من الصحافة
صحيفة 1925 – العوامل الخفية في الثورة الدرزية
في تشرين الأول عام 1925 اندلعت عدة حوادث في مناطق مرجعيون وراشيا ضد السكان ذات الأغلبية المسيحية، وقد اتهم حينها بعض الثوار بالضلوع في تلك الأحداث.
وأصدر زيد الأطرش بياناً جاء بعنوان: “إلى أخواننا المسيحيين في قضائي حاصبيا وراشيا المحترمين أعزهم الله ” أكد فيه على تطمين المسيحيين في تلك المناطق على أمنهم وأموالهم.
صحيفة فلسطين الصادرة في يافا نشرت افتتاحية تناولت فيه تلك التطورات في العدد الصادر في الأول من كانون الأول عام 1925م، أكدت فيها أن الأحداث التي سلطات الاحتلال الفرنسي كانت قد سلحت بعض تلك المناطق المسيحيية للوقوف في وجه الثوار. كما نفت الصحيفة في افتتاحيتها ان تكون تلك الأحداث بإيعاز من سلطان باشا الأطرش.
عنوان الافتتاحية:
العوامل الخفية في الثورة الدرزية
نص الافتتاحية:
تكاد الثورة الدرزية تفقد العطف الذي اكتسبته في أميركا وأوربا ومصر وفلسطين حتى في سوريا نفسها، وماذلك إلا من جراء الفظائع التي يقوم بها أعوان السوء الذين انضموا إليها إما مأجورين من عمال الدولة المنتدبة، وإما مدفوعين بضغائن شخصية رأوا من ضعف الحكومة ما يساعدهم على شفاء صدورهم منها.
ولقد أكثرت الصحف وشركات البرق مؤخراً من ذكر هذه الفظائع ومنها جريدة “المانشتر غارديان” إذ قالت في رسالة لمكاتبها في القدس أن عدد المسيحيين الذين جلوا عن حوران منذ ابتداء الثورة الدرزية إلى الآن يقدر بنحو 17 ألف نسمة منهم ألف نسمة على الأقل اجتازوا حدود فلسطين.
وتناولت بقية الجرائد الإنكليزية حوادث مرجعيون وكوكيا وراشيا وعلقت ذيولاً إضافية على ما جرى في هجوم الثوار على راشيا من المناظر البشعة وما جرى في مرجعيون من حوادث القتل والنهب والتشنيع.
وهذه جريدة المقطم التي مازالت منذ نشوب الثورة تؤيد الثوار وتعطف عليهم قد أخذت في الآونة الأخيرة تنشر من تلك الفظائع ما تقشعر له الأبدان وتصطك له المسامع.
ولقد حاولنا أكثر من مرة في هذه الجريدة أن نلمس لهذه الأعمال عذراً فقلنا بتاريخ 15 أيلول ما نصه:
“وليس اضطهاد الدروز للمسيحيين في قرى الجبل أو في حوران بإيعاز من سلطان باشا الأطرش زعيم الثورة كما نعتقد لأننا نعرفه شخصياً ونعرف آباءه وشممه ونعرف ما يكون من تأثير هذه الأعمال السيئة عليه ونفوره منها، والدليل الحسي على ذلك هو المنشور الذي أذاعه على أتباعه وأوصى به بالمسيحيين خيراً. والذي نرجحه أن اخصامه هم الذين ينسجون له هذه المكائد وربما كان للسلطة الفرنساوية ضلع في ذلك ليشوهوا سمعته ويثيروا عليه الرأي العام ويجولوا ذلك العطف الذي لاقته حركته إلى تذمر واشمئزاز حتى لا يجد له من يأخذ بناصره أو يؤيده في مطالبه”.
ثم جاءت الحوادث بعد ذلك تؤيد ما ذهبنا إليه فقد صرح الجنرال ديبور وكيل المفوض السامي “ان الحكومة سلحت بعض القرى المسيحية لمقاومة الثوار” فاضطر الثوار إلى مقاتلتها فجرى فيها ما جرى مما كانت الحكومة سبباً فيه.
وذكرت الصحف البيروتية وفي مقدمتها جريدة الأحرار أن ما حدث في مرجعيون وراشيا كان سامي بك شمس أحد وجوه الدروز في حاصبيا من أكبر المحرضين عليه ولاسيما بعد أن أراد متطوعو كوكبا احراق قريته “برغس” ولولا ذلك لكان نصيب كوكبا ومرجعيون وراشيا نصيب حاصبيا التي استسلمت فلم تبد عداء ولم تشهر في وجه الثوار بندقية.
غير أن ما تلمسناه من الاعذار التي أيدها الواقع، وعطفنا على مطالب الثوار أغضب علينا كثيرين من قراء هذه الجريدة فأخذوا ولاسيما المسيحيين منهم، بعد الحوادث الأخيرة يسلقوننا بألسنة حداد ويتهموننا بالرياء وأرسل لنا أحدهم من الناصرة كتاباً طويلاً يصف به ما حل بالمسيحيين في مجدل شمس والخريبة والفرديس وكوكبا ومرجعيون وراشيا استهله بهذه المقدمة:
“اتقوا الله أيها الصحافيون فيما تنشرونه من عبارات الثناء على عصابات الثورة الدرزية ولا تزعجوا الوطنية من سباتها العميق لأن لا علاقة للثوار بها ولا يتقظوا الاستقلال من مرقده فإن طلابه في سوريا لم يخلقوا بعد.. نقول هذا إستناداً على مصادر موثوق بها غيرت طننونا بالثآئرين وغاياتهم ونياتهم ومحت من صدورنا آيات المحبة والعطف على أولئك الرجال الذين يعتقدون أن الاستقلال هو ذبح النصارى ونهب بيوتهم وحرق دورهم إلى غير ذلك من المآتي المنكرة التي يحمر لها وجه الإنسانية حجلاً”.
نعم إننا نقر بحدوث أمثال هذه الفظائع ونشمئز منها كما يشمئز كل ذي شعور، بقطع النظر عن أن المسيحيين هم أخواننا في الدين، ولكننا إذا أردنا البحث في المسؤوليات وتوزيعها كان نصيب الحكومة منها أكبر نصيب، ثم يتلوه نصيب الذين جاروا السلطة هناك ووقعوا في شراكها من المسيحيين أو من الجراكسة، ثم نصيب زعماء الثورة الذين لم يقطعوا دابر هذه الأعمال الوحشية منذ البدء ولم يفطنوا إلى ما يحتاط حركتهم من الدسائس ثم نصيب أولئك الأعوان الذين يرافقون الثوار كالغربان لنهش الجثث.
وعلى كل فالحرب حرب الثورة ثورة لا بد أن يجري في كل حرب أو ثورة حتى الثورات الأهلية مثل هذه الفظائع التي تقع تبعتها في الدرجة الأولى على مسببها غير أن من واجب الزعماء أن يحفظوا لثورتهم روحها الوطنية وأن يضمنوا لها العطف العام وذلك لا يكون إذا خرج بها أنصارهم عن صبغتها وألبسوها ثوباً طائفياً.