شهادات ومذكرات
من مذكرات أكرم الحوراني – المنطلقات المنحرفة لعهد شكري القوتلي منذ بدايته
من مذكرات أكرم الحوراني (14 /127)
من مذكرات أكرم الحوراني – المنطلقات المنحرفة لعهد شكري القوتلي منذ بدايته
وقد تكلمت في هذه الجلسة فقلت: “إنني أعددت أربعة أسئلة أتقدم بها إلى الحكومة، فالأول يتعلق بالجيش وقد سبقني الزملاء إلى الكلام فيه، والثاني قضية إطلاق سراح المعتقلين وهذا أيضاً تكلم فيه بعض الزملاء، ولذلك سأقصر كلامي على الأسئلة التالية:
أولاً: أطلقوا سراح الفكر
قضى الأجنبي قضاء تاماً على حرية الكتابة، بل قضى على جميع الحريات الفكرية بزعم الضرورة الحربية فأوقف جميع تيارات النهضة سواء أكانت ثقافية أو إجتماعية أو أدبية أو سياسية، فأسنت النفوس وأظلمت دنيا الفكر في هذه البلاد. فما تنفس الفكر السوري الصعداء من كابوس المراقبة الأجنبي حتى أناخت عليه بكلكلها المراقبة الحكومية الوطنية. فما أشد حزننا عندما نرى أعمدة الصحف بيضاء، رغم أنها لا تمت للمواضيع العسكرية بصلة، بل هي شؤون داخلية، حتى هزلت صحفنا وأصبحت بحكم النسخة الواحدة، بعضها يغني عنها جميعاً، أو واحدة منها تغني عنها جميعاً، فإذا قضى الأجنبي باسم الضرورة الحربية على الحرية الفكرية فما هو عذر الحكومة الوطنية. ونحن في بدء أورع مرحلة من مراحلنا القومية؟
أنا من الذين لا يؤمنون بنهضة أو نجاح مالم يكن الفكر حراً طليقاً، أليس من واجبنا أن نعلم الصحافة الحرية في معالجة شتى المواضيع؟ وأن لا نجعل سوى القانون إذا تعرضت أو أساءت الكفيل العادل في ردعها وزجرها، أن الحكومة في لبنان قد تركت للصحافة الجو حراً طليقاً، بل رحبت بكل انتقاد برئ مع أن وضع لبنان السياسي يشبه وضعنا، ولذا فإنني أرى أن ينحصر عمل الرقابة في الأنباء الحربية، وأرجو جواباً من وزير الداخلية.
ثانياً: لم يتعرض خطاب رئيس الوزراء لموضوع البنك السوري، مع أنه قدم لنا البشرى باستلام جميع الصلاحيات، ولا تخفى أهمية هذا الموضوع بالنسبة لمستقبل البلاد المالي والاقتصادي، لذلك فإنني أسأل هل جرى بحث موضوع البنك السوري أثناء المفاوضات مع الجانب الفرنسي؟ وإذا لم يجر بحثه فما هو السبب؟ وما هو موقف الحكومة من هذه القضية؟
ثالثاً: هل هذه صحيح؟
يهمس بعض الناس، ولا أعلم أن كانوا صادقين، بأن وزارة الاعاشة قد منحت رخصاً بالتصدير والاستيراد لبعض النواب من الذين كانوا تجاراً وإلى البعض الآخر الذين لم يسبق لهم أن عملوا في هذا الميدان، أنه من واجب الحكومة أن تتولى بنفسها أمر التصدير والاستيراد الذي يدر على الخزينة أموالاً طائلة بدلاً من أن تمنحها للأفراد. وهذا ما سأتولى بحثه مفصلاً أثناء مناقشة موازنة الأعاشة، وعلى كل حال يجب أن تحجب الحكومة فوراً هذه الإجازات عن جميع النواب إذا كان الخبر صحيحاً، حرصاً على المصلحة والسمعة ودفعاً للشبهات. لأن الإنسان الذي يصبح نائباً لا يجوز له أن يكون باسم النيابة تاجراً ولو برخص وإجازات رسمية”.
إن هذه الأسئلة التي طرحتها تصور المنطلقات المنحرفة التي قام عليها حكم القوتلي منذ البداية، وهي:
1- تهربه من مجابهة الاستعمار الفرنسي، والتسويف أمام المطالب الوطنية المجلسية والشعبية في ممارسة الاستقلال واستلام الجيش.
2-ونتيجة لهذا الموقف مارس حكم القوتلي رقابة صارمة على الصحف وضغطاً على الحريات العامة.
3- فتحه باب الاستغلال غير المشروع بجعله من مصلحة الميرة والإعاشة مجالاً لاستغلال الطبقة الرأسمالية والإقطاعية، لتأمين أكثرية في المجلس وركيزة طبيعية خارج المجلس.
4- وانسجاماً مع هذه السياسة الإقطاعية الرأسمالية التي هي ركيزة نظام القوتلي لم تفكر الحكومة مطلقاً بإلغاء امتياز أصدار النقد، الذي يعادل في أهميته استلام الجيش السوري.
لذلك ركزت معارضتي لنظام القوتلي على هذه النقاط التي هي جوهر القضية الوطنية التحريرية في تلك الفترة.
انظر :
من مذكرات أكرم الحوراني (126) – كل الصلاحيات، بلا جيش، لا تساوي بصلة
من مذكرات أكرم الحوراني (125) – أساس مفاسد النظام البرلماني الديمقراطي
من مذكرات أكرم الحوراني (124) – تشكيل لجنة العشائر (أواخر كانون الأول عام 1943)
من مذكرات أكرم الحوراني (123) – إستلام الحكومة السورية الصلاحيات عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (122) – إقدام في لبنان وتخاذل في سورية
من مذكرات أكرم الحوراني (121) – لماذا وهبت سوريا الأقضية الأربعة للبنان؟
من مذكرات أكرم الحوراني (120) – دور المجلس النيابي في قيادة الحركة الوطنية
انظر ايضاً مذكرات أكرام الحوراني: