شهادات ومذكرات
من مذكرات أكرم الحوراني – لماذا وهبت سوريا الأقضية الأربعة للبنان؟
من مذكرات أكرم الحوراني (13 /121)
من مذكرات أكرم الحوراني – لماذا وهبت سوريا الأقضية الأربعة للبنان؟
أصدر الجنرال غورو، بعد احتلال سورية عام 1920 وفصل “دولة اللاذقية” و”دولة جبل الدروز” و”لواء الإسكندرون” عنها، قراراً بضم مناطق واسعة من سوريا “للبنان الصغير” الذي كان منحصراً بالمناطق الجبلية المسيحية.
وقد عرفت هذه المناطق باسم الأقضية الأربعة (عكار وطرابلس، وبعلبك وراشيا وجبل عامل وصور وصيدا وقسم من بيروت) وظلت سوريا خلال كل فترة الانتداب تطالب – كما كان أبناء هذه المناطق ذاتها يطالبون – بإعادة الأقضية الأربعة إلى سوريا.. إلى أن قامت الحركة الاستقلالية في لبنان الكبير بقيادة بشارة الخوري ورياض الصلح ورفاقهما وحققت انتصارها على الانتداب الفرنسي في 22 تشرين الثاني 1943، فانقلبت الآية ولم يعد يرتفع في سوريا صوت واحد للمطالبة بعودة الأقضية الأربعة إلى الأم سوريا ، بعد أن عبر لبنان في حركته الاستقلالية المظفرة عن هويته العربية، وهزم المحاولات القديمة المشبوهة التي كانت تريد أن تصبغه بهوية غير عربية.
وقد عبرت عن ذلك في ردي على المسيو هيللو في المجلس النيابي إذ قلت “إنني أعلن لأخواننا اللبنانيين أن يضموا إليهم ما اختاروا من الداخل. فأي أرض أرادوا ضمها هي أرضهم وبلادهم، وأي مكان في هذه البلاد هم أهلهم وأخوانهم. فلا نعد نحن الواهبين ولا هم الموهوبون. ما كان لبنان في يوم من الأيام أجنبياً بل كان دوماً بلداً مجاهداً عربياً.
هل هو رأي شخصي؟ هل هو شعور ذاتي؟ .. لو كان الأمر كذلك لكان لابد من تحملي مسؤولية وطنية جسيمة، الأمر الذي لم يحدث، لأن ما عبرت عنه كان شعور السوريين بعد الانتفاضة التحريرية في لبنان عام 1943م.
هل كان تسليم الكتلة الوطنية عام 1936 بحدود لبنان الكبير كافياً لدفن هذا الموضوع عام 1943 لو لم يكن وليد اقتناع عام في سورية البلد العريق بنضاله في سبيل الوحدة؟
لقد كانت مدينة طرابلس بصورة خاصة معتبرة في نظر السوريين إحدى مدنهم الرئيسية، بل كانوا يعتبرونها أهم من جميع المدن السورية، لأنها كانت ميناء سوريا الطبيعي، وسكان طرابلس ذاتهم كانوا أشد الناس إيماناً بهذه المشاعر، ومظاهراتهم وإضراباتهم وتمردهم خلال كل تلك السنين للعودة إلى الأم سوريا تشكل سجلاً حافلاً في تاريخ هذه القضية، هذا مع العلم بأن “لبنان الصغير” لم يكن متحمساً بالأساس لانضمام هذه الكتلة الإسلامية من سكان الأقضية الأربعة إليه. بل كثيراً ما كانت ترتفع الأصوات، طيلة عهد الانتداب، من رجال لهم شأنهم تطالب بجعل لبنان وطناً قومياً مسيحياً، بل كانت ترتفع بعض الأصوات المشبوهة تطالب بجعل لبنان جزءاً من الأمبراطورية الفرنسية.
وإذا كان موقف الكتلة الوطنية ويأس الجماهير سبباً في التسليم بحدود لبنان الكبير في ظروف عام 1936 فإن ظروف عام 1943 كانت مختلفة وقد فتحت الأبواب الموصدة لضم الأقضية الأربعة إلى سوريا، لاسيما وأن ميثاق الأطلنطي يقوم على حق تقرير المصير. وكانت النتيجة معروفة سلفاً في أي استفتاء يجري في هذه الأجزاء السورية المنسلخة عن وطنها الأم.
لكن كل ذلك زال على أثر الانتفاضة العربية التحررية في لبنان، في أواخر عام 1943م.