. فبكى إخوتها، إلى أن صاح الأخ الأصغر: إلى متى تبكون!! هاتوا تابواً من ذهب لنضعها فيه، وتسرح في البريّة، وهكذا وضع التابوت على ناقة. وسيري يا مباركة.
سارت الناقلة من بلد إلى بلد، وحيدة. فإذا بابن الملك يصطاد مع جماعة من أصحابه. فقال لهم: كلُ الصيد لكم إلا هذه الصيدة لي.! ثم بركت الناقة، فنظر الأمير، فرأى في التابوت فتاة جميلة، سبحان الخلاق العظيم، فأخذها إلى قصره. ووضعها على تخته، وأخذ يبكي وينوح، ويندب حظه العاثر.
جاء الملك والملكة، وتعجبا من فعل ابنهما، وسألاه: إلى متى تبكي يابني؟ وأمر الملك أن تغسل وأن تكفن وتدفن. وبينما كانت المغسلة تغسلها، سحبت من قدمها الظفر الذي ألقاه الكلب في ساحة الدار. فعطست البنت ونهضت. ثم أكلت أفخر الطعام، من الدجاج والخرفان. وبعد شهر عادت أفضل مما كانت..!!
فرح الأمير بالبنت وأقام والليالي الملاح وأعلن خطبته. إلا أن البنت قالت له: أنا لي إخوة، أربعون لصاً ولصاً. ولابدّ لي من أن أشاورهم، وأن آخذ الإذن منهم بالزواج. فسألها الأمير: ومن أين الطريق إلى إخوتك؟ قالت البنت: الناقة تعرف الطريق. وهكذا هُيئت الزوادة والمحمل. ورافقت البنت، الملكة والملك والأمير.
ولكن لمّا وقفت الناقة أمام باب السرداب شاهد الجميع دار اللصوص مخرّبة، قد تبعثر أثاثها. وبسرعة نزلت البنت وشطفت وكنّست، ورتّبت وطبخت، ومع المغرب جاء اللّصوص فدهشوا! لم السرايا تتلألأ بالأنوار؟ لم الملك والملكة بانتظارهم وطعام العشاء بانتظارهم على الموائد؟ أخذ الإخوة يبكون فسألهم الملك متعجباَ: ولم البكاء؟ فحدثه الأخ الأصغر عن البنت وعن قصة رحيلها على الناقة منذ أربع سنيني. فسأل المالك اللّصوص: وما علامة البنت؟ أجاب الأخ الأصغر: شامة على خدّها. وظهرت البنت والشامة على خدّها. فصار الحزن فرحاً.! ثم قال الملك: إن تبتم عن السرقة وظفتكم عنديّ!! وزوجت أختكم من ابني، فواق اللّصوص. وتمتّ إجراءات الزواج. وعادوا إلى العاصمة الملك بكوات.
ودار دولاب الزمن. فمات الملك.. ونودي بالأمير ملكاً. ولكن من سوء الحظ لم تحمل الملكة. وعجز الأطباء عن مداواتها. فجاء درويش بعث به الكلب إلى الملك، وقال له: ما رأيك بدواء يشفي الملكة فتحمل وتلد بنتاً؟ فلم يصدّق الملك قوله. ثم قال الدرويش: ولكن شريطة أن تزوجني منها. قال الملك: نعم أزوجك منها. فأعطاه الدرويش تفاحّة كبيرة. وقال له: تأكل الملكة نصفها بعد صلاة ركعتين على نية الحمل. وكذلك كان.. وحملت الملكة. وأنجبت طفلة – وولد الحكاية سرعان ما يكبر-.
جاء الدويش وقال للملك: جاءت راغب، لابنتك خاطب، فلا تردّه خائباً. قال الملك: خذ ما تشاء، خذ مملكتي، خذ قصري، واترك لي ابنتي.. لأنها صبية وأنت شيخ عجوز. إلا أن الدرويش لم يقبل. وطلب الزواج من البنت. مما أغضت الملك، فطرده ولم يف بنذره- كما فعلت أم البنت من قبل- (طب الجّرة على تمهّا تطلع البنت لأمها) كذلك ذهب الدرويش مهدداً متوعداً!!
وبعد مدة من الزمن، اشتهر جمال البنت في البلاد. فأرسل ملك الهند والسند يطلبها من أبيها لنفسه. فوافق الملك. وجاء ملك الهند والسند يتقدمه طابور عسكر. ومعه سبع صواني ذهب، وهي مهر البنت.
عمّت الأفراح جميع البلاد. وأقيمت الاحتفالات وكتب الكتب وأعلن الجواب. إلا أن البنت كانت كئيبة مغتمة. فقد لاحظت خشونة العريس وكثرة تفكيره وصفونه. فقالت الأم للعروس: اسأليه يا ابنتي ماله! فسألته. فقال لها: البلاد اشتاقت لأهلها هيا بنا نرحل.. فقالت الأم في رعاية الله وحفظه.
أخذت البنت ملابسها. وأرسل معها أبوها طابور عسكر. إلا أن الطابور، أثناء الطريق، كان ينقص كل يوم أحد العساكر. فنظرت البنت من هودجها، ذات مرة فرأت الملك يأكل العسكر. فخافت وقالت في نفسها: اهربي يا بنت.
ثم رآها ابن ملك الهند والسند، فحكت قصتها له. فتظاهر بالشفقة عليها. ثم أخذها ووضعها في عليّة بقصره، عارية، بلا أكل ولا شرب. قال ابن الملك للبنت: (إذا وفيت بنذرك أهل السرايا تأتي لعندك) فرفضت . ثم تحوّل ملك الهند والسند إلى غول، وأخذ يبحث عن الإنسية حتى وصل إلى القصر. فأرسل إليها عجوزاً.
قالت العجوز للبنت: إن زوجتك من الأمير ابن ملك البلاد، وخلّصتك من العذاب، وأنجبت منه بنتاً. أتعطيني إياها؟ قالت البنت نعم. فأعطت العجوز البنت بيضة لتضعها تحت ركبتها بعد الصلاة، لتنجب. ثم زوجتها من ابن الملك، فولدت له ثلاثة صبيان وبنتاً.
ولما أصبح عمر البنت ثمانية سنوات، جاء الغول إليها وقال لها: لولي لأمك (إذا لم تف بنذرها انقصف عمرها) ومع أن الغول وضع حجارة في جيب البنت لكيلا تنسى، إلا أن البنت نسيت، ثم تذكرت عند غسيل ثيابها.
خافت الأم على ابنتها، فبعثتها إلى بلد بعيد. فتشردت البنت وعملت في مختلف الأعمال، ناطورة، غسالة، خادمة، وذات مرة جلست أمام باب سيدها تبكي، وقد بلغت من العمر خمسة عشر عاماً، فمر يهودي وسألها: لم تبكين يابنية؟ قالت البنت: اشتقت لأمي. قال اليهودي: نحن من بني الجن، إلا أني سأساعدك، وسوف تنامين اليوم عند أمك لوجه الله. تذهبين الآن إلى الحمام، فتجدي غولاً على صورة حنش فإذا كان مفتحاً فهو نائم، وإذا كان مغمضاً فهو صاح. فإذا كان مفتحاً فخذي من البحرة سطل ماء واسكبيه على نفسك ثلاث مرات تجدي نفسك عند أمك. ففعلت البنت، ووجدت نفسها في حارة أمها.
سارت على ضوء الشمعة، إلا أن وصلت إلى حارة مسدودة، فخافت وصرخت، فأفزعت الجوار، وجاء إليها عجوز طمعاً بخنصرها الذهبي، فهي ابنة ملوك، أطفأت البنت الشمعة التي في يدها وتحسست في الظلام دار أمها بمساعدة الجيران حتى التقت بأمها..!!
أما الحنس، فقد أغمض عينيه واستيقظ، وعرف ما فعلت البنت، تخفى الحنش في زيّ بائع متجول، وأخذ يبحث عن البنت حتى وصل إليها. وقال لأهلها: ابن ملك السند والهند يريد الزواج من ابنتكم، وقال البائع للأم أيضاً: اسألي ابنتك لم خنصرها من الذهب؟ وما يعني ذلك؟ وأجاب البائع المتجول على سؤاله قائلاً: هناك شيء، هناك نذر يجب أن تفي به. وظل البائع يلاحقها، ويغريها حتى قبلت ووفت بنذرها وذهبت اللعنة عنها.
وتوتة توتة خلصت الحتوتة
انظر:
الحكايات الشعبية في الساحل السوري