مقالات
أحداث اليوم الأول لإنقلاب حسني الزعيم كما رواها بهيج كلاس
يعد الإنقلاب الذي قام به الزعيم حسني الزعيم أول إنقلاب عسكري في سورية. دراسات عديدة تناولت أحداث الإنقلاب وشخصيات بارزة تحدثت عنه ولاسيما تفاصيل اليوم الأول منه.
روى العقيد بهيج كلاس الذي شغل لاحقاً معاون الزعيم حسني الزعيم بعض تلك التفاصيل والتي قام بنشرها الصحفي والكاتب نذير فنصة في كتابة “أيام حسني الزعيم – 137 يوماً هزت سورية”(1).
قال كلاس أن الشرارة الأولى للإنقلاب تمثلت في هجوم النائب فيصل العسلي على قائد الجيش حسني الزعيم، ويؤكد أنه في ذلك اليوم تقرر الإنقلاب، حيث جمع حسني الزعيم إثر ذلك الهجوم كبار الضباط في مقر القيادة العليا في القنيطرة وتحدث إليهم حول هذا الأمر.
ويضيف كلاس: (كان الزعيم غاضباً، وكان الضباط هائجين مائجين، وكان الحديث عن الإنقلاب وكانت فكرته هي المسيطرة على الاجتماع.
وتم الاتفاق في ذلك الاجتماع على وضع مذكرة هي إنذار جرس الخطر يقرع آذان المسؤولين وتم إعداد هذه المذكرة، وفي الصباح حملها حسني الزعيم ورافقه بهيج كلاس إلى منزل الرئيس القوتلي وجرت المقابلة بحضور رئيس الوزراء خالد العظم.
في الاجتماع قدم الزعيم المذكرة إلى الرئيس القوتلي بعد أن أعرب عن الأثر العميق الذي خلفه هذا الحادث في نفوس ضباط الجيش وجنده).
ويذكر كلاس أن الرئيس القوتلي وخالد العظم لم يأخذوا الأمر بعين الجد والاهتمام وقالوا: اهكذا أصبح الجيش؟ هل غدا الضباط يشتغلون كالمخاتير في تنظيم المضابط؟
وينقل أنهم (لم يكتفوا بإهمال مذكرة كبار الضباط وتهوين ما تم في مجلس النواب بل أخذت الشوائع تذاع هنا وهناك، أنه متى تمت الهدنة فسيرى موقعوا المذكرة من كبار الضباط ماذا سيكون مصيرهم، مهددين متوعدين).
كما يتحدث كلاس عن حادثة زيارة المقدم عزة الطباع وقد لمس هياج الضباط والألم الذي يحز في نفوسهم، إلى رئيس الجمهورية في بيته، وأعرب له عن ما يشعر به واخوانه الضباط من ألم دفين لهذا الموقف الذي تهمل فيه مذكرة كبار الضباط. ولا تستجاب مطالبهم ولا تطيب نفوسهم.
يضيف كلاس: (أمر رئيس الجمهورية بالبحث عني هاتفياً، وبعد جهد بلغني النبأ).
يقول: (فقصدت منزل الرئيس في ساعة متأخرة من الليل وكان الرئيس والمقدم الدكتور عزة الطباع ينتظران وصولي وتحدثنا في الموضوع ملياً وأبديت للرئيس بأن ما يرضي الجيش قائداً وضباطاً وجنداً، هو الاهتمام بما جاء بمذكرة كبار الضباط والقضاء على التشكيلات التي أخذت تبتذل كرامة الدولة، وكان الحديث طويلاً، وغادرت منزل الرئيس وقد كانت الساعة قد جاوزت الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، وقصدت انا والمقدم الطباع ناد لتناول طعام العشاء. فما بلغته الا والقائد يستدعيني اليه. فتوجهت إلى القنيطرة ولم أبلغها الا عند مطلع الفجر، وفي الصباح توجه الزعيم إلى العاصمة وكنت بمعيته.
وازداد الاهمال وسارت الأحول من سئ إلى اسوأ، حتى كان بعض الجنود يبقون اياماً بلا طعام. وغدا الضباط يرفضون القيام بالواجبات التي تلقى على كواهلهم، في تولي أعمال اللجان بعد اعتقال العقيد انطون البستاني ورفيقيه فؤاد القرية وحسن غانم، وكان كل من يعهد اليه بمهمة اللجان يعرب عن استعداده لقبول عقاب عدم تنفيذه الأمر، من أن يصبح إلى جانب اخوانه في السجن.
وتوقفت الأعمال جميعها. واضطربت الأمور حتى ان الضباط الذين تخرجوا من الكلية العسكرية مضت أربعة أشهر لم يصدر خلالها المرسوم بتعيينهم كما تقضي القوانين بذلك.
واستمرت الحال على هذا المنوال، إلى أن أخذت منظمة الحزب الاشتراكي التعاوني تستبيح أنواع الحرمات، وضروب الحريات، حتى مهاجة الآمنين في منازلهم والضغط على حرية الصحافة بالوعيد والتهديد.
وشاهد الضباط استفجال الحال وسوء المآل، فقصد فريق منهم إلى الزعيم يعربون عن حرقتهم والمهم ان تنهار شؤون الدولة إلى هذا الحد الخطر الذي يتهدد البلاد بالاضمحلال والاستقلال بالزوال.
وفي الساعة العاشرة من صباح يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من شهر آذار عام 1949 كان حزب الزعيم عظيماً على ما بلغت اليه حال الوطن، فقصد إلى القنيطرة وقد صمم وعزم وابرم وعزم.
واشتد التساؤل أين الزعيم؟
فكان الجواب كلما استفسر من مكانه. أنه خرج الآن. وسئل عنه في القنيطرة فقيل انه يفتش الخطوط الأمامية في الجبهة على حين أنه كان يضع خطة الانقلاب ويعد له. وكان كبار الضباط يوافونه اليها ويبحثون معه الأمر.
إلى دمشق..
وفي الساعة الثالثة قطعت كل صلة تربط دمشق بالبلدان السورية والعالم، من أسلاك هاتفية وبرقية ومع ذلك لم يشعر أحد بذلك. ولم يتفهم أحد السبب. وفي الساعة الحادية عشرة ونصف غادر الزعيم القنيطرة يرافقه كبار ضباط دمشق.
وقد دعيت في تلك الليلة إلى وليمة في بيت الدكتور سعيد فتاح الإمام. وبقي بعض الأصدقاء في انتظاري امداً غير قصير، ولكني اعتذرت بعد أن علمت أن ليس في البيت هاتف. وقصدت أنا والرئيس حسن العابد مرافق رئيس الوزراء حيث امضينا السهرة معاً.
ووزع الزعيم أوامره الأخيرة. فوزع القوى، وأوكل إلى عدد من الضباط بالمهمام الموكولة اليهم، لتحقيق الانقلاب. فعهد الى عدد منهم باقتحام منزل رئيس الجمهورية واعتقاله.
وفي الساعة الثانية والنصف، بدأ التنفيذ وقام كل فريق بتنفيذ ما كلف به بكل سكينة وهدوء، وتم تنفيذ هذه الأوامر في أقل من ساعة ودون أن يشعر أحد بذلك).
(1) فنصة (نذير )، “أيام حسني الزعيم – 137 يوماً هزت سورية”، دار الآفاق الجديدة، بيروت الطبعة الأولى 1982م، صـ 127