بطاقات بحث
جحا – من حكايات غوطة دمشق
جحا – من حكايات غوطة دمشق
من حكايا قرية المليحة في غوطة دمشق الشرقية
الراوية امرأة متقدمة في العمر
توثيق الباحث نزار الأسود.
يحكى أن جحا كان يعيش مع خالته زوجة أبيه، فكان يعذبها بشقاوته، وأحياناً يذهب من البيت صباحاً ولا يعود إلا بعد منتصف الليل.
جن جنون الخالة، وضاقت ذرعاً من سوء تصرفه، فقصدت بيت جارتها لتستشيرها في أمرها. قالت الجارة لخالة جحا: أنصحك أن تذهبي إلى قبر سيدنا يحيى، في الجامع الأموي بدمشق وأن تطلبي من سيدنا يحيى أن يصاب جحا بالعمى، لترتاحي منه، ومن سوء سلوكه.
كان جحا يسترق السمع، فعرف ما قالته الجارة، وما يدبر له في الخفاء. فسبق الخالة إلى قبر سيدنا يحيى، وأعطى الخادم المسؤول عن المقام، عشرة دراهم على أن يسمح له بالاختفاء تحت السجادة الخضراء التي تغطي القبر.
وعندما جاءت الخالة، والجارة ترافقها، نادت الخالة: ياسيدنا يحيى، ياسيدنا يحيى أّعمِ جحا؟ فرد عليها جحا من تحت السجادة الخضراء: يجب أن تحضري لجحا دجاجة سوداء ليس فيها ريشة واحدة بيضاء، وأن تحشيها باللوز والصنوبر والرز والفستق، وتقدميها له؟
ما أن ذهبت الخالة إلى السوق لتحضر الدجاجة، حتى سبقها جحا إلى البيت، وما أن أحضرت الدجاجة وطبختها كما قال لها نادت: جحا، جحا، ثم قالت له: هيا يا جحا أنظر ماذا أحضرت لك. أرأيت كم أحبك، هذه دجاجة محشوة من أجلك؟؟
أقبل جحا على الدجاجة، وشرع ينهشها نهشاً حتى أتى عليها جميعاً، وخالته تنظر إليه بدهشة! وعلى الرغم من ذلك، لم يرتدع عن غيه، وأصبح أشرس من الأول إلا أنه تظاهر بالعمى.. فكلما غسلت خالته الأكواب مشى بسرعة وكسر الأكواب. كذلك كان يصطدم بالنافذة ويكسر زجاجها.. ويقلب الباب ويحطم الخزانة..
ذهبت الخالة إلى جارتها لتستشيرها فيما يجب أن تفعله. فقالت لها الجارة: أذهبي إلى سيدنا يحيى وأدعي أن يعود إليه بصره لترتاحي. فسمع جحا ذلك. وكالعادة سبق خالته إلى سيدنا يحيى فلما حضرت خالته قالت: ياسيدنا يحيى، ياسيدنا يحيى، أرجع بصر جحا. فأجابها جحا يجب أن تحضري لجحا دجاجة بيضاء، ليس فيها ريشة واحدة سوداء ثم أحشيها باللوز والفستق والصنوبر، ولمّا ذهبت الخالة إلى السوق، سبقها جحا إلى البيت، ولمّا طبخت الدجاجة التهمها جحا، وزوجة أبيه تنظر إليه. ثم زعم أن بصره قد عاد إليه، أحدّ مما كان عليه. وعاد إلى حاله الأولى يسيء التصرف معها ويعذبها ويسهر…!!
رجعت الخالة إلى جارتها، واستشارتها فيما يجب أن تفعل للخلاص من جحا، ومن مشاكل جحا، فقالت لها الجارة: بيعي الذهب الذي في يديك وأعطيه لجحا ليتاجر به.
باعت الخالة كل ما عندها من ذهب، وأعطت ثمنه لجحا لتاجر به، فأّذه جحا واشترى به خبزاً كثيراً من كل فرن في البلد مئة كيلو.
وبقلب طيب وبنية الإحسان ذهب جحا إلى البّرية، والقطط تتبعه وتموء، فكان يعطي القطة رغيفاً ويقول لها: لا بأس غداً تأتين وتحضرين لي ثمن الرغيف درهماً، وإلا أحضرت لك الشرطة. ثم تبعه الكلاب، وأخذت تنبح!! فكان يعطي كل كلب رغيفاً، ويقول له: غداً تحضر لي درهماً ثمن الرغيف وإلا أحضرت لك الشرطة. فكان يسمع العواء، ويظن أن الكلاب ترد عليه قائلة، نعم غداً نحضر لك ثمن الرغيف، وبقي على ذلك يعطي ويعطي، حتى بقي معه رغيف واحد، فجاء أخيراً كلب أعور يبصر بعين واحدة. وأخذ يتبع وينبح وراءه، ثم هجم على جحا يريد أن يعضّه، فخاف منه جحا وألقى إليه بالرغيف الأخير، وقال له: غداً تحضر لي عشرة دراهم ثمناً للرغيف وإلا أحضرت لك الشرطة. فقال الكلب: عو عو، فتوهم جحا أن الكلب يقول: نعم نعم سأحضر لك ما طلبت! .. ذهب جحا إلى البيت، فطار صواب خالته من فعلته، إلا أنه طمأنها وطلب منها أن توقظه باكراً ليجمع ثمن الخبز.
وبعد أن استيقظ جحا من نومه أمسك بعصا غليظة، ونزل إلى البرية، فكلما رأى قطة أو كلباً ضربه بالعصا، وهو يسأله: أين ثمن ما أكلت، أين الدراهم؟ حتى شاهد أخيراً الكلب الأعور، فلحق به جحا، وهو يهدده بالعصا. فدخل الكلب بيتاً بابه مفتوح.. فأغلقه الكلب وراءه.. إلا أن جحا كان يطرق الباب صائحاً: أين صاحب العين الواحدة؟ إنه سارق سوف أحضر الشرطة.
ومن غريب المصادفات أن كان في البيت سارق، نزل على امرأة تسكن وحدها، يريد سرقتها. ومعه كنوز من ماله سرقه. وما ان سمع السارق صراخ جحا، حتى ترك ما معه من مال وهرب!
سرّت المرأة صاحبة الدار من جحا. وكافأته بمال كثير. وأعطته كل الكنوز التي تركها السارق.. فأخذها جحا ومضى بها.
حين عاد جحا إلى البيت، ذاع صيته رجلاً غنياً، فأصبح وجيهاً بماله، ومحط أنظار أهل الحارة. كما رضيت عنه خالته، ثم كلمه أهل الحارة بشأن ثلاثة من اليهود، يسكنون في الحارة ويبذرون بذور الفتنة بين الناس، وطلبوا منه أن يجليهم عن الحي فأجابهم جحا بكل سرور، سأجليهم نادمين.
وبعد ثلاثة أيام، عزم جحا اليهود الثلاثة إلى بيته، وكان قد أمر خالته أن تملّح الطعام ووضع في عبه سكيناً، وصرة فيها مصران خروف، وقد امتلأ دماً وربطه من طرفيه، كما وضع عصاً بالقرب من باب الغرفة.
حضر اليهود الثلاثة عزيمة جحا، ولكن ما أن وضعوا أول لقمة في فمهم حتى قالوا: الطعام مالح مالح ؟ فغضب جحا وأخرج السكين من عبه وقال لخالته: تعالي، هلمي إلّي، ثم أخرج مصران الدم خفية، وجرحه بالسكين ورش الدم على خالته، متظاهراً أنه ذبحها ثم وشوشها: نامي على الأرض ليظن الضيوف أنك متّ، فعملت الخالة.
ظن اليهود أن جحا يحبهم لانتقامه من خالته التي ملّحت الطعام، وقالوا له، متظاهرين بالحزن لموت الخالة: لم فعلت ذلك يا جحا!!؟
أجاب جحا: إن أغضبكم موت خالتي، فالأمر سهل، سترضيكم عودتها إلى الحياة، أنا أستطيع ذلك متى شئت. فتعجب اليهود من قوله، ولم يصدقوه…! أميت يعود إلى الحياة؟ أمسك جحا بالعصا، ومن أول ضربة، نهضت الخالة وولت هاربة.
سأل اليهود جحا: كم ثمن هذه العصا؟ وبعد تردد، وافق جحا على بيع العصا، فاشتراها أكبرهم بنصف ماله، وذهب إلى بيته، حيث جمع أفراد أسرته وذبحهم جميعاً، ثم أخذ يضربهم بالعصا، ولكن لم يعش أحد منهم أبداً. فأختفى ذلك في سره، وباع العصا لأخيه الأوسط، الذي حصل معه ما حصل مع أخيه الأكبر، وكذلك جرى مع الأخ الأصغر.
اجتمع اليهود الثلاثة، وكادوا كيدهم، وقرروا الانتقام من جحا، وبعد الأخذ والرد وتقليب الأمر، أجمعوا أمرهم، وعزموه على وليمه في بستان جميل، يمر في وسطه نهر عميق. وعلى ضفته شجرة عالية، قد تدلت أغصانها فوق مياهه التي نمت فيها حشائش طويلة مخيفة.
هجم اليهود الثلاثة على جحا، وقيدوه بالحبل من رجليه ورأسه إلى الأسفل.. ثم ربطوه بغصن الشجرة، ولما صاح جحا واستنجد هرب اليهود وتركوه مقيداً ليموت.
وبعد قليل مرت قافلة تجارية كبيرة، يقودها بدوي، وصاح جحا: من يحب البقلاوة؟ من يجب البقلاوة؟ فركض البدوي نحو جحا، وفك قيده. فأسرع جحا، وليس ثياب البدوي وأعطاه ثيابه، ثم أخذ القافلة من البدوي، بعد أن ربطه مكانه، وقال للبدوي: أنا أحب البقلاوة.
وحين حضر اليهود رموا البدوي في النهر ظناً منهم أنه جحا. وحين عادوا إلى الضيعة شاهدوا جحا يقود قافلة تجارية كبيرة. فسألوه: من أين أتيت بهذه القافلة يا جحا! بعد أن رميناك في النهر؟ فأجابهم: لقد وجدت هذه القافلة في النهر! ألا تعلمون أن من ينزل في النهر، ويلقي بنفسه فيه، يجد كنوزاً مثل كنوز قارون؟! فقالوا له مسرورين: هيا ارمنا في النهر لنحصل على قافلة مثل هذه القافلة؟ ثم ذهبوا معه إلى النهر، فرمى بهم الواحد تلو الآخر حتى غرقوا جميعاً وارتاح منهم الحي.
وتوتة توتة خصلت الحتوتة
وفي رواية أخرى، أن جحا أرسل إلى بيته أرنباً وأوصاه أن يحضر له مشطه، فأرسلت زوجته المشط مع أرنب آخر ، فاشترى منه اليهود هذا الأرنب “الفهيم” بمبلغ كبير.
وأن التي طعنها حجا بسكينه هي زوجته..
وقال جحا لراعي الغنم الذي رآه مقيداً: أنا لا أريد أن أتزوج، ولذلك قيدوني، قال الراعي: أنا أريد الزواج، فقيد نفسه مكان جحا وأعطاه قطيع الغنم.
وتروي هذه الحكايا عن غير جحا.
انظر:
الحكايات الشعبية في الساحل السوري