مقالات
نورالدين عقيل:الأعياد الدينية في يبرود في الماضي الجميل
نورالدين عقيل – التاريخ السوري المعاصر
كانت الأعياد قديما أجمل وأكثر ألفة ومحبة وتقاربا وتماسكا بين الأرحام والاقارب والجيران ، سواء في البلدة أو الحي . كان من عادة ابناء يبرود أن يحتفلوا سنويا بعيدين إسلاميين رئيسين هما عيد الفطر وكانوا يطلقون عليه اسم (العيد الصغير)، وعيد الأضحى وهو (العيد الكبير ) نظرا لقيمته الدينية الكبيرة إذ يأتي بعد يوم وقفة عرفات لحجاج بيت الله الحرام في مواسم الحج . وبعد العشر الاول من شهر ذي الحجة التي تكون زاخرة بالعديد من الطقوس الروحانية .
في ذلك الماضي الجميل كانت قد جرت العادة من قبل الأهالي أن تتم التهيئة لأي من هذين العيدين قبل اسبوعين أو أكثر من يوم العيد ، وتكون استعدادا لهذه المناسبة الدينية الهامة ، بدءا بشراء لوازم افراد الاسرة من القماش للصغار والكبار من محلات القماش في سوق يبرود لتحويلها الى قنابيز وشراويل وقمصان وصايات للذكور ، وتنانير وفساتين للبنات والنساء ، وتفصيلها عند الخياطات والخياطين وتجهيزها ثيابا جديدة بمناسبة العيد ، بالإضافة الى شراء الأحذية الجديدة وأغلبها صناعة محلية من انتاج صناع الأحذية في يبرود . علما بأن رب الأسرة لم يكن حريصا على توفير الملابس والأحذية الجديدة للأبناء في كل عيد ، حيث كان الأبناء والبنات يلبسون نفس ثيابهم في يوم العيد وغيره من الأيام وكان الأمر طبيعيا .
كان العبء الاكبر يقع على عاتق ربة البيت في الاستعداد لكل مظاهر العيد ، فعليها تجهيز وترتيب المنزل لاستقبال المعيدين من الأهل والجيران والاقارب ، وقبيل العيد باسبوع تقريبا تنشغل ربات البيوت في تهيئة منازل الاسرة ، ويعملن على إصلاح وتبييض جدران غرف المنازل والجدران الخارجية وباحة الدار الداخلية وطليها بمادة الحوارة البيضاء التي كان يبيعها بعض أبناء بلدة بخعا ( وهي عبارة عن حجارة كلسية بيضاء تنحل بالماء وتتحول الى طلاء أبيض فاقع اللون زكي الرائحة ) لتوفر هذه المادة في منطقتهم ، وبعدها تدعو ربات البيوت جاراتها لمساعدتها في فتل شعيرية العجين ونشرها على أطباق من القش وتعريضها لأشعة الشمس لتجفيفها تماما وتهيء لطبخ الرز المفلفل بعد أن تقلى بالسمن العربي وتطبخ مع حبات الرز الذي لا يؤكل الا في الأعياد او المناسبات في تلك الأيام ، وأحيانا كان الموسرون يطبخون الشاكرية والكبة أو الفاصولياء او اليخنه مع الرز في أيام العيد .
وقبل العيد بيوم أو يومين تقوم النساء بزيارة المقبرة لتزيين قبور المتوفين من أقارب العائلة وطليها بالحوارة البيضاء وربط بعض اوراق النباتات الخضراء والورود المتاحة على شاهدة القبور بشرائط ملونه ورش الماء حول القبر استعدادا لزيارة الأموات في صبيحة اليوم الأول للعيد .
كما كانت ربة الاسرة تصطحب قبل العيد بيوم أو يومين بناتها وأطفالها الصغار الى احد حمامات ( الضيعة ) للاستحمام ، وكان يوجد في يبرود ثلاثة من هذه الحمامات العامة أحدها حمام الرويس والآخر حمام الخضر بجانب مسجد الخضر ، ثم حمام القاعه بجانب جامع العجمي في حي القاعة ، وأيضا كان رب كل أسرة يصطحب أولاده البالغين الى الحلاق وبعده الى الحمام قبل يوم العيد بيومين او يوم واحد استعدادا لاستقبال العيد بالثياب الجديدة والمنظر اللائق لكل افراد الأسرة .
قبل العيد بحوالي اسبوع أو أكثر تبدأ أجواء العيد حيث يعج سوق البلدة بالرواد من أبناء البلده وأبناء القرى المجاورة وكل يريد أن يتبضع حاجاته من لوازم وضيافة العيد من سكر وقهوة وشاي وسكاكر ونحوها ، وكنت ترى البلدة في حركة دائبه والكل ينتظر موعد العيد .
في عيد الفطر وبعد أن يثبت هلال شهر شوال يصعد المؤذنون وبعض الشبان أصحاب الأصوات الجميلة الى مآذن المساجد ويرفعون أصواتهم بالتكبير والتهليل إيذانا بالعيد .
وأيضا يحدث ذلك في مساء يوم وقفة جبل عرفات في مكة المكرمة وإيذانا بعيد الأضحى السعيد يتبادل الجميع بالتهاني وتبادل التمنيات ، وأصوات المؤذنين تبقى تصدح بالتكبير حتى صلاة العشاء من ذلك المساء .
في تلك الليلة كانت أغلب ربات البيوت يسهرن طوال الليل وهن يقمن بأعمال كثيره هي وبناتها البالغات ، من نقل مياه الشرب لمنزلها من أحد مناهل البلده ، وإتمام تنظيف وتهيئة منازلهن ورش الماء على أبواب المنازل بعد كنس الأزقة والطرقات من قبل نساء تلك الأزقة بشكل جماعي او فردي ، ثم تقضي المرأة الليل في تهيئة وتجهيز ثياب اولادها الصغار ، وإعداد وتجهيز الطعام ليوم العيد .
من يستطيع توفير الأضحية من أغنام او أبقار وعجول لذبحها في عيد الأضحى وفقا للشعائر الدينية عليه ان يدور على الجيران والأقارب والمعارف لدعوتهم لمشاركته الاحتفال بالأضحية في اليوم الأول أو الثاني للعيد لتوزيع لحوم هذه الأضحية على الأهل والأقارب والجيران والمعارف والفقراء والمحتاجين ، ويعتبر ذلك طقسا متبعا في هذه المناسبة .
في صببحة العيد يستيقظ أفراد الاسرة فجرا ويلبس الرجال والشباب أفضل ما عندهم من ثياب للتوجه الى المساجد لأداء فريضة سنة العيد وأصوات التهليل والتكبير تعلو من المآذن ، بينما تستعد النساء لزيارة المقابر أثناء ذلك وكل منهن تحمل وعاء فيه أرغفة الخبز واقراص الحلو لتوزيعها عن أرواح الأموات من الأقارب على الفقراء والشحاذين الذين يكثر عددهم في هذا اليوم في المقابر ، ثم تعود كل من النساء الى منزلها قبل زيارة الرجال للمقبرة عقب خروجهم من المساجد بعد صلاة وسماع خطبة العيد ، فينطلق الرجال بعد تبادل عبارات التهاني بالعيد وتمنيات الخير والبركة والصحة وأداء فريضة الحج والفرحه بالابناء وعودة الغائبين بالسلامة فيما بينهم الى المقبرة لزيارة قبور أمواتهم وقراءة الفاتحة ويوزع كل منهم ما تجود به نفسه وحسب طاقته بعض فكاكة العملة الدارجة على الفقراء والشحاذين المتواجدين على أبواب المقبرة وداخلها .
وبعد زيارة المقبرة كان يذهب أغلبية الرجال لمعايدة مشايخ الحارات والمخاتير والوجهاء وكبار عائلاتهم حيث يكون هؤلاء قد اعد كل منهم في منزله مائدة العيد التي تبقى منصوبة طوال النهار ، حيث يعايدون هؤلاء الكبار ثم يعود كل منهم الى عائلته ، وكما هو المعروف في المجتمع الريفي فإن الجد في أي عائلة هو حلقة الوصل مابين الأجيال ، لذا يحرص جميع أفراد العائلة على الإلتقاء في بيت الجد لتبادل التهاني بالعيد المبارك ولاسيما الصغار الذين يتشوقون للحصول على العيدية من الجد والأب والأعمام ، وغالبا ما تكون قطعة من النقود الرائجه في ذلك الوقت اولا مثل المصرية والبارة والنحاسة والقرش ثم بعد العهد العثماني الفرنك والفرنكين وربع الليرة ، وينطلق هؤلاء الصغار لشراء ما يلذ لهم من قضامة مالحه وقضامه على سكر وحلي سنونك وسكاكر وزميرات ودواليب الهوا وغيرها مما يعجزون عن شرائه في غير أيام العيد ، حيث يكثر في تلك الأيام الباعة المتجولون في البلدة ، ثم اللعب مع أقرانهم بكل فرح وسرور ، وغالبا لم تقتصر العيدية على الصغار فحسب بل للأرحام من بنات وامهات وأخوات وزوجات .
كما تكثر صلة الرحم في هذا اليوم الذي يتواصل فيه الأقارب مع بعضهم البعض ، وكان من واجب كل اسرة أن تزور جيرانها وأقاربها وأصدقاءها للمعايدة ، وكان من مظاهر العيد أيضا أن يتصالح الناس ويتصافحوا ويهنؤوا بعضهم بالعيد خاصة الذين توجد بينهم بعض الخلافات او المشاكل حيث تختفي وتزول عندما يحل العيد ويتم التواصل وتسود الالفة والمحبة بين الجميع ولا يبقى للجفاء من أثر بين الأفراد والأسر ويتبادلون عبارات المعايدة وكل يتمنى السعادة والصحة والخير والعمر المديد للآخر .
وكان من طقوس ذبح الأضحية عند الاسرة التي تريد التضحية في عيد الإضحى أن يجري الذبح في اليوم الاول اوالثاني للعيد، حيث يتم دعوة الشيوخ والجيران والاقارب والمعارف لحضور هذه المناسبة، وتزين رقبة الذبيحة بالورود والازهار والإشاربات الملونه، ويقوم الجميع بالتكبير قبل أن يقوم الجزار بمهمته وتقطيع اللحم وتوزيعه على الأهل والجيران والاقارب والفقراء والمحتاجين، حيث كان الفقراء في هذا العيد يعوضون حرمانهم من اكل اللحم حيث يكون نصيبهم وافرا من لحوم الأضاحي .
كان الكبار من الفتيان يلعبون بالبيض المسلوق والملون ، كما كان من مكملات العيد عند هؤلاء الخروج من البلدة على شكل جماعات وزرافات الى منتزه قرينا للتنزه حول البحيرة والفرجه على بعض مسابقات يجريها الأشداء من الشبان كرفع الحجارة وسباق الخيل في المرج الذي كان مجاورا للبحيرة ، وكان هؤلاء الفتيان يتلهون بشراء المكسرات وبعض انواع السكاكر وشرب الدخان حيث يكثر بائعوا البسطات اللذين يفرشون بضائعهم على أطراف ساحة قرينا ويطلقون النداءات ترويجا لبضائعهم.
كانت ضيافة العيد في تلك الايام للضيوف والمعايدين الشاي أو القهوة العربية والسكاكر والزبيب والمكسرات وأقراص الحلو، وكانت أيام العيد عطلة وراحه للجميع إلا بعض المضطرين لسقاية حقولهم او ما شابه ذلك ، وبعد أن تنقضي أيام العيد الثلاثة يعود كل الى مزاولة عمله
انظر:
نورالدين عقيل: نظام الري القديم في يبرود
نورالدين عقيل: رمضان في ماضي يبرود
نورالدين عقيل: أشهر الحلويات الشعبية في يبرود
نورالدين عقيل : خميس الأموات ونوبات المشايخ في ماضي يبرود
نورالدين عقيل: نبذه عن التعليم التقليدي في مدينة يبرود