مقالات
من مذكرات أكرم الحوراني – صدام مع الكتلة الوطنية.. أول مرة أدخل فيها السجن
من مذكرات أكرم الحوراني – تشكيل حزب الشباب عام 1938 – الأمة الخالدة ورسالتها الإنسانية السامية
صدام مع الكتلة الوطنية.. أول مرة أدخل فيها السجن:
في الثالث من نيسان 1939م أعلن نبأ وفاة الملك غازي في بغداد فأحدث النبأ صدمة أليمة للشعب في سوريا عامة وللقوى الثورية فيها بصورة خاصة، ذلك لأن الملك غازي كان أمل السوريين في تحرير بلدهم من الاستعمار الفرنسي، ولذلك أقمنا حفلة الأربعين في الجناح الشرقي من مقهى فندق أبي الفداء، ألقى فيها عثمان الحوراني وعبد الستار البارودي خطابين وطنيين، كما ألقيت عدة كلمات أرسلت من الخارج، منها كلمة لمنير الريس.
كانت الحلفة هادئة ومنظمة وكان جمهورها يضم طلاباً ومثقفين وعناصر حزبية. وقد حضر الحفلة أيضاً القضاة في حماة تلبية لدعوتنا لهم، إذ كنت أنا وبدر علوش متمرنين في المحاماة..
ولكن رئيف حشد في “مقهى المدفن” القريب حشداً شعبياً ربما كان القصد منه التهديد والعدوان. ولكن الأمر مضى بسلام رغم أن الجو كان متوتراً متأزماً بالشر.
وبعد أيام قليلة أقامت الكتلة حفلة تأبينية للملك غازي في جامع المسعود، حشدت لها من كافة أحياء المدينة، وكان لكل حي عراضته ورايته، بينما كنا نحن، على عادتنا، جالسين في مقهى الفندق: عثمان الحوراني، علي عدي، علاء الدين الحريري، سعد الدين الخاني، عبد الستار البارودي، بدر الدين علوش، علي مخلوطة، سراج السمان، ممدوح علوش، أدهم عكاش، عبد الرحمن الشارع، عدنان الحوراني، فايز الأسود، عبد الحميد عدي، نجيب عبد الرزاق، نصر علواني، حسن قاسم آغا، وجيه البرازي، زكريا زينو، يوسف السفراني، فؤاد علوش، محمد سويد، مظهر دريعي، محمد عبده علوش، خليل حمود، علي المصطفى، واصل حوراني، عبد اللطيف سالمة، عبد الحليم حوارني، هاني وعبد الكريم وأبو هشام مراد آغا، عبد الكريم حميدان، فوزي الطيار وآخرون. فجاء من أخبرنا بأن الدكتور توفيق ألقى حطاباً نارياً قال فيه:
“ياسماء أمطري ويا أرض انبعي قذائف وقنابل على هؤلاء الخونة عبدة الدنانير الذين هدموا عرش فيصل” فخشي بعض رفاقنا من أن يكون الدكتور يحرض المجتمعين علينا، فقلت إنني لا أرى ذلك. وذكرتهم باجتماعنا معه في دمشق وكيف خرجنا على ود وتفاهم، لاسيما وأن هذا القول لا ينطبق على الشباب لأنهم كانوا طلاباً صغاراً، وأغلبهم لم تكن أمه قد ولدته عندما خرج فيصل من سوريا.. وقلت: ربما كان الدكتور توفيق يعني الدكتور عبد الرحمن الشهبندر وجماعته.
انتهى الاحتفال وبدأت مواكب الأحياء الشعبية تجتاز ساحة العاصي بأهازيجها وراياتها مارة أمام مقهى الفندق، فلبثنا في أماكننا ، ولما مر موكب حي الشمالية صرخ بعضهم بعبارات التحدي والسباب لحزب الشباب، وهكذا ثارت معركة شديدة، خصوصاً بعد أن هجم موكب الشمالية على المقهى، وقد ألقي عدد من قنابل الصوت، كما استعملت المسدسات، ولكن لم تقع أية إصابة، وانفض الحادث بعد تدخل قوى الأمن وإلقاء القبض على عدد من عناصر الطرفين، وفي اليوم التالي اعتقلت أنا وبدر علوش وعدد من إخواننا كما اعتقل رئيف الملقي وعدد من جماعته.
فكانت المرة الأولى التي أدخل بها السجن أما المعتقلون من رفاقنا فهم بدر علوش وعبد الستار بارودي وعبد الحميد عدي وأدهم عكاش وعلاء الدين الحريري ومحمد عبده علوش وفايز الحريري ومظهر دريعي وعبد الكريم حميدان ومحمد سويد. وبقينا في السجن خمسة عشر يوماً كانت من أجمل تجارب العمر، أمضيناها بنظام دقيق في المطالعة والمناقشة والتبشير مع المسجونين. فانعقدت لنا صداقات مع بعضهم. كما أهديناهم عدداً من الكتب بعد أن لاحظنا ظمأهم للمطالعة. إذ لم تكن تتوفر في سجن حماه حتى المصاحف التي كان المساجين يلحون على طلبها.
كان أثر الحادث بليغاً جداً في المدينة. لأن عدداً ضئيلاً من الطلاب والشباب والمجاهدين يتصدون لتلك الجموع بمثل هذه الشجاعة والاستبسار، وقد أفرج عن عناصر الطرفين بكفالة نقدية ريثما تجري المحاكمة.
المحاكمة:
كان يوم المحاكمة يوماً مشهوداً في حماه، فقد كان فضول الناس للإطلاع على ما يجري فيها شديداً. كما أن الطرفين حشدا لها الأنصار.. كان المشهد في قاعة المحكمة متبايناً، فمن جهة شباب وطلاب ومجاهدين، ومن جانب آخر رئيف الملقي وأنصاره من زعماء الأحياء “والقبضايات” وقد دافع الشباب بمرافعات قوية مؤثرة، ودافع الملقي عن نفسه وجماعته، فكان موقفه ضعيفاً لأن بعض أعضاء المحكمة ورئيسها كانوا قد شاهدوا بأنفسهم موقف الكتلة الاستفزازي، عندما كانوا يسهرون في الفندق أثناء الهجوم علينا.
كانت مرافعة بدر الدين علوش، وهو الخطيب المفوه، عاطفية مؤثرة إلى حد كبير، وقد اختتمها قائلاً: “وأنتم أيها الشباب، وأنتم أيها الطلاب، فلئن أوذيتم فلقد أوذي المؤمنون من قبلكم، فاصبروا وصابروا إن الله معكم”.
قضت المحكمة بتغريمنا غرامات نقدية، وحكمت على الملقي وجماعته بأحكام تتراوح بين الغرامات النقدية والسجن شهرين.
ورسخت هذه المعركة أقدام حزب الشباب في الأوساط الشعبية، وكانت سبباً في تعاطف الجيل القديم الطيب من الكتلة مع حركة الشباب الجديدة. ومما زاد في هذا التعاطف تلك الرعونة التي ارتكبها المدعو أدهم الشامي بالاعتداء على الأستاذ عثمان الحوراني في ساحة العاصي، مما كان موضع استهجان شعبي بعيد الأثر.
انظر:
انظر ايضاً:
من مذكرات أكرم الحوراني (65)- الشهبندر يعارض من منفاه ويدافع عن عروبة لواء الاسكندرون
من مذكرات أكرم الحوراني (66) – تنازلات جميل مردم .. وتراجع فرنسا عن تصديق معاهدة 1936
من مذكرات أكرم الحوراني (67) – التجربة والخطأ في الحزب السوري القومي
من مذكرات أكرم الحوراني (68) – حملة في حماة ضد الحزب السوري القومي
من مذكرات أكرم الحوراني (69) – لبنان والحزب السوري القومي
من مذكرات أكرم الحوراني (70) – التجربة والخطأ
من مذكرات أكرم الحوراني (71) – إنشقاق في صفوف الكتلة الوطنية بحماه
من مذكرات أكرم الحوراني (72) – الشباب في حماه والكتلة الوطنية
من مذكرات أكرم الحوراني (73) – منهاج حزب الشباب
من مذكرات أكرم الحوراني (74) – تكوين حزب الشباب