مقالات
نورالدين عقيل: رمضان في ماضي يبرود
نورالدين عقيل – التاريخ السوري المعاصر
كان لشهر رمضان نكهته الخاصة قديما في يبرود، فبعد أن يتأكد الأهالي من بدء أول يوم من أيام شهر رمضان عن طريق الإعلان عنه بترديد التكبير في مآذن البلدة أثناء أذان المغرب أوالعشاء أو متى يبلغ المؤذنون بذلك، فترى الناس يتبادلون التهاني والتبركات والدعاء، ويستعد الجميع لصيام هذا الشهر الكريم، وقلما تجد مفطراً ممن بلغ الثانية عشرة من عمره من مسلميها، حتى في أشد أيام الصيف حرارة ، وكان الصيام لا يقعد الناس عن مزاولة أعمالهم في نشاطهم الزراعي سواء في حصد المزروعات أو جني المحاصيل أو الأعمال الحرفية أو غيرها، ومن المعيب جداً أن يجهر أحد بالإفطار في هذا الشهر الكريم، وحتى أن مسيحيي البلده الطيبين كانوا يأنفون من الأكل والشرب أمام مسلميها إحتراما وأدباً.
كان الصائمون وبعد عمل يوم مضن وبعد أذان المغرب يلتفون مع أفراد أسرهم حول موائد الإفطار وكانت الأسر اليبرودية تتبادل أطعمة الإفطار مع جيرانهم ، وبعد راحة قصيرة يخرج الشبان ليلتقوا مع أترابهم في إحدى ساحات البلدة أو بجوار دكان أو في مكان محبب لهم يقضمون ساعة أوأكثر في المسامرة والأحاديث والتندر وتناقل الأخبار ، وكان أغلبهم يؤم المساجد لأداء فريضة صلاة العشاء والتراويح ثم يعود كل الى بيته ليقضي السهرة مع أسرته ثم ينام مبكرا بإنتظار السحور ، أما الكبار فبعد أداء الصلاة ينهون سهراتهم في مضافة (منزول) المختار أو أحد وجهاء البلدة أو يتبادلون السهرات في منازل بعضهم أو يسهر كل منهم في بيته مع أسرته وينامون مبكرين إنتظارا للسحور .
لكل حي من أحياء البلدة كان لها مسحرها المعروف والمعين من قبل المختار، حيث يقوم المسحراتي قبل صلاة الفجر بحوالي الساعة والنصف ويحمل طبله الكبير ويضرب عليه بعصا لها رأس ضخم ضربات قوية وهو يتنقل في الأزقة والطرقات لتنبيه الناس من النوم وإيقاظهم لتناول سحورهم وتأدية صلاة الفجر، كان المسحراتي يقف أمام باب دار كل اسرة ويضرب طبله ضربات قوية حتى يتأكد من إيقاظ أهل الدار مرددا عبارات دينية وبعض المدائح النبوية بصوته الجهوري مثل : وحدوا الله، لا إله إلا الله، يانايم وحد الدايم ، فيقوا على سحوركم أو ينشد بعض قصائد دينية أتذكر منها مثل :
بأول الليل حلوا شعورهم حلوا وبآخر الليل على قبر النبي صلوا
لولاك يامحمد لا بنوا جامع ولا صلوا
كان الأطفال أحيانا يتسابقون الى المسحراتي ومعهم بعض المأكولات الجافة كالتين أو الزبيب أو بعض فواكه الموسم أو بضع دريهمات ليسمح لهم بقرع الطبل ويبتهجون بذلك .
خلال هذا الشهر كان رب كل أسرة يوزع على فقراء حارته ما يجب عليه ويفرضه الدين من زكاة الفطر وهي مقدار رطل من الحبوب او ما يكافؤها من النقود عن كل فرد من أفراد اسرته ، كما يدفع للمسحراتي ما تجود به نفسه .
وتمضي أيام رمضان بنكهته المميزة وخلال ذلك تأخذ كل أسرة مع إقتراب نهاية الشهر بالتهيئة لعيد الفطر وشراء لوازم العيد لأفراد الأسرة وشراء القماش للصغار والكبار لخياطتها قنابيز للصغار وشراويل وقمصان للشباب وصايات لكبار السن وتنانير وفساتين للبنات والنساء والأحذية للكبار والصغار .
وقبل العيد باسبوع تنشغل ربات البيوت في طينة جدران منازلهم وتبييضها بالحوارة البيضاء ، كما أن ربة كل بيت كانت تدعو جاراتها لمساعدتها في فتل شعيرية العجين وتعريضها لأشعة الشمس حتى تجف حيث كانت هذه الشعيرية تقلى بالسمن العربي مع الرز الذي كان لا يؤكل إلا في الأعياد والمناسبات .
وقبل نهاية الشهر بيومين او ثلاثة تخرج النساء الى المقابر لتبييض قبور الاقرباء بالحوارة البيضاء ورش الماء حول هذه القبور بعد تنظيف ما حولها استعدادا لزيارتها في أول أيام العيد ووضع بعض الشرائط الملونة على شواهد القبور وأيضا الورود وأغصان شجيرات الآس الخضراء .
وقبل العيد بيومين تقوم ربة الاسرة بمصاحبة بناتها وأطفالها الصغار الى حمام الضيعة العمومي ، وكان في يبرود ثلاثة حمامات عمومية ( يدعى كل منها حمام الضيعة ) هي حمام الرويس وحمام الخضر وحمام القاعة او العجمي ، كما كان رب كل اسرة كان يرافق أولاده البالغين أيضا الى الحمام بعد حلق شعر رؤوسهم استعدادا للعيد .
وفي آخر يوم من أيام رمضان وبعدما يتم ثبوت أول ايام شهر شوال واول أيام العيد يصعد المؤذنون وبعض الشباب أصحاب الأصوات الجميلة الى مآذن المساجد ويبدؤون بالتهليل والتكبير إيذانا بالعيد فتعم الفرحة بين الجميع ويتبادلون التهاني والتمنيات ، وبذلك يكون الشهر الكريم قد انتهى مع تمنيات الجميع بعودته بالسلامة والسعادة .