وثائق سوريا
كلمة تاج الدين الحسني في بلدية حلب عام 1930م
دعت بلدية حلب الشيخ تاج الدين الحسني رئيس الحكومة السورية وليمة أقامتها بمناسبة قدومه إلى حلب.
ألقى الشيخ تاج الدين الحسني كلمة في الوليمة تحدث فيها عن انجازات حكومته الأول التي تشكلت في الخامس عشر من شباط 1928 واستمرت حتى التاسع عشر من تشرين الثاني 1931م.
نص الكلمة التي نشرت في الصحف في الخامس من أيلول عام 1930:
مواطني الأعزاء
إن لساني عاجز عن أداء ما يكنه فؤادي لكم من الشكر الجزيل على الاستقبال الباهر الذي تفضلتم فاستقبلتموني به وعلى الحفاوة البالغة التي قابلتموني بها.
كما أشكر خطباءكم الأفاضل على ما قلدوني إياه من عبارات المدح الثناء، ومنذ وصلت حدود ولايتكم وأنا أساله تعالى أن يوفقني لخدمة هذا البلد الطيب الذي أحبه وأحب سكانه، وأنا سعيد بزيارته للمرة الثانية الذي أحبه وأحب سكانه وأنا سعيد بزيارته للمرة ثانية ورؤية صديقي المسيو لافاستر في ربوعه.
إن هذه الحفاوة البالغة التي لقيتها نكم يا مواطني الأعزاء لا أنساها ما حييت وهذا الأكرام الزائد الذي فاقه كل إكرام جاء برهاناً جديداً على ما أمتاز به الحلبيون من الاخلاص والوفاء يشجعاني على المضي في الخطة التي رسمتها لحكومتي وهي العمل بجد لترقية بلادنا المحبوبة وأنهاضها إلى المستوى اللائق بها.
تعلمون يا خواتي الكرام أن حكومتي تسلمت زمام الأمر في زمن لم تكن حالة البلاد فيه مستقرة فمازالت تغالب المصاعب حتى هدأت الأمور فخيمت السكينة ومد الأمن رواقه وظلل الحدود من أقصاها إلى أقصاها حتى ندر وقوع الجرائم ومازلنا نعمل بجد للوصول إلى إقرار وطيد الأركان يريح البلاد ويوجهها نحو الأعمال العمرانية المثمرة.
لقد افتتحت حكومتي عهدها بإلغاء الحكم العرفي وقد كان مبسوطاً على جانب غير قليل من وطننا المحبوب وبفك سراح عشرات المسجونيين وبالحصول على عفو من كثير من المبعدين ولقد كان للمشروعات العمارنية والإجتماعية النافعة التي تحتاج إليها البلاد في دور تطورها الحاضر نصيب كبير من غناية حكومتي فقد أنشأت عدداً يذكر من المستشفيات والمستوصفات الصحية والمنشآت العمراني الأخرى فلا يخلو قضاء اليوم من دار حكومة ومدرسة ومستوصف أو مستشفى.
وقد دلت الإحصاءات الحديثة على أن الحالة الصحية تحسنت في كل مكان وقلت الوفيات قلة تذكر.
وكذلك فقد جفننا كثيراً من المستنقعات في أنحاء الدولة المختلفة فخفت وطأت الملاريا كما أنشأنا أيضاً ملجأ للعجزة في حمص أعددنا له بناء من أضخم الأبنية ونحن شارعون بتجهيزه وسنفتحه في زمن قريب وسيعيد لايواء عدد كبير من العجزة الذين أخنى عليهم الدهر وعجزوا عن اكتساب ما يسدون به رمقهم.
وكذلك أنشأنا مصلحة للري شرعت في وضع الخرائط اللازمة وكادت تنجز القسم الأكبر منها وقد جربت تجارب عديدة في تدمر أسفرت عن نجاح وهنالك مشروعات عديدة لترقية الزراعة وتنظيم الري لا تزال قيد الدرس والبحث ويسرني أن أبشركم بأن جانباً كبيراً منها خاص بولايتكم العزيزة.
وقد وجهنا إهتماماً كبيراً إلى التشجير فغرست كميات عظيمة من الغراس في حوران وحمص وحماة وسائر المناطق الأخرى ونحن عاملون على تشجيع هذه الروح لخير البلاد وكذلك زدنا رأس مال المصرف الزراعي ليصبح قادراً على مساعدة الزراع واسعافهم فرفعناه من 250 ألف ليرة إلى نحو مليوني ليرة سورية وخفضنا الفائدة من 10 إلى 9 في المئة وسنخفضها أيضاً في هذا العام لمساعدة الفلاح.
وكذلك خفضنا ضريبة الأعشار 30 في المئة بهذه السنة و20 في المئة في العام الحالي مساعدة للفلاح والمزارع.
ولا تألوا الحكومة جهداً في الاهتمام بكل ما يعود على الزراعة بالخير والفلاح وستعيد النظر في الضرائب الحاضرة لتوزعها توزيعاً عادلاً يرتاح إليه الجميع وتزول الشكوى ويتناسب مع حالة البلاد المالية والاقتصادية.
وقد تجلى الرقي الصناعي والزراعي الذي أدركته البلاد في المعارض التي افتتحناها وكانت مدار غبطة وفخار للبلاد وأبنائها وقد أعجب الأجانب قبل الوطنيين بهذه النهضة المباركة.
كذلك اهتمت حكومتي بتعديل شروط اتفاق شركة المياه التي اقترحها مجلسكم التمثيلي لمصلحة مدينتكم وقد رأيتم ما تم بمسألة الريجي فقد أبيحت زراعة الدخان في كل مكان وإني لأرجو أن يكون في ذلك فائدة للبلاد.
وقد تضاعفت ميزانية المعارف في هاتين السنتين فارتفعت من 700 ألف إلى مليون وثلثمانئة ألف ليرة وهو مبلغ لا يتسهان به بالنسبة إلى حالة ميزانية كميزانيتنا وذلك رغبة منا في نشر التعليم وبث أنوراه.
كما أدخلنا تحسينات ملموسة على الإدارة والقضاء ومصالح الدول الأخرى.
ولا تنكر أنه كان للتعاون السوري الفرنسي وتضافر الجهود المتبادلة يد كبيرة في بلوغ هذه النتيجة الطيبة.
ونذكر لكم قبل الختام بأن الأزمة الاقتصادية الحاضرة أزمة عالمية تشترك جميع الشعوب في الشكوى منها الغني قبل الفقير ولذلك ليس في الطوق معالجتها بعلاج خاص ولابد من اقتفاء أثر الحكومات الأخرى التي تسعى لتفريجها مستعية بالزمن على أن لا يحول دون اتخاذ حكومتي ما يمكن من التدابير.
وقد لجأت إلى ذلك فعلاً بإنشاء الطرق لتسهيل المواصلات لترويج التجارة ولتوجد أعمالاً للعمال العاطلين كما سعت لحماية المحاصيل المحلية برفع التعرفة الجمركية على الحبوب والطحين وتخفيض النفقات وإلغاء الوظائف الزائدة وهذا ما سنفعله.
هذا مثال لبعض ما قامت به حكومتي من المشروعات الجديدة في خلال هذه المدة القصيرة وسيصدر قريباً كتاب مفصل متضمن جميع ما أنجزته من الأعمال النافعة مؤيداً بالأرقام الوثائق.
وفي الختام أهتف بحياة سورية ومدينة حلب وطني الثاني.