مقالات
من كتاب “آل الأتاسي في العهد العثماني”: الشركة الوطنية العثمانية وأول طريق معبد في سورية
تسلم مدحت باشا منصب والي سورية في نهاية عام 1878م، وبدأ بفعالياته الإصلاحية بشكل جدي منذ تعيينه رغم قلة المال واليد العاملة والعرقلات من الإدارة المركزية، وكان قد خرج في أوائل شهر أيلول من عام 1879 في جولة تفتيشية إلى مناطق حماة وحمص وطرابلس واللاذقية، بعد أن انتهى تعبيد طريق طرابلس – دمشق، والذي تحدث عنه القنصل الفرنسي في سورية فكتب:
“إن افتتاح طريق مخصص للعربات في منطقة لم تعرف الطرق المعبدة منذ عهد الرومان على الأغلب، وفي مدة قصيرة كهذه، لهو أمر جالب للسعادة بحق. يجب على الوالي الشعور بالفخر، وأنا بنفسي أهنئه وأبارك له بكل مسرة”(1).
ولم يكن القنصل الفرنسي يخص بالذكر طريق طرابلس دمشق فحسب، بل كان يقصد كذلك طريق طرابلس – حمص الذي صدرت الإرادة السنية (السلطانية) بخصوص البدء فيه في 23 حزيران 1879م/3 رجب 1296 هـ (2) بعد تذكرة مفصلة قدمها مدحت باشا في أواخر آذار (3).
وقد بذل مدحت باشا أكبر الجهود لإتمام الطريق بأموال وأياد محلية دون الحاجة للقروض والامتيازات الأجنبية، إذ أن ما يميز هذا العمل هو كونه وطني بالكامل، ومن أجل ذلك شكلت هيئة من كبار أعيان مدينتي طرابلس وحمص للإشراف على فعاليات العمل وتنظيمها، سميت بـ “الشركة الوطنية العثمانية للطرق والمعابر”، واختير عبد القادر أفندي المنلا من طرابلس رئيساً لها. وفي حمص عين في إدارتها خالد الأتاسي (المفتي والنيابي) في البداية(4)، ولكن يبدو أنه استقال من منصبه فترأسها من بعده نجيب أفندي الأتاسي، الذي كان رئيس بلدية حمص في 1879م، وسيصبح رئيس مجلس المعارف المحلي منذ 1884م.
وكانت لنجيب الأتاسي مساهمات هامة في تطوير شؤون النافعة بحمص وريفها، فكانت أول مشاريع الشركة الوطنية بإدارة في حمص ترميم جسر المزرعة الممتد بطول 500 متر وعرض 7 أمتار على طريق طرابلس حمص (1882) (5)، وبعدها إتمام طريق طرابلس – حمص عام 1883م، وجلبت من أوربا في ذات العالم العربات التي ستمشى عليه(6). ومدت ذات الطريق إلى تدمر في قلب البادية السورية شرق حمص، كما عملت على إتمام طريق حمص – حماة وترميم جسر الرستن على نهر العاصي، وكذلك إتمام طريق حمص – حسياء- النبك وفرشه بالحصى، وكل ذلك بتخطيط وإشراف المهندس محمد أنيس حسين آغا(7).
وكان لنجيب الأتاسي الفضل الرئيسي في بناء محطة الطريق البري بحمص (الشوسة)، حيث وفر جملة مصاريف في بنائها برأس مال محلي وطني(8). وحينما زار والي سورية ناشد باشا مدينة حمص في أيار 1884م، وتحدثت صحيفة لسان الحال عن إجابه بتجيب الأتاسي فذكرت:
“ويوم الاثنين صباحاً قبل أن يركب توجّه بادئ بدء إلى الأستاسيون محل محطة شركة الشوسة فأعجبه حسن موقعه وترتيبه وسعته البالغة مائة ذراع طولاً وسبعة وخمسين ذراعاً عرضاً، وأثنى ثناء حميداً على جناب مأمور شعبة الشوسة بحمص جناب العالم الوجيه فضيلتلو (صاحب الفضيلة) أتاسي زاده السيد نجيب أفندي، الرئيس الثاني لشعبة المعارف.
لما سمع عنه من حسن إدارته ودرايته وخدمته الصادقة وسعة حذاقته وتدبيره لمهام مأموريته(9).
- الصورة: عربات “الديليجانس” المتوجهة من طرابلس إلى حمص وحماة، صحيفة المعلومات، 28 أيار 1903، رقم 387.
المراجع:
الأتاسي، (فارس)، التأثيرات الاجتماعية والسياسية للعائلات في سورية العثمانية: آل الأتاسي في العهد العثماني، 374
(1) ŞİMŞİR, Bilal.N, Fransız Belgelerine Göre Mithat Paşa’nın Sonu, Bilgi YE (2020), 19:
Delaporte a Waddington, 10.IX.1879, No.15, Op.Cit.ff.126-127
(2) BOA, İ..MMS.62/ 2949.7
(3) BOA, İ..MMS.62/ 2949.2
(4) BOA, ML.EEM.924/ 8.1
وكان أعضاء تلك الشركة من حمص حسب العقد التأسيسي المحفوظ في الأرشيف العثماني وفق التصنيف أعلاه:
محمد خالد الأتاسي، محمد حافظ الجندي، عبد الحميد الدروبي، محمد نجيب الرفاعي، ميخائيل سرياني، ميخائيل لطيف.
(5) سالنامهء ولايت سوريه 1299هـ (1882م)
[6] BOA, ŞD.504/ 35.3
(7) حسين آغا، مدينة حمص وأوائل المهندسين في ظل الخلافة العثمانية، 174-175
(8) صحيفة لسان الحال، 26 تشرين الثاني 1883م
(9) صحيفة لسان الحال، 8 أيار 1884م