من الصحافة
سورية .. هذا الفارس المصلوب!.. رأي صحيفة المنار 1964
في نيسان عام 1964م اندلعت مظاهرات واضطرابات في سورية، وجرت اشتباكات بين المتظاهرين وافراد الحرس القومي في دمشق، وفرضت الحكومة السورية نظام منع التجول في حماة.
وأنذر اللواء أمين الحافظ رئيس المجلس الوطني لقيادة الثورة في سورية في بيان رسمي له باستخدام منتهى الشدة والعنف والتطهير لسحق كل محاولة ضد النظام القائم.
مع تلك التطورات نشرت صحيفة المنار الصادرة في عمان – الاردن افتتاحية بعنوان: “سورية.. هذا الفارس المصلوب” تناولت فيه التطورات الجارية في سورية.
رأي صحيفة المنار:
سورية .. هذا الفارس المصلوب!
من البديهيات التي لا يجادل فيها عاقل ان ما يقع في سورية من أحداث يؤثر على الدول المجاورة لها سلباً أو ايجاباً، الأمر الذي يجعل اهتمام المواطن العربي بما يجري فيها امراً طبيعياً تبرره الحقيقة التي ذكرناها، اذا لم ترره “وحدة الشعور” التي تربط بين العربي والعربي في كل مكان!
وانطلاقاً من هذه المعاني نحس أن من واجبنا مصارحة اخواننا حكام سورية بأن ما يجري في بلادهم اليوم من أحداث دامية أمر يبعث على القلق والحزن والتشاؤم من المستقبل.
ليس من طبيعة الأشياء في أي لد يقال عنه أنه آمن مستقر ان ينقسم سكانه إلى فئات يطارد بعضها بعضاً بالسلاح في الشوارع والأزقة.
وليس من طبيعة الأشياء في أي بلد يزعم له الرضى بواقعه، ان تتحول مساجده إلى متاريس، وأحياؤه إلى ساحات قتال! وليس من طبيعة الأشياء ان تدك المدن بالمدفعية الثقيلة ثم يقال ان هذه المدافع تبني بالهدم مستقبل الوحدة والحرية والاشتراكية! وحين تقع مثل هذه الظاهرة في بلد ما يكون في علاقة الحاكم بالمحكوم فيها “لغز” لا يكفي في تفسيره ان تصف البلاغات الرسمية “المتمردين” بأنهم حفنة من “الخونة والرجعيين والإقطاعيين وأعوان الاستعمار”.
ليس من السهل على العقل ان يصدق أن أماماً في مسجد يلبس كفنه استعداداً “للشهادة” في سبيل الاستعمار! لقد مضى الزمن الذي كان الناس يصدقون فيه مثل هذه التهم بسهولة بعد أن تبين لهم بالتجربة أن الحكم الصالح المستند إلى إراداة الشعب لا يمكن ان تجرؤ مؤامرات الاستعمار والرجعية على تحديه.
لذلك نصارح اخواننا حكام سورية بأن التهمة التي خلعوها على الذين تحدوا السلطة في حلب وحمص تبدو عليهم فضفاضة ومثيرة للضحك سواء في داخل سورية أو خارجها. بل لعلنا لا نبالغ اذا قلنا ان حكام سورية انفسهم لا يصدقونها!
ويحسن بالسلطات السورية أن تكف عن توجيه الاتهامات للآخرين. ويجدر بها أن تتوقف عن النظر”للخارج” بحثاً عن أسباب الأزمة، وان تنظر – ولو مرة واحدة – بانصاف إلى “داخل” جهاز الحكم ذاته، إلى أسلوبه، إلى تشكيله، إلى موقفه العقلي من الغير. فقد تجد العلة هناك فتعمل على علاجها باستئصال أسبابها.
كذلك يخطئ حكام سورية اذا تصورا ان الذين يعارضونهم يفعلون ذلك لمجرد الرغبة في “مشاكسة” الحكم وعرقلة جهودة. اذ ليس هناك حكومة في الدينا يكرهها الشعب وهو يملك ان يحبها فحب الحكومات وكراهيتها يفرضه تصرف الحكومات نفسها. وحين ينحصر هم الحكومة – أي حكومة – في أن تبقى في الحكم دون ان تقدم للناس شيئاً ايجابياً تسوغ به بقاءها ويصبح الحكم “نكبة” على الحكومة وعلى الناس في نفس الوقت.
هذا الكلام نوجهه للحاكين في سورية بكل اخلاص وكل تجرد ونية حسنة. ويعلم الله اننا لا نريد لسورية الا كل خير، ولا نبغي لشعبها الطيب الا الرخاء والطمأنينة والاستقرار فيا حكام سورية، رفقاً بهذا الفارس المصلوب!
أما آن له أن يترجل.. ويستقر على قدميه!