وثائق سوريا
كتاب صبحي بركات إلى المفوض السامي الفرنسي حول الإضراب الستيني في سورية 1936
كتاب صبحي بركات الخالدي إلى الكونت دومارتيل المفوض السامي الفرنسي في سورية بمناسبة الحوادث والاحتجاجات
دمشق في 22 / 1 / 36
فخامة المفوض السامي للجمهورية الأفرنسية الكونت دي مارتيل -بيروت
يا صاحب الفخامة
بمناسبة الحوادث الدامية المؤلمة التي عمت البلاد، والتي تبنأت بها قبل أي شخص آخر وأعلمت فخامتكم بعواقبها ولم أدخر وسعاً في إطلاع المراجع المسؤولة في وزارة الخارجية الأفرنسية وفي لجنة الشؤون الخارجية للمجلس النيابي الافرنسي أيضاً على ما ستؤدي إليه مثل هذه السياسة المتتبعة في هذه البلاد، والتي لم تحيدوا عنها فخامتكم قيد شبر منذ أن وطأتها أقدامكم حتى هذه الساعة رغم إساءتها لسمعة فرنسا في هذه البلاد وما جاورها من البلدان العربية وكبدت هذا الشعب المسالم كل هذه المتاعب والآلام التي كان بإمكان فخامتكم اجتنابها لو اصغيتم إلى نصائح المخلصين للبلدين.
فبصفتي رئيساً للمجلس النيابي الحالي، ورئيساً شرعياً لدول الاتحاد السوري سابقاً، ورئيساً لدولة سورية، وممثلاً للشعب السوري كافة تمثيلاً شرعياً أرى أن إخلاصي لوطني العزيز وحرصي على سمعة فرنسا يدعواني لهذه المناسبة أن أصارح فخامتكم بما لا يصارحكم به غيري.
قدمتم سوريا واحتقار الشعب السوري ديدنكم والتنكيل به خطتكم فسرت هذه العدوى بسرعة إلى معاونيكم وموظفيكم من رجال الانتداب وعاملتم هذا الشعب المسكين معاملة السيد للرقيق معتبرين هذه البلاد كأحط المستعمرات دون أن يخطر ببال فخامتكم أن هذا الشعب له من المكانة العالمية وماضيه المجيد ما يجعله يأبى الضيم ويحتمل هذا الذل والاحتقار ويسكت عن اجراءات وتدابير كيفية لم يعتد عليها فضلاً عن أنه ساهم في النصر الذي أحرزته الجمهورية الافرنسية مع بقية الحلقاء في الحرب العالمية.
ودشنتم عهد قدومكم باعتقال رجالات البلاد دون مسوغ قانوني أو إداري أو سياسي يوم ارادت سورية في خريف عام 1933 مشاركة فلسطين في عواطفها وقامت بمظاهرة سلمية بحتة سفك فيها رجالكم دماً بريئاً لتحويلها من شكلها الحقيقي إلى شكل آخر تريدونه في الوقت الذي كانت فخامتكم فيه في اشد الحاجة إلى اكتساب القلوب من تنفيرها سيما وأن فخامتكم كنتم قادمين على عقد معاهدة مع هذه البلاد وكانت السياسة الرشيدة تتطلب أعمالاً من شأنها زيادة تبادل الثقة بين الطرفين لا توسيع شقة الخلاف.
فهل هذه الأعمال والتمهيدات هي السياسة التي كان يجب أن يسلكها من كان يود الوصول إلى الغاية التي من شأنها تأتي هذه البلاد ألا وهي عقد معاهدة ولاء وصداقة تساعد على توثيق أواصر المحبة والإخاء بين الطرفين والوصول إلى استقرار ترى فرنسا وسورية أنهما في أشد الحاجة إليه.
ولا يغرب عن بال فخامتكم أن أسلافكم سعوا بدقة زائدة لتمهيد السبل لبلوغ هذه النتيجة كي لا يصطدموا فيما اصطدمتم به فخامتكم غير أن هذه الصدمة وما تبعها من صدامات أخرى لم تحول ويا للأسف فخامتكم عن نهجها ولم تلطف شيئاً من حدة خطتكم التي ختطموها لأنفسكم في هذه البلاد وعرضتم مشروعاً كمشروع المعاهدة للفشل ثم البستم غيركم لباس الفشل هرباً من المسؤولية وحملتموني أنا شخصياً تبعتها رغم أنني صارحتكم بفشل هذه السياسة من قبل وابنت لفخامتكم مضار اتباعها وما تجره ورائها من ويلات واحن ها نحن واياكم نعاني الآن مصائبها.
وقد دام سوء التفاهم والتمهيد للتباعد بين وجهتي النظر سلسلة متصلة الحلقات آخذ بعضها برقاب البعض الآخر اذ دعوتم الحكومة السورية اذ ذاك لقبول معاهدة كنتم تحملونها هي في الحقيقة طعنة في وحدة البلاد وسيادتها فخضعت تلك الحكومة لمشيئة فخامتكم رغم أنها لم تكن تحقق شيئاً من الوحدة والاستقلال مع أن تلك الحكومة لم تنل ثقة المجلس الا على أساس عقد معاهدة تضمن الوحدة والاستقلال هذا وقد ارسلتم صورة تلك المعاهدة إلى الصحف قبل أن ترسل إلى المجلس النيابي ليدرسها وارفقتموها ببيانكم المشهور الذي جاء فيه “أنه لقاء التصريحات والحملات الموجهة إلى المعاهدة من قبل أن يذاع أمر توقيعها أو يعرف نصها رؤي من اللازم نشر هذه الوثائق لا ليتسنى لنواب الأمة فقط بل للشعب السوري أن يرى رأيه في قيمة ومدى هذه الوثائق المحالة على البرلمان السوري” وجاء أيضاً في فقرة أخرى ” لذلك فإن المجلس النيابي مدعو اليوم ليقول كلمته في الصكوك المعروضة عليه مجرداً عن كل نزعة حزبية” وقد عرضت فعلاً هذه المعاهدة على المجلس ونظر فيها بناء على أمركم الصريح وكان نصيبها الرد باقتراح وقعه خمسة وأربعون نائباً من تسع وستين وعلى أثر هذا الرفض عطلتم الحياة النيابية واتهمتم فخامتكم المجلس بتهم هو برئ منها ولكن تبرروا عملكم هذا اتخذتم له حجة اضطراب حبل الأمن العام.
أوليس من المستغرب أن تدعو فخامتكم الأمة اذ ذاك ببلاغ لتعرب عن رأيها في الصكوك فتقوم بمظاهرة سلمية تظهر فيها عدم ارتياحها اليها ثم تقومون باتهام الأمة بالشغب والاخلال بالأمن؟ فهل كان باستطاعة الأمة أن تعرب لكم عن رأيها الذي طلبتموه اليها وهي في عقر دارها؟ وهل ترى لو أظهرت لكم ارتياحها لهذه الصكوك بنفس المظاهرة وعين الوضع كنتم تعتبرون علمها اخلالاً بالأمن؟ أو لم صدق المجلس النيابي أيضا هذه الصكوك وارتكتب جميع الخطيئات التي اتهمتموه فخامتكم بها فهل كان يخطر ببال فخامتكم أن تلغوه وتسرحوا اعضاءه ثم تنعتوا الأمة السورية بعدم النضوج السياسي؟
فلتم فخامتكم اننا لم نحترم مادة من مواد الدستور واردتم بذلك اظهارنا أمام جمعية الأمم وأمام الوزارة الافرنسية بغير مظهرنا الحقيقي والبستمونا غير لباسنا الأصلي وقلتم أننا لم نعتد على احترام الأساليب الدستورية لسنا بأهل للحياة النيابية. ولو سلمنا مع فخامتكم جدلاً بأننا سهونا على احترام مادة من مواد الدستور ونحن أمام أمة حديثة العهد بالسياسة – على رأي فخامتكم- فما بالكم بمن يخترق أحكام الدستور بكاملها ويضرب بها عرض الحائط وهو عالم بما يعمل ؟ لا سيما وهو يمثل أمة ديموقراطية حية لم تأت إلى هذه البلاد الا لتعلمنا كيف تحترم النصوص الدستورية والقوانين . فهل هذا يا فخامة العميد مثال حسن يعطى لأمة تعهدتم أمام العالم أنكم ستقومون بإرشادها؟
منذ قدمتم يا صاحب الفخامة هذه البلاد حتى هذا التاريخ لم يمض يوم إلا وفأجأتم الأمة السورية بقرارات وتدابير وإجراءات كيفية لا تستند إلى سياسة رشيدة ولا إلى قانون عادل ولا إلى منطق معقول ولا تتقيد فخامتكم في يوم من الأيام بصك الانتداب الذي تفردت حكومة فخامتكم بوضعه وأمنتم بموجبه كما هو من شأنه أن يضمن مصالح بلادكم حتى ولا التفتم أيضاً قط إلى نصائح وإرشادات ورغبات لجنة الانتدابات في جمعية الأمم ولا إلى مصالح فرنسا الأساسية وسمعتها الأدبية في الشرق الأدنى ولم تحترموا دستوراً أنتم وضعتموه وصدقتموه من جمعية الأمم وفاخرتم أمام الرأي العام الدولي بأنكم عملاً بمبدأ فرنسا في صيانة الشعوب الضعيفة منحتم سوريا حياة حرة ومتعتموها بدستور أساسي وأنها بعد اليوم ستسير بخطى واسعة نحو الاستقلال والازدهار الذي أخذتم على عاتقكم ايصالها إليه بعد أن تم استقرارها السياسي. فهل هذه الأعمال وهذه السياسيات أمنت لفخامتكم نجاح خطتكم في هذه البلاد؟ وهل استطعتم بذلك صيانة سمعة فرنسا ومصالحها في هذه البلاد خاصة والبلاد العربية عامة؟
إنني لم أدعي يا صاحب الفخامة فرحة تمر إلا واحتججت على هذه الأساليب الضارة بمصالح الشعبين السوري والافرنسي ونبهت فخامتكم أيضاً إلى سوء العاقبة التي تجر إليها خطة كهذه لا أدري ما هو الداعي للتمادي فيها فلقد كنتم ويا للأسف تحاولون تلافي الأخطاء التي كنتم تقعون فيها بأخرى أبعد عمقاً وأوسع مدى عملاً بمشورة نصحاء السوء الذين أحاطوا بفخامتكم ممن لا يهمهم في هذه البلاد سوى إشباع بطونهم وملء جيوبهم على حساب فرنسا وبلادهم.
أعلنتم الحرب على كل من لم يماشيهم في هذه السياسة التي قدرت لها الفشل منذ اليوم الأول الذي قلت لكم فيه بأن معاهدة كهذه سيكون نصيبها الخيبة وأن كل من يقول لفخامتكم خلاف ذلك فهو كاذب.
فكان جواب فخامتكم إذ ذاك “كلفت بتصديق هذه المعاهدة فإن رفضت فسأضعها في جارور طاولتي”، وباشرتم بي شخصياً، واتخذتموني عدواً وهاجمتم النواب واحتقرتموهم وأسأتم معاملتهم مع أنهم لو تجردوا من صفة النيابة لا يمكن لأحد أن يجردهم عن صفة الوجاهة في هذه البلاد ثم أقمتم حكومة تعلم الأمة مدى نفوذها وقيمتها كما أنه لا أظن فخامتكم أو من يلوذ بكم تجهلون ذلك.
ألم يتعهد لكم الشيخ تاج الدين عام 1927 بأنه سيتوقف لحمل المجلس التأسيسي على قبول الدستور محذوفاً من صلبه هواده الست، واصطدم في أول جلسة طرح فيها الدستور برفض المجلس لها وولى هارباً من القاعة؟ ثم ألم يبق في الحكم للقيام بانتخابات تؤمن تنفيذ خطة تعهد أمر تنفيذها لسلفكم؟ فماذا كانت النتيجة يا ترى؟ ألم يفشل فشلاً مريعاً في الانتخابات رغم إراقة الدماء وجعل البلاد في حالة تقاس اليوم مضضطها؟
ثم ألم يضطر للتواري عن دمشق وتركها خوفاً من نقمة الشعب عليه ولم يظهر الموجود فيها إلا محمياً بحراب جيشكم يوم أسندتم إليه الحكم في أدق الأوقات وأحرج الظروف منخدعين مرة ثانية بأكاذيبه وأضاليله ومازال يتمادى في خداعه وأكاذيبه حتى أوقعكم هذه المرة في نفس الحفرة التي أوقعكم فيها عام 1931م.
ثم ألم تبلغ الشكايات مسامع فخامتكم من سوء تصرفاته وأن هناك تلاعباً في أموال البلاد فهل أرسلتم من يحقق في هذه الشكاوى صحيحة كانت أم كاذبة؟ أفلا يحمل هذا التغاضى والسكوت الرأي العام على الشك بأمور لا أريد الإفصاح عنها ولكنها ظاهرة حلية؟
ثم يقول هؤلاء ومن على شاكلتهم أنهم لا يقوموا بهذه الأعمال بخواتمها؟ أفلا يجدر بمن فشل بسياسة تعهد القيام بها أن يضرب ضربة قاضية على رأسه لتضليله ويحمل مسؤولية أعماله كي لا يتمادى في غيه ويخلفه من بعده خلف مثله يمثل نفس الدور الذي مثله سلفه ويستفيد في ابان حكمه من الفرص السانحة لملء جيوبه واشباع نهمه؟
لقد عمدتم يافخامة العميد إلى تنفيذ برنامج اقتصادي لتخفيف وطأة الأزمة الخانقة التي لحقت بالبلاد والعباد وجعلتموه بعيداً عن إشراف ممثلي الأمة واكتفيتم في أمر تنفيذه باشراك حكومة كانت سبباً لهذا التقهقر المادي والافلاس الاقتصادي الذي تئن منه البلاد وتشكو.
فهل من الحكمة القضاء على الاستقرار السياسي لأجل القيام بمشاريع اقتصادية؟ أولم ينص صك الانتداب على إعطاء البلاد الواقعة تحت الانتداب الافرنسي نظاماً سياسياً قبل كل شئ.
لابد وأن فخامتكم تذكرون ما جاء في كتابي الذي قدمته إليكم في 7 تشرين الثاني 1934 أن الأصلح في انهاض البلاد من الواجهة الاقتصادية هو السير ضمن نطاق الدستور الذي كفل لسوريا في مواده (104 – 105 – 106 – 107) بيان الطريق الواجب اتباعها. وأعربت إذ ذاك عن رأيي ورأي زملائي النواب بكل صراحة بأنه لا يمكن لهيئة من الهيئات مهما عظم شأنها أن تنفرد بالاتفاق على هذه المشاريع دون موافقة الأمة التي تتمثل في مجلسها النيابي وإن عملكم هذا مخالف ليس لأحكام الدستور فقط بل لصك الانتداب نفسه وختمت كتابي قائلاً بأن البلاد لا تعترف على أي امتياز تمنح فيها أو عقد يبرم باسمها من غير رضاء ممثليها الشرعيين.
ولكن ويا للأسف ضربتم بكل ذلك عرض الحائط ومضيتم في سياسة تقاسي البلاد الأمرين من عواقبها فمنحتهم الامتيازات جزافاً لشركات أجنبية بحقوق البلاد مثل (امتياز حصر التبغ – توسيع المرفأ – تمديد خط تل كوجك وتل زيوان- وسد بحيرة حمص، وحصر طريق الحج في البحر وغير ذلك) بالرغم على احتجاجات البلاد المتتالية واستنكارها المتكرر.
وكلما قامت البلاد تدافع عن حقوقها بالطرق السلمية واحتجت وأظهرت استياءها من هذه الأعمال غير المشروعة تتخذ فخامتكم عملها حجة لنعتها بعدم النضوج السياسي بينما كان سلفكم المسيو بونسو اعترف لها لدى لجنة الانتدابات في جنيف بنضوجها السياسي وقال انها أهلاً للحكم الذاتي وصرح أنها أصبحت بحالة تمكنها من التعاقد مع الحكومة الفرنسية وأن حكومة فخامتكم قادمة على عقد معاهدة مع سوريا تحدد فيها حقوق وواجبات الطرفين كمعاهدة العراق ولكنه ويا للأسف لم يمضى مدة قصيرة على هذا التصريح والاعتراف بالنضوج حتى أتيتم فخامتكم وأنكرتم علينا ذلك بعد أن مكنتم في سوريا عدة أسابيع فقط رغم أن تصريح سلف فخامتكم كان مبنياً على دراسة سنوات طويلة فأي الرأيين أحق بالأخذ به والاعتماد عليه؟
حادثة بسيطة نشأت من اختلاف وقع بين شركة الجر والتنوير وبين الأهلين على تعرفة النور فبدلاً من أن تقوم السلطة بصفة الوسيط العادل النزيه بين الطرفين إذ بنا نراها تتخذ لنفسها صفة الوكيل المدافع عن مصالح الشركة للكيد للأهلين ويقوم رجال السلطة بأعمال الإرهاب والاعتقال الذي لا مبرر له ظناً منهم أنهم بعملهم هذا يؤدون خدمة عظيمة لفرنسا.
فهل فخامتكم راضية عن هذا العمل؟ وهل جعل الانتداب لحماية الشركات الأجنبية والكيد لأهل البلاد؟
أفلا يحق لأصدقاء فرنسا بالشرق الأدنى أن ينظروا بعين القلق والهلع إلى مصير سوريا المشؤوم وإلى ضياع سمعة فرنسا في هذه البلاد من جراء معاملتها هذه في هذا الوقت العصيب الذي اضطربت فيه الحالة الدولية وأصبحت أوربا تخشى وقوع كارثة عالمية تأكل الأخضر واليابس لا بل وفي هذا الوقت الذي تقوم فيه بريطانيا فتسرع لحل مشاكلها الشرقية، وإرضاء الشعوب التي تحكمها ومنحها حكمها الذاتي ويقوم العالم بأسره للدفاع عن استقلال الحبشة.
ألم تكن الحكم تقضى على الحكومة الافرنسية أن تغتنم هذه الفرصة للتقرب بخطى واسعة نحو الشعب السوري وتمنحه حقه وتنيله أمنيته وتتساعد وإياه على اجتياز هذا المأزق الحرج بدل أن تفجه بحريته ودستوره وعشرات أرواح أبناءه ودماء أطفاله البررة التي تسفك في الأزقة والشوارع.
إن الأعمال التي قامت فخامتكم بها تمثل لنا صورة أعمال يقوم بها قائد عسكري محتل جديد لا هم له إلا التنكيل بالثوار والعصاة ومن قاومه أو قاوم جيشه.
وقد فات فخامتكم أن الحرب قد انتهت منذ مدة طويلة وأنكم لم تدخلوا هذه البلاد فاتحين حتى تستبيحوا حماها وتقتلوا نساءها وأطفالها ورجالها لا لذنب اقترفوه بل لأنهم يطالبون بحقوقهم والعالم كله وأغرب ما شهدته هذه البلاد أن يقوم رجال القوى المسلحة بأمر ممن منحتموهم ثقتكم بالاعتداء الفظيع على حرية وزراء يتعاونون مع حكومة فخامتكم ويساعدونها ويمدونها بنصائحهم الخالصة وآرائهم الصائبة كي يجدوا لهذه البلاد استقرار ولفرنسة راحة واطمئناناً، فالاعتداء على النساء وقتل البعض منهن وحبس قسم آخر وزج الأطفال في أعماق السجون عمل لم تره سورية إلا في عهد فخامتكم.
فإني لا أرى مبرراً لهذا الحقد والضغينة التي تدفع فخامتكم وررجال الحكومة لارتكاب أعمال كهذه لا لشئ آخر إلا الانتقام من شعب أنتم ورجالكم دفعتموه لهذا القيام فأنتم وحدكم مسؤولون عن كل ذلك وبوجه خاص عن سمعة فرنسا في الشرق الأدنى.
وإني لأعلم علم اليقين بأن رجال السلطتين تبريراً لخطتهم التي قادت وتقود البلاد إلى الخراب وإلى هذه الفتنة المدمرة يلجأون إلى تلفيق قرارات كاذبة من شأنها أن تحول الغاية الأساسية التي ثارت من أجلها نفوس هذا الشعب الذي لم يعد يحتمل أكثر مما احتمل ويوهمون فرنسا والعالم المتمدن أن حياة الجيش وحياة الأجانب أجمع ونساءهم وأطفالهم في خطر كيما يبررون موقفهم هذا الذي وقفوه في وجه الشعب السوري المسالم. ولكن ثقوا يا فخامة العميد بأن في سورية رجالاً من الأجانب يحملون في صدورهم إخلاصاً، وفي نفوسهم شرفاً ووجداناً طاهراً سيشاركوننا في إظهار الحقائق أمام رجال فرنسا الأحرار وأمام العالم المتمدن.
أوليس من المؤسف بعد كل هذه التجارب التي منيت بالفشل وفي هذا الموقف الحرج أن نرى الحكومة تلجأ إلى سياسة الإرهاب والإرهاق والأبعاد والنكايات والتنكيل؟
أليست المادة الجديدة التي سننتموها وأعطيتم بموجبها السلطات الإدارية حق الابعاد من غير محاكمة أو استجواب هي خرق لحرمة الدستور وتعدي على الحرية الشخصية التي يقدسها حتى سكان القفار والصحاري تلك المادة التي كان أول ضحاياها نائب دمشق فخري بك البارودي وغيره من الشبان وكان ذلك مبدأ هياج تثور فيه النفوس وتهرق في هذا البلد وفي هذه الساعة التي أكتب لفخامتكم فيه كتابي هذا دماء عشرات القتلى ومئات الجرحى في جميع البلاد السورية بين رجال وأطفال ظلماً وعدواناً ويعتقل مئات من الناس بلا سبب ولا جرم ولا تزال الحالة مستمرة على هذا الاضطراب في جميع الأنحاء والإضراب عام شامل والمظاهرات قائمة على قدم وساق ومنذ أيام وحتى الساعة وذلك كله احتجاجاً على سياسة لم يكتب لها منذ يومها الأول إلا الفشل سعيتم ومن حولكم ولا شك لاتهامي واتهام كل من قدم نصائحه الخالصة إليكم بعداوة فرنسا فإن وجدتم ما يبرر ويدعم اتهامكم في فما قول فخامتكم بصداقة كلى الاحترام البطريريك الماروني لفرنسا تلك الصداقة التقليدية التي لا يمكن إنكارها أبداً ومع ذلك فقد قام يعلن للملأ فساد هذه الخطة التي سرتم فخامتكم عليها ومشي الشعب الماروني النبيل من ورائه يشد آزره باحتجاجه واستنكاره هذه السياسية التي اختطتموها.
فهل دفعه إلى عمله هذا كرهه لفرنسا؟ أم حب المصلحة؟ وهل يمكن أن يقال أن عمله هذا كان لغايات شخصية قضيتم عليها أو أنكم لم تساعدوه على قضاءها؟ حتى وقف هذا الموقف المناوئ الذي قدرته له البلاد من أقصاها إلى أقصاها ولا نكران أنه هو الشيخ الجليل الذي لا هم له ولا غاية إلا أن يرى بعينه شعبه يتمتع بحياة حرة مشرفاً على جميع مرافقه السياسية والإدارية والعدلية والاقتصادية يستند في سيره هذا إلى صداقة فرنسا وإرشاد رجالها النزيهيين.
إن الإعتداء على مكتب الكتلة الوطنية ولإغلاقه والإعتداء على أعضائه أيضاً بعد أن اعترفتم بوجوده بصورة جلية لا تقبل الشك وبعد أن مددتم ايديكم إليهم للتفاهم معهم عمل لا مبرر له وتعد صريح للرجال العاملين وتناقض بين الأمس واليوم.
وإنه ليؤلمني كما يؤلم كل وجدان أن أرى بلادي تتخبط في عهد مظلم لا أثر فيه لمراقبة شرعية ولا لكرامة شخصية حتى أصبحت تتذكر البلاد عهد الاستبداد الحميدي وتستمطر عليه الرحمات.
وأنه لمن المستغرب أنكم لم تتركوا يا فخامة العميد ناحية من النواحي قضائية كانت أم إدارية الا وقضيتم على حسن سيرها بمداخلاتكم ومداخلات رجالكم الكثيرة تنفيذاً لخطتكم التي رسمتموها في هذه البلاد فأي قاض يجسر على مخالفتكم أو مخالفة من يلوذ بفخامتكم في إصدار حكمه على من تريدون وإن فعل عكس ما يوعز به إليه وكان من أهل البلاد كان نصيبه التنسيق وإن كان افرنسياً كان نصيبه العودة إلى بلاده في أول باخرة.
هذا ما تفعلونه في الوقت الذي كان الأجد بفخامتكم أن تصونوا على الأقل سمعة القضاء والعدل الافرنسي الذي يترنم به كل منصف في العالم بأسره وأن لا تشوهوا شكله الأصلي في الشرق الأدنى.
وهنا لا بد لي قبل أن أختم كتابي هذا أن أصارحكم بأن القرارات التي صدرت والقوانين التي سنتها حكومة لم تعترف البلاد بمشروعيتها ولا بحسن نيتها هي مخالفة لصك الانتداب والدستور معاً وأنه منذ التاريخ الذي وضع فيه الدستور موضع الإجراء لم يعد لفخامتكم الحق بإصدار قرارات لم يحتفظ بأمرها في صلب المادة 116 المؤقتة التي احتفظت فيها فرنسا ببعض أمور رأتها ضرورية لها لتقوم بتعهداتها المنصوص عليها في صك الانتداب.
أفلا يعد انتهاكاً لحرمة الدستور هذه القرارات التي أصدرتموها وهذا الحق الذي منحتموه حكومات غير مشروعة خلال تعطيل المجلس النيابي بصورة غير مشروعة بس قوانين كيفية يعمل بها في بلاد دستورية.
وصفوة القول إن جميع هذه الأعمال وتلك القرارات التي صدرت عن المفوضية والقوانين الاشتراعية التي صدرت عن حكومة غير مشروعة منذ تعطيل الحياة النيابية ليست بشرعية ابداً ولا تستند إلى أساس حقوقي.
فإن كان الغرض التصرف بمقدرات البلاد كما تريدون كان الأحرى بفخامتكم أن تلغوا الدستور بكامله وتعلنوا الأحكام العرفية كي لا تفسحوا مجالاً لهذا التناقض الذي وقعتم فيه.
وأما إذا كنتم فخامتكم تعتبرون الدستور موجوداً فالواجب احترامه، وإذا كنتم تعتبرونه غير موجود فلماذا لم تلغوه وتعلنوا ذلك؟
وقد رأيت من الضروري أن أعيد على مسامعكم كامل نص المادة 116 المؤقتة لتراجعها فخامتكم مرة ثانية ويطلع عليها رجال فرنسا وجمعية الأمم ليروا فيما إذا كان ما جاء فيها يسوغ هذه الأعمال والتدابير التي تخذتموها.
المادة 116 :
“ما من حكم من أحكام الدستور يعارض التعهدات التي قطعتها فرنسا على نفسها فيما يخص بسوريا ولاسيما ما كان منها متعلقاً بجمعية الأمم. يطبق هذا التحفظ بنوع خاص على المواد التي تتعلق بالمحافظة على النظام وعلى الأمن وبالدفاع عن البلاد وبالمواد التي لها شأن بالعلائق الخارجية.
ولا تطبق أحكام هذا الدستور التي من شأنها أن تمس بتعدات فرنسا الدولية فيما يختص بسورية أثناء مدة هذه التعدات إلا ضمن الشروط التي تحدد في إتفاق يعقد بين الحكومتين الافرنسية والسورية.
وعليه إن القوانين المنصوص عليها في مواد هذا الدستور والتي قد يكون لتطبيقها علاقة بهذه التبعات لا يناقش فيها ولا تنشر وفقاً لهذا الدستور إلا تنفيذاً لهذا الاتفاق.
إن القرارات ذات الصفة التشريعية أو التنظيمية التي اتخذها ممثلو حكومة فرنسا لا يجوز تعديلها إلا بعد الاتفاق بين الحكومتين”.
فاحتج بشدة على هذه السياسة إلى فخامتكم مسؤولون عنها والتي أوصلت البلاد إلى هذه الحالة المضطربة المؤلمة واحتج أيضاً بصورة خاصة على ابعاد نائب دمشق فخري بك البارودي دون محاكمة وعلى ضرب نواب الأمة والوزراء السابقين كما أنني احتج على هذه الشدة والتمادي في سفك الدماء في الشوارع والارهاب والارهاق وعلى ابعاد الدكتور سيف الدين المأمون واعتقال طلاب المدارس والشبان وضربهم وارهاقهم لمجرد إظهار شعورهم بمظاهرات سلمية وأطلب بإصرار وإلحاح إرجاع المبعدين وإطلاق سراح المسجونين ووضع حد لهذه المعاملة الشاذة التي يعامل بها الطلاب وهم نخبة البلاد ونواته الصالحة ولاسيما وأنهم ليسوا بمسؤولين عن هذه الحالة بل المسؤول عنها هم هؤلاء الذين يتربعون على كراسي الحكم ويستمدون سلطانهم من فخامتك ولو أنصف الدهر لكان يجب أن يحاكموا ويعاقبوا أشد العقاب على ما اقترفوا من ويلات كان ضحايا هؤلاء المظلومين.
وختاماً أرجو إبلاغ صورة عن احتجاجي هذا إلى وزارة الخارجية وإلى جمعية الأمم وتفضلوا ياصاحب الفخامة بقبول تحياتي
رئيس المجلس النيابي السوري
صبي بركات الخالدي