شهادات ومذكرات
من مذكرات أمين أبو عساف: إجراءات السفر إلى “سومير” (10)
من مذكرات أمين أبو عساف: إجراءات السفر إلى “سومير”
إجراءات السفر إلى “سومير”
تبلغت قبولي لاتباع دورة الضباط في “سومير” فرنسا دورة عام 1938/ 1939
بدأت بتحضير إجراءات السفر حيث كان مقرراً في /20/ أيلول ولكنه تأجل إلى 20 تشرين الأول بسبب تحركات ألمانيا العسكرية واحتلال “تشيكوسوفاكيا” كانت الكوكبة قد انتقلت إلى “ديريك” في الجزيرة، وعندما تأجل السفر التحقت بها حتى انتهى سبب التأجيل وتم السفر.
أخبرني الملازم الأول “جدعان الشعراني” أنه والملازم الأول “حمد الأطرش” قد حصلا على منحة من حكومة الجبل عندما عينا لهذه الدورة مقدارها 23 ألف فرنكاً لكل منهما. نصحني أن أطلب ذلك رسمياً نظراً لغلاء الحاجيات والأجور في فرنسا، وأن الراتب لا يسدد المصاريف.
تقدمت بطلب إلى مندوب “المفوض السامي” عن طريق التسلسل وذهبت لمقابلته، سألني: لماذا تطلب ذلك؟ أجبته لا يوجد مهمات لهذه الدورة وأخبرني من أتبعها أن الراتب لا يكفي، وأنهم حصلوا على مساعدة من حكومة جبل الدروز.
قال : اصرفوا من الذهب المخزون عندكم أفضل من صرفه على الثورات؟
أجبته : لو بقي ذهب لما طلبت المساعدة! عندها قال كنا نقدم المساعدة عندما كان لنا صلاحية، أما الآن فإن المحافظ هو المسؤول عن ذلك ولا يمكننا التدخل؟!
تقدمت بطلب للمحافظ وكان الأمير “حسن الأطرش” ولم أحصل على نتيجة وذهبت بإمكانياتي الخاصة معتمداً على الراتب فقط.
كانت الغاية من اتباعي هذه الدورة هي اطلاعي على أحدث العلوم العسكرية حتى أتمكن من خدمة الجيش والوطن بأفضل ما يمكن دون الاكتراث بالناحية المادية.
أخذت الباخرة من بيروت مروراً بحيفا ثم الاسكندرية فمرسيليا، كنتُ في الدرجة الأولى، وفيها حتى الدرجة الرابعة، أقمتُ في غرفة نوم منفردة. يوجد في الباخرة مطعم وصالات للموسيقى حيث تقام حفلات رفض وغناء وهناك أنواع كثيرة من المأكولات والمشروبات حسب برنامج معين وكأننا في فندق عصري عائم.
لم نسلّم من دوار البحر الذي يصيب أكثرية الركاب إذ يتعرضون للإقياء والدوخة بنسب مختلفة.. وصلنا “مرسيليا” صباحاً أطلعونا على تعليمات للتفتيش الجمركي في المرفأ والأشيا الممنوعة ووزعوا علينا كرّاساً ومخطط دليل لأشهر المدن الفرنسية – فنادق- مطاعم- ملاه، مع الأسعار المحددة.
عندما قابلت الملازم الأول “جدعان الشعراني” أعطاني نصائح كثيرة منها أن آخذ معي أنواعاً من الدخان الفاخر ومصدرها فرنسا والذي يبيعونه إلى العسكريين في سوريا، وقد قال لي: تحتاج هذا لتضييف زوارك وإن كنت لا تدخن وبذلك يعتبرونك من رؤساء قبائل أفريقيا الغنية.
أخذت من الأنواع الجيدة، منها ما هو ضمن علب معدنية ونثرتها بين الألبسة في الحقيبة الكبيرة وضمن صندوق السرج والجزم وهما في مستودع الباخرة لا يمكن الوصول إليهما، لقد جلبتهما معي بقصد الضيافة إذ إن ثمنها في فرنسا يزيد كثيراً عن ثمنها في سوريا.
كرّاس الجمرك يسمح بمرور علبة سجاير مفتوحة فيها أقل من عشرين سيجارة ويحدد العقوبات في حال المخالفة ومنها إعادة المسافر في أول باخرة تعود إلى موطنه.. عندما قرأت الدليل رميت علب الدخان التي بقيت معي.. في البحر وخشيت أن أعود إلى سوريا.
كنت أحمل حقيبة يد بها بيجاما ومنشفة وقميص وأدوات الحلاقة بينما يوجد في مستودع الباخرة حقيبة ألبسة كبيرة وصندوق يضم السرج والجزم.. كان وصولنا إلى مرسيليا صباحاً والوقت المحدد لتحرك القطار الذي سأتابع سفري عليه في آخر النهار.
صعد مندوبو شركات نقل عفش الركاب إلى الباخرة، أعطيت مندوب الشركة “لوشار دونه” بطاقات العفش وهي نصف بطاقة مسجلة عليها الاسم والرقم أما النصف الآخر المشابه فهو ملصق على الحقيقة والصندوق وسلمته المفاتيح على أن يسلمها لي الساعة الخامسة مساء في محطة القطار وأخذت منه إيصالاً. سألني مندوب الشركة إذا كان يوجد بين الأغراض أشياء ممنوعة، أجبته يوجد علب دخان منثورة بين الأغراض لا أعرف عددها. أسرعت بالنزول من الباخرة حتى يتسنى لي زيارة معالم مرسيليا بدلاً من انتظار استلام الأغراض الذي يستغرق وقتاً طويلاً، وأنا أخشى العودة.
نزل الركاب مروراً بغرفة التفتيش مع حقائب اليد فقط. كان الموظف يمسك القميص أو أي شيء آخر يرفعه ويرميه جانباً ثم يسمح للراكب بالمرور.
ساعدني الدليل والمخطط على زيارة بعض معالم مرسيليا التي اخترتها، وفي الساعة المعينة حضرت إلى محطة القطار وجدت مندوب الشركة وقد أودع الأغراض في القطار وأعطاني الإيصال، سألته عن الأجرة، أجابني مائة فرنك، وهي أجرة معقولة دفعتها عن طيب خاطر. سألته وعلب الدخان؟ أجابني لم يفتشوا الأغراض.
تحرك القطار باتجاه “ليون” المناظر خلابة، أرض زراعية خضراء وأرض مشجرة وأحراش لا توجد صحرا ولا أرض قاحلة كما في بلادنا وما هي إلا فترة حتى خيم اليل وحرمنا من رؤية المناظر الجميلة.
في “ليون” وقفة لتغيير القطار خلال ساعة.. فكرت أن أغير الرحلة حتى يتسنى لي رؤية المناظر نهاراً. ذهبت إلى رئيس المحطة وعرضت عليه الفكرة! قلت له إني أزور فرنسا للمرة الأولى وبدلاً من السفر ليلاً أرغب أن يكون نهاراً حتى لا أحرم من رؤية المناظر الجميلة.
لبى طلبي وغير بطاقتي وأخبرني عن موعد سفر قطار الصباح وأن عفشي يبقى في القطار استلمه في “سومير”
اخترت فندقاً قريباً من المحطة وطلبت من سائق تكسي أن يوصلني إليه. أشار بيده إلى الفندق وقال: إنه قريب أذهب بمفردك حاولت السير ولكن لم أتمكن من الاهتداء إليه. طلبت من سائق تكسي آخر أن يوصلني إليه وإن كان قريباً. حجزت في الفندق وخرجت أتجول حتى آخر السهرة.
في صباح اليوم التالي أخذت القطار وتابعت الرحلة وكانت ممتعة.
“سومير” في منطقة “تور” على نهر اللوار وسط فرنسا لجهة الغرب وصلتها بعد الظهر وطلبت من رئيس المحطة أن يبقى العفش في المستودعات حتى أجد مسكناً.
نزلت في الفندق وذهبت إلى منزل عائلة كان الملازم الأول “جدعان الشعراني” قد أعطاني عنوانها حيث كان يسكن. أجابتني السيدة أننا أجرنا غرفنا ولكن نسأل لك، ولو كان رفيقك أخبرنا عن حضورك كنا حجزنا لك!
وبعد ثلاثة أيام وجدت غرفة قريبة من المدرسة.
اقرأ:
من مذكرات أمين أبو عساف : بدايات الحكم الفرنسي في السويداء
من مذكرات أمين أبو عساف : أسباب الثورة السورية الكبرى 1925
من مذكرات أمين أبو عساف: اشتراك حوران وعرب اللجاة في الثورة السورية الكبرى
من مذكرات أمين أبو عساف: الدخول إلى الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف: الدراسة في الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف: التخرج من الكلية العسكرية وتعييني في الكوكبة الثالثة
من مذكرات أمين أبو عساف: نقلي إلى كتيبة شمال سورية الكوكبة /25/