وثائق سوريا
كلمة فوزي الكيالي وزير الثقافة في حفل افتتاح مؤتمر الفنون التشكيلية عام 1975
كلمة فوزي الكيالي وزير الثقافة في حفل افتتاح مؤتمر الفنون التشكيلية في الوطن العربي
(يسعدني أن افتتح اليوم مؤتمر الفنون التشكيلية في الوطن العربي، هذا المؤتمر الذي يمكن أن نسميه أول لقاء يجمع بآن واحد الفنانين والمعنيين بشؤون الفنون التشكيلية والمسؤولين في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم لمعالجة موضوعات أساسية وهامة تتصل بواقع الفن التشكيلي العربي، وتلقي أضواء على مستقبل تطوره، وعلى صلته بقيم الأمة العربية، وقدرته على التعبير عن الأصالة والتجديد معاً، وعلى ما ينبغي أن تقدمه الدول العربية من دعم ودفع للنهضة الفنية في أرجاء الوطن العربي.
ويأتي انعقاد هذا المؤتمر في مدينة دمشق العربية التي شهدت واحتضنت اتحاد الفنانين التشكيليين العرب حين تم الإعلان عن هذا الاتحاد في هذه القاعة بالذات. أنها لمناسبة طيبة، وأنها لذكرى تدعونا جميعاً إلى التآمل فيما حققه الفنانون التشكيليون العرب خلال هذه السنوات القليلة منذ قيام اتحادهم.
ان الفنون التشكيلية تحتل جزءاً كبيراً من تاريخنا وحضارتنا، وهي تعبير بليغ عن ابداعاتنا الفنية. ولقد حفل التاريخ العربي والتاريخ الإسلامي بآيات خالدات من الأعمال الفنية التشكيلية لا تزال حتى الآن تثير اعجاب كل من يراها، كما لا تزال حتى اليوم موضوع دراسة الدارسين وبحثهم. ومن الطبيعي أن نعمل كل ما بوسعنا على توسيع إمكانات الابداع الفني التشكيلي، وان نعير اهتماماً بالغاً لحقيقتين أساسيتين:
الحقيقة الأولى: هي أن الفن التشكيلي العربي ينبغي أن يظل عربياً، محافظاً على أصالته وسماته الخاصة به، فما من فن يستحق هذا الأسم إلا إذا كان تعبيراً أصيلاً وصادقاً عن شخصية الأمة التي ينتمي إليها.
والحقيقة الثانية: هي أن الفنان التشكيلي العربي مدعو إلى التفاعل مع التيارات الفنية المعاصرة، وإلى معرفتها وتمثلها وإقامة حوار حي معها. بذلك يستطيع الفن العربي أن يحتل مكاناً مرموقاً بين الفنون العالمية المعاصرة، وأن يظل فناً معاصراً يتذوقه الناس في هذا العصر وفي العصور التالية، وبذلك يتمتع الفن التشكيلي العربي بخاصتي الأصالة والمعاصرة في الوقت ذاته.
ان لهاتين الحقيقتين دلالة كبيرة في التعبير عن قدرتنا، نحن العرب، على مواكبة التطور البشري وعلى اغناء الفكر الإنساني المعاصر بقيم جديدة. في الفكر والفن لا تقل شأناً عن القيم التي قدمناها في ماضينا الحضاري والتي أغنت الإنسانية ايما إغناء. وبقدر ما نتمكن من ابداع فن تشكيلي عربي يتسم بهاتين الخاصتين اللتين أشرنا إليهما برهن عن كفاءتنا الحضارية وجدارتنا ببلوغ ما نطمح إليه وتلك هي في تقديري مهمة مزدوجة تقع أولاً على الفنانين أنفسهم وتقع ثانياً على الحكومات العربية التي ينبغي عليها الا توفر جداً في سبيل دعم الفنون التشكيلية وتشجيع العاملين المبدعين فيها بمختلف الوسائل.
ان الجمهورية العربية السورية التي تضع في طليعة أهدافها تحرير الأرض العربية واسترداد الحقوق العربية المشروعة ودحر الصهيونية والإمبريالية، تعتبر أن من أهدافها أيضا بذل كل جهد صادق من أجل إقامة نهضة عربية وفكرية وفنية تساير نهضات الشعوب المتقدمة. إننا نرى أن معركتنا هي بالنتيجة، معركة حضارية، وأن التحرر من الصهيونية والإمبريالية هو أحد وجوهها، وأن العمل من أجل هذا التحرر يجب الا ينسينا العمل في مجالات البناء الفكري والفني. في هذه الطرق نسير، ونحن واثقون ثقة مطلقة من أننا بالغون قريباً أهدافنا في التحرر وفي وحدة الأمة العربية، مثلما اننا بالغون أهدافنا في إقامة حضارة عربية عميقة الصلة بماضينا وثيقة الارتباط بالحضارات المعاصرة، حضارة تبدع فكراً وفناً وأدباً كما تبدع اقتصاداً وصناعة وتقنيات، وغايتها رفع شأن الإنسان العربي، ورفع شأن الإنسان وكرامة الإنسان في كل زمان ومكان.
إنني اذ أرجو لهذا المؤتمر النجاح الذي يستحق أبعث بشكري للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم على تنظيمها له، في ربوع بلدنا، كما أبعث بالشكر والتقدير لجميع الأخوة الفنانين التشكيليين العرب الذين جاؤوا ليسهموا في إغناء أعمال هذا المؤتمر بأفكارهم واقتراحاتهم).