وثائق سوريا
تعليق صحيفة البعث حول هجوم جمال عبد الناصر على حزب البعث عام 1963
علقت صحيفة البعث الناطقة باسم حزب البعث في الثالث والعشرين من تموز عام 1963م على خطاب الرئيس جمال عبد الناصر الذي هاجم فيه حزب البعث في سورية، وأعلن فيه الانسحاب من ميثاق 17 نيسان عام 1963م.
نص التعليق:
ان الخطاب الذي ألقاه الرئيس جمال عبد الناصر بمناسبة الذكرى الحادية عشرة لثورة 23 تموز تطرق إلى عدة مواضيع هامة وشكل تحولاً خطيراً في سياسة القاهرة العربية تستوجب دراسة جدية ورداً شاملاً ومفصلاً. ونكتفي اليوم بإبداء بعض ملاحظاتنا حول عدد من النقاط التي تضمنها الخطاب:
1- ان ابرز نقطة في خطاب الرئيس جمال عبد الناصر البارحة هي إعلان انسحاب القطر المصري من الوحدة الثلاثية. والذي تتبع الحملة الإذاعية والصحفية في الأسابيع الأخيرة وبنوع خاص نشر محاضر جلسات المباحثات الثلاثية بالشكل والأسلوب اللذين تمت به إدرك منذ ذلك الوقت ان الغاية منها تهيئة الجو النفسي لهذا الانسحاب. وكل الوقائع والنقاط التي وردت في الخطاب المذكور ما هي سوى تبرير لتراجع القاهرة عن تنفيذ ميثاق السابع عشر من نيسان.
2- لوحظ ان الخطاب لم يخل من الانفعال وبالتالي من استعمال بعض التعابير والنعوت التي يستغرب ورودها في خطاب صادر عن رئيس للدولة. كما ان سرد الوقائع التاريخية لم يقترن بالدقة ولم يتقيد بالحقائق اذ أن كثيراً من الوقائع الهامة أهملت اهمالاً تاماً بينما ذكرت وقائع أخرى بشكل مخالف للواقع مما يجعل الاعتماد على هذه الوقائع لتبرير الانسحاب امراً خالياً من الأسباب المقنعة.
3- إن التسلح بشعار “لا وحدة مع البعث” يذكرنا كثيراً بالشعار الذي رفعه الانفصاليون في سوريا: “لا وحدة مع عبد الناصر”. فالقول باستحالة الوحدة مع عبد الناصر كان يعني عملياً. لا وحدة مع مصر. ونحن هاجمنا هذا الشعار وبينا انحراف القائلين به لأن مآخذنا على نظام الحكم القائم في القاهرة لا تبرر التخلي عن الأهداف الوحدوية واللجوء إلى صفوف الانفصاليون. فالحوار والنقد والمناقشة هي أساليب التصحيح أما الانفصال فلم يكن في يوم من الأيام وسيلة لمعالجة أخطاء الوحدة.
وكذلك فان القول اليوم بأن “لا وحدة مع البعث” يعني عملياً لا وحدة مع سوريا والعراق لأن حزب البعث العربي الاشتراكي يلعب دوراً قيادياً في ثورتي 8 شباط و 8 آذار.
4- تركز الخطاب على الوضع في سوريا والحديث عن الوحدة مع سوريا. بينما لم يأت ذكر العراق الا عرضاً. وهذا التركيز على سوريا مع تجنب ذكر العراق جاء يؤكد من جديد نية القاهرة في إقامة وحدة ثنائية مع سوريا فقط تجر إلى تكرار تجربة 1958 التي أثبتت نكبة الانفصال فشلها. وقد حاولت قيادة الثورة في سوريا منذ البداية إقناع القاهرة باخطار هذا الاتجاه وبالإضرار التي تنجم عن تحريض بعض العناصر على محاولة فرض الوحدة الثنائية.
وكل الهزات التي عاشتها ثورة الثامن من آذار ما هي في الحقيقة إلا نتيجة الصراع بين المنادين بالوحدة الثلاثية المتكافئة والمدروسة وبين القائلين بالوحدة الثنائية الفورية، فالصراع لم يكن في يوم من الأيام بين “البعث والشعب السوري” بل فقط بين الفئات الوحدوية المؤمنة بإخلاص بالوحدة الثلاثية المتكافئة والعناصر الانتهازية أو المضللة التي انزلقت في فخ الوحدة الثنائية الفورية التي أصبحت الدرب الجديد لانفصال جديد.
5- دافع الخطاب عن المتآمرين الذين سببوا قتل العشرات من المواطنين الأبرياء ومن أفراد الجيش البواسل. وهذا الموقف الدفاعي عن المؤامرة دليل آخر على عدم إيمان القاهرة الجدي بالوحدة الثلاثية. لقد اعترف جميع الذين اعتقلتهم السلطة بعد فشل المؤامرة المجرمة ان غاية محاولتهم كانت إعادة الجمهورية العربية المتحدة كما كانت عليه قبل الانفصال، وعندما سئلوا عن العراق أفادوا ان قادتهم لم يذكروا شيئاً عن العراق. ان الاصرار على الوحدة الثنائية بشكلها السابق وعلى تشجيع المؤامرات يدلان على أن القاهرة لم تستفد بعد من التجارب السابقة.
لقد فشلت حتى الآن جميع المحاولات الانقلابية الموجهة من خارج الأقطار التي تقع فيها والقطر المصري هو أكثر الأقطار العربية تجربة في هذا المضمار. والاستمرار في هذه الأساليب هو دون شك أحد الحواجز الخطيرة التي تقف دون تفاعل الثورات العربية كوسيلة وحيدة لتوحيدها وصهرها.
6- ان الهجوم على حزب البعث العربي الاشتراكي يسبب انقساماً خطيراً في المعسكر العربي المعادي للاستعمار والرجعية والصهيونية. والقاهرة تتحمل مسؤولية هذا الانقسام.
وهذا العداء يعني من جهة ثانية أن محاولات تخريبية أخرى محتملة الوقوع. إلا أن وحدة الشعب والجيش ويقظة الثورة وتصميمها على حماية مكاسب الشعب ستقضي على كل المحاولات. وسحق المؤامرة الأخيرة في الساعات الأولى دليل قاطع على استحالة قلب الوضع الثورة الذي امن التحام الجيش والشعب.
7- ان طرح قيادة الثورة في سوريا لشعار الوحدة الثلاثية لم يكن تكتيكاً قصد به ضرب فكرة الوحدة الثنائية الفورية بل كان تعبيراً عن إيمان عميق مبني على منطق قومي سليم ودراسة موضوعية لأوضاع الأقطار التي وقعت ميثاق 17 نيسان وللظروف المرحلية التي تمر بها الأمة العربية. وانسحاب القاهرة من الميثاق هو نكسة قومية جديدة لن تثني قيادة الثورة في سوريا عن السير في طريقها الوحدوي الذي رسمته لنفسها منذ فجر الثامن من آذار، وايمان الجماهير بالوحدة المعبرة عن أمانيهم وعن حصيلة تجاربهم النضالية هو الذي سينتصر بالنهاية مهما صادف من عراقيل ومهما وضعت أمامه حواجز الاعتداء أو الانسحاب.
البعث