من مذكرات أكرم الحوراني – ما في عيش بلا جيش
يتابع أكرم الحوراني في مذكراته سرد تفاصيل جلسة الدورة الاستثنائية الخاصة في مجلس النواب والتي كانت مخصصة لبحث موازنة الحكومة:
الجابري يعترف بفرض الرقابة
ان المهم في هذه الجلسة هو تأجيل المصادقة على موازنة الاعاشة لدورة المجلس القادمة، وكان الأكثر أهمية من ذلك اعتراف رئيس الوزراء سعد الله الجابري بأنه منع الصحافة من نشر النقاش الذي جرى في البرلمان حول المستشارين الفرنسيين بعد ان كان كذب ذلك في جلسة سابقة. قال : “لكنني انبه مجلسكم الكريم إلى أنه عندما منعنا نشر البحث عن المستشارين كنا في أبحاث هامة تتعلق بما تطلبونه -يقصد استلام الصلاحيات- لقد فعلت دائرة المطبوعات ذلك، وإذا كان فيه خطأ من حيث المبدأ إلا أن فيه فائدة من حيث المرمى. وقد اتخذت التدابير لكي لا يعكر جو الأبحاث -أي المفاوضات مع الجانب الفرنسي- ولكي نجعله سالماً لبقاً ليس فيه شيئ من التشاد والخصومة وهو عمل لا بأس به وان كان فيه شيئ من الخطأ”.
جلسة القسم
وأخيراً خصصت آخر جلسة من الدورة الاستثنائية الخاصة ببحث الموازنة، بتاريخ 24 / 1 / 1944 لحلف اليمين الدستورية من قبل رئيس الجمهورية والنواب، كانت فرحتنا عظيمة، وقد شعرت فعلاً بعد جلسة القسم بأننا بدأنا من النقطة التي انتهت عندها الجمعية التأسيسية عام 1928. إذ أصبح للبلاد دستور شرعي متحرر من قيود الانتداب وتحفظاته، وبذلك فتحنا صفحة جديدة من تاريخ الحركة الوطنية الشعبية في سوريا التي بدأت منذ الاحتلال الفرنسي للبلاد.
حضر رياض الصلح وحبيب أبي شهلا حفلة القسم إذ كانا قد وصلا إلى دمشق للاشتراك مع الجانب السوري في استئناف المباحثات مع الجنرال كاترو ومعاونيه المسيو شاتينيو والكونت ستوروك.
وكانت جلسة القسم حفلة وطنية رائعة مهيبة، وكانت أشد وقعاً وأبعد أثراً في النفوس من إعلان الحكومة استلامها للصلاحيات.
ما في عيش بلا جيش:
وهذا انتهت الدورة الاستثنائية للمجلس، أما الدورة العادية فستعقد – دستورياً – اعتباراً من 21 آذار عام 1944، ولكن الحكومة – بالاتفاق مع رئيس المجلس – أجلت افتتاح الدورة إلى 21 نيسان لتفادي اثارة المجلس لموضوع الجيش، إذ كان الفرنسيون لا يزالون متشبثين ببقاء الانتداب من ناحيتيه: الحقوقية الدولية، والواقعية.
هذا بالوقت الذي أصبحت فيه قضية استلام الجيش مطلباً شعبياً فقد دعيت في الثاني والعشرين من كانون الثاني عام 1944 إلى حضور اجتماع شعبي كبير عقد في دار المتقاعد العسكري عارف التوام، في الجسر الأبيض ، باسم هيئة المتقاعدين العسكريين والمحاربين القدماء، وحضر الاجتماع عدد كبير من العسكريين المتقاعدين والنواب والطلاب وزعماء الأحياء، وقد خطب صاحب البيت وخالد الخاني باسم المحاربين القدماء فبينا أهمية الجيش واستعرضا الأمثلة والأدلة من التاريخ العربي ومن تاريخ الشعوب الأخرى وألحا على ضرورة فرض الخدمة الالزامية، وتكلم فخري البارودي مدافعاً عن موقف الحكومة من هذه القضية ثم تكلم مندوب الطلاب. وقد أجمع كل الخطباء على أن المال لن يكون عثرة في سبيل استلام الجيش، وأن الشعب مستعد أن يبذل بسخاء كل ما يملك.
وخرج صاحب البيت بالشعار الذي ردده المجتمعون في شبه مظاهرة عند خروجهم من الحفلة وهو : “ما في عيش بلا جيش” وقد أصبح فيما بعد شعار المظاهرات الشعبية في كافة أنحاء البلاد حتى الجلاء في عام 1945م.
الحق على الزنطارية:
لم نر جدوى أو فائدة في إثارة هذا الموضوع في المجلس النيابي، نظراً للأوضاع السياسية عامة، ووضع المجلس النيابي خاصة، كما أن صحف العاصمة ظلت تتحاشى ذكر أي شيئ عن حوادث حماة الدامية، بأمر من الحكومة التي كانت تشهر فوق رأسها سيف التهديد بقطع الورق عنها، ولم يرد ذكر لهذه افتن الدامية في الصحف إلا بعد أن قررت الحكومة إرسال توفيق الحياني إلى حماة محققاً فنشرت الصحف بلاغ مديرية المطبوعات والإذاعة: “أثارت الخلافات المحلية في مدينة حماة بعض المظاهرات، فاتخذت الحكومة التدابير اللازمة وأرسلت لجنة تحقيق، وقد انتهت المظاهرات الآن ولم يبق أي حادث”.
كان توفيق الحياني من أركان سعد الله الجابري في حلب، وكان أخوه علي الحياني نائباً في قائمة الجابري، وقد انتداب لهذه المهمة بصفته من كبار موظفي الدولة، لكن نتائج تحقيقه التي وضعها في تقرير مطول ظلت طي الكتمان في محفوظات الحكومة، على أنه كان يقول في أحاديثه معنا ومع النواب أن تلك الفتنة الدامية سببها مرض الزنطارية المنتشر في حماة بسبب تلوث مياه الشرب، فكنت أضحك لهذا الجواب وأقول له أن معظم أبناء المدن السورية الأخرى مصابون بالزنطارية فلماذا لم يتعرضوا لمثل هذه الفتنة؟
انظر :
من مذكرات أكرم الحوراني – مصلحتا الميرة والأعاشة
من مذكرات أكرم الحوراني (130) – وزارة دفاع بلا جيش
من مذكرات أكرم الحوراني (129) – صعود نجم المعارضة
من مذكرات أكرم الحوراني (128) – قضية الجيش مرة أخرى
من مذكرات أكرم الحوراني (127) – المنطلقات المنحرفة لعهد شكري القوتلي منذ بدايته
من مذكرات أكرم الحوراني (126) – كل الصلاحيات، بلا جيش، لا تساوي بصلة
من مذكرات أكرم الحوراني (125) – أساس مفاسد النظام البرلماني الديمقراطي
من مذكرات أكرم الحوراني (124) – تشكيل لجنة العشائر (أواخر كانون الأول عام 1943)
من مذكرات أكرم الحوراني (123) – إستلام الحكومة السورية الصلاحيات عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (122) – إقدام في لبنان وتخاذل في سورية
من مذكرات أكرم الحوراني (121) – لماذا وهبت سوريا الأقضية الأربعة للبنان؟
من مذكرات أكرم الحوراني (120) – دور المجلس النيابي في قيادة الحركة الوطنية
انظر ايضاً مذكرات أكرام الحوراني: