قضايا
إستلام الحكومة السورية الصلاحيات المشتركة عام 1943
جرت مفاوضات بين الحكومة السورية واللبنانية حول استلام الصلاحيات المشتركة واستثمارها.
قدمت الحكومتان السورية واللبنانية مذكرة إلى المسيو هللو الذي خلف الجنرال كاترو، وكان الفرنسيون لا ينقطعون عن المساومة في أمر تسليم هذه المصالح وحاولوا فرض معاهدة مع الحكومتين لإيجاد وسيلة للبقاء في سورية ولبنان.
جرت سلسلة مفاوضات حول استلام الحكومتين السورية واللبنانية المصالح المشتركة التي كانت تمارسها فرنسا باسم الدولتين.
إعلان إستلام الصلاحيات في محلس النواب
بعد أن أنهى المجلس النيابي جدول الأعمال المقرر في جلسة الثالث والعشرين من كانون الأول عام 1943 وقف رئيس الوزراء سعد الله الجابري خطيباً يزف للمجلس وللشعب بشرى استلام الصلاحيات، فقال:
(إنني أعلن الشكر والامتنان العظيم، من على هذا المنبر، للموقف النبيل الذي وقفته فرنسا والجنرال كاترو “تصفيق” هذا الجنرال الذي وقف الموقف الذي يريد من كل قلبه وكل اخلاص أن يقدم لنا كل ما نريده بلا تردد ولا شك. كذلك لا أستطيع وأنا أمثل الحكومة أمامكم إلا أن أكرر الشكر وأذكر هذا الجنرال بالخير).
وقال: (إن مفاوضات الحكومة السورية لاستلام الصلاحيات كانت قد بدأت منذ تشكيل الحكومة). ثم أردف قائلاً أنهم انتظروا طويلاً، وكان يسائل نفسه” لم هذا الانتظار؟.. هذا هو السبب الذي حملنا على السكوت هذه المدة، فما أن عاد الجنرال كاتروا إلى لبنان وقابل فخامة رئيس الجمهورية ورجال حكومته “بعد الانتفاضة اللبنانية” حتى جاء إلينا فتوصلنا إلى اتفاق وقعناه هنا – في دمشق – بالاشتراك مع الحكومة اللبنانية، ولا أنكر عليكم أن رقة ولطفا ومجاملة واخلاصاً لم نشعر به في يوم من أيام حياتنا وجدناه لدى الجانب الفرنسي”.. ثم عدد الصلاحيات التي كانت بيد المفوضية العليا والتي وعدوا باستلامها فقال إنها:
“المصالح المشتركة العائدة للدول، وهي مراقبة الشركات ذوات الامتياز، ومن هذه الشركات ما هو موجود في سوريا ومنها ما هو موجود في لبنان. وهي: شركة مياه بيروت، شركة كهرباء وترام بيروت، مصلحة الفنارات، شركة المياه والكهرباء والترام في حلب، شركة الكهرباء والترام بدمشق، شركة الكهرباء في حمص وحماه، ومصلحة البارود والمفرقعات ورخص الصيد ورخص حمل السلاح، ومراقبة السيارات والكاوتشوك، ومراقبة البحث عن المعادن.
أما المصالح ذات الصبغة المالية فهي الريجي” إدارة حصر التبغ” ومعاملات الخزانة والجمارك والمصالح الاقتصادية وما يتعلق بها من شؤون مالية، والأشغال العامة التي كانت تدار باسم المصالح المشتركة، والبرق والبريد، ورخص التحري عن المعادن، والمصالح التشريعية والأدبية والإدارية. والأمن العام والجوازات وإدار العشائر ومراقبة الأجانب ومراقبة الحدود والحرس السيار ثم الجيش.
هذه المسائل بمجموعها لم نجد في أثناء الدرس والبحث مع الجانب الآخر أي تعلل في تسليمها أو التمسك بها. وكل ما هنالك ملاحظات كانوا يبدونها فيما يتعلق بالحالة الحربية وبالمسائل المالية بالنسبة لحالتنا المالية لا أكثر. وستنتقل في أول يوم من عام 1944 إلى الحكومة السورية. وهناك أمر يهمنا جداً ويهمكم جميعاً، ألا وهو أمر الجيش، هذا الجيش الذي لم نجد من الجانب الفرنسي أي فكرة في الممانعة بتسليمه ولكن تسلمه يحتاج إلى بحث لأن الجيش يكلفنا مبالغ لم نحسب لها حساباً في موازنتنا، ولا تستطيع واردات المصالح المشتركة أن تغطي أكلافه. وأستطيع أن أقول لكم بصراحة أن تكاليف الجيش تبلغ 35 مليون ليرة سورية. ولذلك أرجأنا تسلم هذا الجيش إلى أن نبحث هذا الموضوع كحكومة ومجلس ونجد المال اللازمة للإنفاق عليه”.
وقال: (أتلو عليكم نص الاتفاق باللغتين العربية والفرنسية، وهذه أول مرة يوضع عقد سياسي باللغة العربية ويوقع عليه الجوانب الثلاثة من المتفاوضين:
“تم الاتفاق في تاريخ هذا اليوم بين فخامة قائد الجيش الجنرال كاترو مفوض الدولة المكلفة بمهمة، وبين ممثلي الحكومتين السورية واللبنانية على تسلم هاتين الحكومتين الصلاحيات التي تمارسها الآن السلطات الفرنسية باسمها. وستنقل بحسب هذا الاتفاق المصالح المشتركة وموظفوها إلى الدولتين السورية واللبنانية وحق التشريع والإدارة وذلك اعتباراً من أول كانون الثاني القادم. والأساليب المتعلقة بانتقال هذه الصلاحيات ستكون موضع اتفاقات خاصة”.
دمشق في 22 / 12 / 1943
التواقيع: خالد العظم، جميل مردم، سعد الله الجابري، سليم تقلا، رياض الصلح، ج كاترو”.
كلمات الأعضاء في الجلسة:
بكى سعد الله الجابري عند إعلانه استلام الصلاحيات، واعتبر النواب أنها جلسة مقدسة لأنها حققت الاستقلال، فوقف الجميع لحظة إجلالاً لأرواح الشهداء. وتكلم ناظم القدسي وعدنان الأـتاسي وسعيد الغزي مشيدين بهذا الاتفاق. كما تكلم بحماسة الأستاذ نجيب الريس الذي تمثل بقول الشاعر:
قد كنت أحلم قبل اليوم في سنة فصرت أحلم بعد اليوم يقظانا
حفل وزارة الخارجية:
ثم أقامت وزارة الخارجية حفلة كبرى في فندق الشرق بمناسبة استلام الصلاحيات، حضرها الجنرال كاترو وجميع المستشارين الفرنسيين في المحافظات، وأعضاء السلك الدبلوماسي، ورياض الصلح وسليم تقلا وعادل عسيران والأمير مجيد أرسلان وعبد الحميد كرامي وإبراهيم حيدر وصائب سلام والأمير جميل شهاب.
أشاد جميل مردم في هذه الحفلة بالاتفاق قائلاً: “لقد جاءتنا الوفود وتلقينا التهاني لما نلناه من ظفر أحرزته الجمهوريتان السورية واللبنانية” ، وقال “إني لأوجه الشكر إلى فخامة الجنرال كاترو وإلى اللجنة الوطنية الفرنسية التي وجدت في شخصه جميع المزايا السامية لحل هذه المعضلة المستعصية منذ ربع قرن”.
فأجاب الجنرال كاترو محييا الرئيس الزعيم شكري القوتلي وفخامة الشيخ بشارة الخوري، وأثنى على لباقة جميل مردم الذي خصه بالشكر، ثم أثنى على الخطابين اللذين ألقاهما في المجلس السوري واللبناني سعد الله الجابري ورياض الصلح..
بدأ سيل البرقيات ينهال على رئيس الجمهورية والحكومة من جميع أصحاب المصالح مشيدة بالظفر التاريخي المجل.
انظر:
النص الكامل لاتفاقية المصالح المشتركة بين سورية ولبنان 1944
المراجع والهوامش:
(1). الأرمنازي (نجيب)، سوريا من الاحتلال حتى الجلاء، دار الكتاب العربي، القاهرة عام 1954م، صـ 152
(2). محاضر مجلس النواب، الدور التشريعي الثالث، الدورة العادية الأولى، الجلسة العشرون 23 كانون الأول 1943
(3). من مذكرات أكرم الحوراني (13 /123)
المراجع والهوامش:
(1). الأرمنازي (نجيب)، سوريا من الاحتلال حتى الجلاء، دار الكتاب العربي، القاهرة عام 1954م، صـ 152
(2). محاضر مجلس النواب، الدور التشريعي الثالث، الدورة العادية الأولى، الجلسة العشرون 23 كانون الأول 1943
(3). من مذكرات أكرم الحوراني (13 /123)