وثائق سوريا
كلمة حافظ الأسد في افتتاح الدورة الخامسة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني 1981
نص كلمة الرئيس حافظ الأسد في افتتاح الدورة الخامسة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في الحادي عشر من نيسان عام 1981م.
الأخ رئيس المجلس الوطني الفلسطيني:
أيها الأخوة أعضاء المجلس:
في خضم أنبل معركة وأعنف معركة نخوضها معاً من أجل أشرف قضية وأقدس قضية لأمتنا العربية، وفي غمار النضال القاسي الذي نحمل معاً أعباءه من أجل الكرامة العربية والمصير العربي، ينعقد المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الخامسة عشرة، ويأتي انعقاده مرة أخرى في دمشق تأكيداً جديداً لروابط الأخوة وأخوة السلاح التي تجمع بين ابناء سورية وأبناء فلسطين، وتأكيداً جديداً لوحدة المعركة ووحدة المصير.
ان ظروف المعركة تضفي على هذه الدورة أهمية خاصة، وتجعل من انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في هذه الظروف المصيرية للتداول ومناقشة الأمور الجوهرية التي تخص القضية الأم، حدثاً جديراً بالاهتمام، ولاشك في أنه حدث يحظى باهتمام واسع على الساحة العربية وعلى الصعيد العالمي.
فمهما كابر المكابرون، ومهما راوغ المراوغون، ومهما تآمر المتآمرون، فإنهم جميعاً يعرفون في قرارة نفوسهم أن الكلمة في النهاية هي كلمتهم، وان ما تقررونه هنا في مجلسكم، كممثلين للشعب العربي الفلسطيني، ومن أجل قضيته سيكون له أثره الكبير في المنطقة والعالم.
ويسرني أيها الأخوة أن أكون معكم في هذه المناسبة ملبياً دعوتكم لحضور افتتاح هذه الدورة، وأن أرحب بكم، في بلدكم وبين أهلكم، وبضيوف المجلس الوطني الفلسطيني، الأشقاء والأصدقاء، الذين تنادوا من وطننا العربي ومن البلدان الصديقة، للمشاركة في هذا اللقاء الهام.
إنني باسم شعبنا وباسم حزبنا، حزب البعث العربي الاشتراكي، أعرب عن اعتزازنا بانعقاد مجلسكم في دمشق، على أرض سورية الثورة، ثورة الثامن من آذار وثورة الشعب العربي الفلسطيني.
وأول من تتجه إليهم في هذه المناسبة أفكارنا وأفئدتنا، هم أهلنا وأخوتنا في الوطن المحتل، أولئك الأبطال الصابرون الصامدون، الذين فرضوا بابائهم وبسالتهم وتشبثهم بالأرض وتمسكم بالوطن، احترامهم على العالم، وهم يضربون كل يوم أروع أمثال الصمود والمقاومة، ويثبتون بالبطولة والتضحية انهم أقوى من الاحتلال وبطشه، وأصلب عوداً وأقوى شكيمة وأوفر وعياً من أن تجور عليهم خدع الخادعين أو أن تكسر شوكتهم وسائل القهر وأساليب التضليل.
لاخوتنا وأبنائنا في الوطن الحتل، ولأبناء فلسطين كافة أقول مرة أخرى، ان موقعكم سيظل في القلب من الأمة العربية، وأن سورية، على عهدها الأمين، بأن تواصل معكم وبكل ما تملك مسيرة النضال حتى يأذن الله بالنصر بتحرير الأرض المحتلة وعودة أهلها اليها معززين مكرمين.
لأشقائنا أبناء الشعب العربي الفلسطيني في الداخل والخارج أكرر القول: لن يهنأ لنا عيش، ولن يهدأ لنا بال مادام المسجد الأقصى وكنيسة القيامة في قبضة الظالمين، وما دامت قدسنا الحبيبة تئن من جور الغاصبين، وما دامت فلسطيننا الغالية تعاني من بطش الغزاة المحتلين، ومادامت بيوت الأهل تتعرض للنسف والتدمير، وأراضيهم تستباح للمجرمين من شتى أنحاء العالم يصادرونها ويستغلوتها ويحرمون منها أصحابها الشرعيين، وما دام شعبنا العربي الفلسطيني في كثرته مشرداً محروماً من حقوقه الوطنية الثابتة التي أقرتها له شرائع السماء والأرض.
لن يهنأ العيش، ولن يهدأ البال، ولن نستطين حتى نزيل الظلم، ونقضي على العدوان، وتعود إلى أصحاب الأرض والحقوق أرضهم وحقوقهم، واثقين من أن النصر سيتحقق مادمنا مستعدين للتضحية والشهادة محاطين بمؤازرة أمتنا في الوطن العربي الكبير، ومساندة ودعم قوى التقدم في سائر أنحاء العالم.
أيها الأخوة:
منذ انعقاد الدورة الرابعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في دمشق في منتصف كانون الثاني 1979، تتالت الأحداث والتطورات في المنطقة، وبرزت المؤامرة الكبرى التي تحاك لوطننا العربي جلية واضحة المعالم، محددة الأطراف، وظهرت جسامة الخطب بعد أن خان نظام السادات العهد، وانتقل من صف النضال العربي إلى خندق الامبريالية والصهيونية، شريكاً لهما في العدوان على شعب فلسطين العربي، وفي التآمر على قضية العرب المركزية، وشريكاً للإمبريالية الأمريكية واسرائيل في العمل على سفك الدماء العربية، وهدم المستقبل العربي.
ورب ضارة نافعة، كما يقال، فالمؤامرة بما ظهر منها قد أفادت في التعديل بفرز الأشخاص والمواقف، ونزع الأقنعة عن الوجوه، فما كان غامضاً قد انجلى، وما كان خفياً قد انكشف، ومن كان يعمل في الظلام من وراء ظهر الأمة العربية، قد تمرغ في أوحال الخيانة. ومن كان من العملاء لا يزال يراوغ، فإن أعماله نتم عما في داخله، ولن يلبث أن ينزع بدوره القناع عندما يجد الوقت المناسب لذلك.
ولا يغرننا كلام منمق، ولن يغرنا، فالعمل والمواقف هما المحك الحقيقي والكاشف الحقيقي، ولعلكم في هذا تذكرون جيداً أن الذي زار القدس زيارة الخيانة، ووقع اتفاقات كامب ديفيد، ومعاهدة الصلح المنفرد، وفتح أبواب مصر مشرعة أمام الغزو الصهيوني السياسي والإعلامي والثقافي والاقتصادي، والذي ارتمى على أعتاب واشنطن وتل أبيب، وقدم التنازل تل التنازل لأعداء الأمة العربية، لعلكم تذكرون جيداً أن هذا وقف أمام مجلسكم في دورته الثالثة عشرة في آذار 1977، وهو عام زيارة الخيانة، ليعلن نفاقاً ورياء، أن الشعب الفلسطيني هو صاحب القرار في كل ما يتعلق بمصيره وقضيته، وليس صاحب القرار في كل ما يتعلق بمصيره وقضيته، وليس لأحد كائناً من كان أن يمارس عليه وصايته، أو يفرض عليه رأيه، وأنه يصر على احترام ما صدر عن إرادة الشعب الفلسطيني من قرارات وفي مقدمتها اختيار منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً له ومدافعاً عن حقوقه ومصالحه، وهو نفسه الذي وقف أيضاً في تلك المناسبة معلناً أن القرار الاجمالي الذي صدر عن مؤتمر القمة في الرابط، هو قرار نهائي لا رجعة فيه ولا انتقاص منه، وأنه لا يقبل التفريط في شبر واحد من أرض فلسطين، وأن التراب الوطني ليس محلاً للمساومة.
فأين هذا من اتفاقات كامب ديفيد التي فاوض من أجلها ووقع عليها منصباً نفسه وصياً وبديلاً للأمة العربية ولشعب فلسطين؟
وأين هذا من اتفاقات كامب ديفيد التي قرر فيها ما اقترحه بيغن وما تراه الحركة الصهيوينة خطوطاً أساسية لحل كامل الصراع العربي الإسرائيلي في غياب العرب جميعاً بما في ذلك الفلسطينيون وضد مصلحة العرب جميعاً؟
أين هذا من الحكم الذاتي الذي اقترحه بيغن ووافق عليه السادات مقراً أن هذا يجسد حقوق الشعب العربي الفلسطيني وأيضاً في غياب الشعب الفلسطيني والأمة العربية؟
أين هذا كله من معاهدة الصلح المنفرد التي انسلخ فيها عن مجمل قضية العرب ومجمل تاريخهم؟
أذكر بهذا لأشير إلى أننا الآن نسمع كلاماً يناقض نوايا قائليه وممارساتهم، كلاماً لا يراد منه الا ستر المواقف الحقيقية إلى أن يحين موعد كشف هذه المواقف واعلانها.
نحن الآن أمام واقع كان المتآمرون يحاولون تغليفه بالغموض فتمزقت الأغلفة، وبان الأمر على حقيقته، وهو أن الامبريالية الأمريكية تعمل جهاراً لتنفيذ مخططها بفرض سيطرتها على المنطقة العربية، شعباً وثروات ومواقع استراتيجية، مستعينة بمن تستطيع ضمهم إلى مخططها، وساعية إلى إقامة قواعد عسكرية لقواتها، وإنشاء حلف عسكري موال لها في المنطقة.
ومن المحزن أن نرى ان هذا المخطط الرهيب نجح إلى حد، في تعريب الصراع في المنطقة، وتحويله من صراع بين حق الأمة العربية وباطل الصهيونية، إلى صراع عربي – عربي، ونجح في تحويل نظام السادات إلى حارس لأمن اسرائيل، وجعل أنظمة عربية أخرى أدوات طيعة تؤدي ضمن المخطط أدواراً تصب في نهاية الأمر في خدمة أهداف الامبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية.
ولينجح المخطط مطلوب اركاع القوى الوطنية والتقدمية في الوطن العربي، ومطلوب اضعاف سورية وتصفية الثورة الفلسطينية، مطلوب أن تتراجع القضية العربية إلى الخلف ليتقدمها الحلف العسكري والامبريالي فتسخر الأمة العربية أرضها وسماءها ومواردها ودماء أبنائها دفاعاً عن المصالح الامبريالية الأمريكية، وما من أجله جاء وزير الخارجية الأمريكي إلى المنطقة خلال الأسبوع الماضي، وما أكده شخصياً في تصريحاته المتعلقة بالجولة.
هنا خرج حافظ الأسد عن النص المكتوب لخطابه ليقول موجهاً كلامه للحضور:
فلم تكن زيارته إلى المنطقة لكي يبحث عملية السلام، ولا لساعدنا في استرجاع حقوقنا المغتصبة ولا في رفع الظلم عن مجموع المشردين العرب وفي مقدمتهم المشردون الفلسطينيون. ولم يأت لكل هذا، جاء الينا لنجهز الجيوش ونجند أبناءنا ونعد العدة لنحارب الاتحاد السوفيتي نيابة عن الولايات المتحدة الأمريكية، ومن أجل مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
لم يخفوا هذا، بل اعلنوه قبل الجولة وخلال الجولة وبعد الجولة، سمعتم كما سمعت أنا وربما أكثر تصريحات وزير خارجية أمريكا. جاء إلى المنطقة ليؤكد العلاقات الحارة الساخنة بينه وبين زعماء المنطقة كما قال. وقد حقق في هذا المجال نجاحات فاقت كل توقعاته، كما قال بالحرف. حقق نجاحات فاقت كل توقعاته ، وجاء ليبحث مع المسؤولين في المنطقة التهديدات التي تواجه المنطقة من الخارج، وأخيراً ليبحث الوضع في الشرق الأوسط وأوضح هذا في لندن عندما قال : إن أمريكا ستعمل على بعث الحياة، على إيقاظ اتفاقيات كامب ديفيد، وعلى تنشيط عملية كامب ديفيد.
اذن هو جاء إلى المنطقة أيضاً وفي إطار التمهيد لإنشاء الحلف لمواجهة الاتحاد السوفيتي في إطار هذا التمهيد، في إطار عملية التمهيد جاء يحدد للبعض دوره في عملية كامب ديفيد.
هذا ما يفهم من تصريح وزير خارجية أمريكا في لندن.
ان الإمبريالية الأمريكية تحاول أن تقنع أبناء المنطقة بأن الأولوية يجب أن تكون لحلفها العسكري، لأن الخطر الأكبر هو الخطر الموهوم الذي تفرضه واشنطن، وتحاول أن تتلاعب بعقول الناس لتقنعنا بأن مصدر الخطر هو الاتحاد السوفيتي الدولة الصديقة التي تؤازر قضيتنا العادلة، وتقف إلى جانبنا في نضالنا ضد العدوان الواقع فعلاً على أرضنا وشعبنا.
هنا خرج حافظ الأسد للمرة الثانية عن النص المكتوب لخطابه ليقول موجهاً كلامه للحضور:
“أنتم تقاتلون بسلاح الاتحاد السوفيتي، ونحن جميعاً نقاتل بسلاح الاتحاد السوفيتي.
وتقاتلكم إسرائيل وتقاتلنا جميعاً بالسلاح الأمريكي، الجولان محتل بالسلاح الأمريكي، والضفة الغربية محتلة بالسلاح الأمريكي، وغزة وفلسطين 1948، واسرائيل تخطط لإقامة إسرائيل الكبرى اعتماداً على السلاح الأمريكي، وفوق كل هذا وبعده جاءنا وزير خارجية أمريكا ليقنعنا أن الخطر هو الخطر الآتي من الاتحاد السوفيتي، فتنبهوا اليه جيداً”.
وبالتالي فإن أمريكا تريد أن تنسينا الخطر الصهيوني، والعدوان الصهيوني والاحتلال الصهيوني وأن تنسينا كذلك أن هذا الخطر، وهذا العدوان، وهذا الاحتلال ما كانت لتستمر وتستفحل ويطول أمدها، وما كانت بالتالي لتؤدي إلى تفجيرات واضطرابات في الوطن العربي ولولا التشجيع الأمريكي والدعم الأمريكي والمساندة القوية الأمريكية.
نجاح المخطط الامبريالي الأمريكي يتطلب تقديم تنازلات لأمن اسرائيل المعتدية، وانما من الأمة العربية، وبالأخص من سورية ومن الشعب العربي الفلسطيني ممثلاً بمنظمة التحرير الفلسطينية، ممثله الشرعي الوحيد.
والتنازل المطلوب من سورية هو أن تنفض يدها من القضية الفلسطينية وأن تكف عن دعمها والنضال في سبيلها.
(وهنا خرج حافظ الأسد للمرة الثالثة عن النص المكتوب ليقول:
لن يعمينا التضليل الاعلامي، لن يعمينا عن هذه الحقيقة، لولا هذا لما برزت كل هذه المصاعب أمام سورية. ليست لسورية مشاكل قطرية، مشكلتها الوحيدة التي يريدونها أن تتخلى عنها هي مشكلتها فعلاً، هي قضيتها الفلسطينية.
تجدون انني أميل بين فترة وأخرى لأن أخرج عن ما هو أمامي وأن أفصل، وأجد من عوامل أخرى تشدني إلى ما هو مكتوب، لكن لابد من التأكيد على أهمية أن لا تنخدع الجماهير العربية بالتضليل الإعلامي الذي يدق في آذاننا، عشرات الوكالات، مئات الصحف، عشرات الاذاعات موجهة ضمن مخطط واحد وحيد لتلعب بأذهاننا.
ليست لسورية مشكلة لا في لبنان، ولا في أي مكان إلا الموقف الذي وقفته والذي ستستمر تقفه في المستقبل بكل عناد، بكل صلابة. وسورية لن تكون مع أي صلح إلا مع الصلح الفلسطيني.
ولن تكون مع أي سلام إلا مع السلام الفلسطيني، ولا تريد الجولان إلا بقدر ما تريد فلسطين.
وفي هذا المكان ومنذ سنوات قلت وبصوت عال أيضاً اننا نريد فلسطين قبل الجولان، ونريد سيناء قبل الجولان، وبعد هذا نريد الجولان.
وكان هذا قبل اتفاقات كامب ديفيد. واليوم نحن أشد اصراراً وأشد تأكيداً وأشد تمسكاً، وأشد استعداداً للنضال، والتضحية بكل أنواع وأساليب النضال وأنواع وأساليب التضحية.
ونقول نريد أولاً فلسطين، أولاً فلسطين وثانياً الجولان.
ولا أقول هذا لأجامل أحداً، أو لأنني أكن في نفسي أن متراً من الأرض في فلسطين هو أقرب إلي أو أعز من متر في الأرض في الجولان، فكلا المترين أرض عربية متساويان تماماً ولكن لأؤكد لاسرائيل أولاً، وللولايات المتحدة الأمريكية ثانياً، ولعملائمها الصغار في المنطقة، للعملاء الصغار ثالثاً أنه لا سلام إلا السلام الحقيقي العادل الذي يعيد إلينا الأرض والعزة والكرامة.
منذ عام 1973 أمر صغير أريد أن أرويه لكم واخوانكم في اللجنة يعرفون هذا لأنهم سمعوه مني ربما أكثر من مرة.. وعرض علينا بعد اتفاقية سيناء أن نعمل اتفاقاً مماثلاً مع اسرائيل، رفضنا.
عرض علينا لكي لا يقال اننا انفردنا في العمل – عرضوا علينا أن يوجدوا لنا التغطية، وأن ننجز في وقت واحد نحن والأرض، الرسمي بطبيعة الحال، اتفاق فصل.. أي أن نفاوض في وقت واحد، في سورية، والأردن، ولدي رسائل حول هذا الموضوع، فرفضنا، وقلنا لهم لن نجري أي اتفاق ذي طابع سياسي إلا في وقت واحد مع منظمة التحرير الفلسطينية.
لكي يورطونا، لكي يبعدونا عن الطريق الذي نسير فيه، عرض علينا – في نفس الوقت- بدائل متتالية أن نوقع دون مفاوضات، مرة أخرى أقول اخوانكم يعرفون هذا “في اللجنة” ذكرته لهم. في عام 1974 عرض علينا أن نوقع اتفاقاً دون مفاوضات وستنسحب اسرائيل من قسم من الجولان، دون مفاوضات، رفضنا هذا وقد تستغربون، دون مفاوضات لماذا نرفض؟ لأن الخطة السياسية آنذاك كانت هي مجموعة دورات- كالدورات الزراعية- مجموعة دورات لاتفاقات سيناء.
اتفاق سيناء، اتفاق في سورية، اتفاق في الأردن، ثم تدور الدورة وفي كل دورة نقدم تنازلات لاسرائيل بحيث يققون في نهاية الأمر، بمحصلة مجموعة الدورات ما رسموه وخططوا له.
طبعاً نحن رفضنا لأننا لو قبلنا بهذه الخطوة لما استطعنا أن نقول للآخرين لا ثم لما استطعنا أن نرفض الخطوات المخطط لها، الخطوات التالية المخطط لها، وبهذا الشكل كانوا يريدون تصفية القضية الفلسطينية وبمعزل عن شعب فلسطين.
اذن حاولوا بأساليب مختلفة، وهنا أروي واقعة فقط، أو عنواناً لخطة رسموها وأفشلتها سورية، وهناك أمور أخرى أستطيع أن أرويها في وقت لاحق.
فعندما لم يستطيعوا أن يحرفوا سورية عن خطها المستقيم بالنسبة لقضية فلسطين، لأن سورية لا تستطيع أن تنحرف عن هذه الطريق، لا تستطيع أن تخون، وأن تغدر، بقضيتها.
عندما لم يستطيعوا أن يفعلوا ذلك بحثوا ورسموا لخلق المتاعب ولتفجير المتاعب أمام سورية بطبيعة الحال كمقدمة لضرب وتصفية الثورة الفلسطينية.
ولكن مرة أخرى أقول وخاصة للإدارة الجديدة في الولايات المتحدة الأمريكية لأن المديرين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية يريدون أن يخيفونا منذ البداية، جاؤوا ومعهم العنجهية بكل مظاهرها، بكل سماتها، ولكنهم كما أخطأوا في الماضي، في فهم شعوب العالم التي ناضلت من أجل حقها، من أجل حريتها يبدو أنهم مستمرون في نفس الطريق وسيكتشفون ان لم يكونوا قد اكتشفوا بعد سيكتشفون أنهم مرة أخرى أخطأوا واننا في سورية وفي فلسطين وفي الأمة العربية أقوياء بما فيه الكفاية، وأقوياء بما يمكننا من استرجاع حقوقنا وكرامتنا وفرض ارادتنا على كل محتل معتد أثيم.
عندما ذهب السادات إلى القدس وقبلها بعد اتفاق سيناء ركز على موضوع وصاية سورية على منظمة التحرير الفلسطينية – تذكروا هذا جيداً- والآن آخرون يركزون على هذا الأمر، اذا تصلبنا من أجل القضية الفلسطينية فنحن أوصياء على القضية الفلسطينية، وأوصياء على منظمة التحرير الفلسطينية، وإذا تخلينا عن فلسطين وعن شعب فلسطين عند ذلك لا نكون أوصياء.
على كل حال أنا أرجوكم أن ترفعوا وصاية اخوانكم عنا في سورية.
اذا كان لابد من أن ننظر إلى بعضنا بمنظار الوصاية، حقيقة الأمر أن منظمة التحرير هي الوصية وليس العكس.
على كل حال أنا أطالب الآخرين اذا كان هذا يعني وصاية على شعب فلسطين وعلى منظمة التحرير الفلسطينية، أطالبهم أن يفعلوا -لكي يكونوا أوصياء بنفس المعنى- أطالبهم أني يفعلوا كما تفعل سورية تماماً وأن يمارسوا الوصاية التي تمارسها سورية لكي نتساوى والمساواة بين الأخوة أمر عدل ومطلوب.
لنعد إلى الموضوع هذا هو الحل.
والتنازل المطلوب من سورية هو أن تنفض يدها من القضية الفلسطينية وأن تكف عن دعمها والنضال في سبيلها والتنازل المطلوب من شعب فلسطين هو التنازل عن حقوقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على أرض وطنه.
هذا هو الحل وهذا هو العدل في نظر الامبريالية والصهيونية وحلفائهما، وبدون هذه التنازلات إن التآمر على سورية سيستمر، والتآمر على القضية الفلسطينية سيستمر ويستمر معه التآمر على لبنان الشقيق واحداث التفجيرات فيه ويستمر العمل على تمزيقه واستخدام أرضه لضرب سورية وضرب الأمة العربية.
ومع ذلك فإننا ما نزال نسمع ونقرأ كلاماً عن جدوى أن ننتظر الخير من السياسة الأمريكية في عهد الادارة الأمريكية الجديدة في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة وان نترقب منها أن تأخذ جانب الحق والعدل.. فأي أمل هذا في سياسة تفاقمت في عدائها للعرب إلى حد أنها أصبحت تسير جهاراً في ركاب اسرائيل وأصبحت الإدارة الأمريكية بموجبها مضطرة ان تستأذن اسرائيل في ما يمكن وما لا يمكن أن تفعله وفي ما هو مسموح لها أن تبيعه أو لا تبيعه؟
وأنا هنا لا أعترض على أحد من أشقائنا العرب ممن يريدون أن يبني صداقة مع الولايات المتحدة الأمريكية لكل من وجهة نظره وأمر غير ضار أن استطاع بعضنا ان يقيم صداقة حقيقية مع الولايات المتحدة، فهي دولة كبرى وليت صداقة تقوم بينها وبين بعض الأطراف العربية فقد يكون في مثل هذه الصداقة الخير ولكن لا صديق للولايات المتحدة الأمريكية بين العرب اطلاقاً ولا يمكن أن يكون أحد من العرب صديقاً حقيقياً ولا يمكن أن يكون أحد من العرب صديقاً حقيقياً للولايات المتحدة الأمريكية وليس للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما تحدثت به مع بعض الاخوان هنا سابقاً، ليس للولايات المتحدة الأمريكية سياسية أمريكية في هذه المنطقة بمعزل عن اسرائيل.. في هذه المنطقة سياسة اسرائيلية تنفذها الولايات المتحدة الأمريكية فكيف يمكن ان يجتمع هذا مع قيام صداقة بين أحد من العرب وبين الولايات المتحدة الأمريكية؟
الولايات المتحدة الأمريكية تريد من العرب ابتاعاً وازلاماً ولا تريد أصدقاء ويتوهم منا من يظن، يتوهم من من يعتقد انه صديق للولايات المتحدة الأمريكية، أو أن مثل هذه الصداقة يمكن أن تقوم.
ماذا يمكن أن يفعل طرف عربي للولايات المتحدة أكثر مما فعله السادات خرج عن كل شي خرج عن التاريخ، والجغرافيا، والقيم، والتقاليد، كل شي في حياتنا العربية، في تراثنا العربي تخلى وخرج عنه السادات.. ومع ذلك هل السادات الآن صديق الولايات المتحدة الأمريكية؟
قطعاً ، لا.
لو كان صديقاً – على الأقل – كان يمكن أن يوقف القصف اليومي لشعب فلسطين وشعب لبنان في جنوب لبنان.. ولكنه ليس كذلك، ليس صديقاً بل عميلاً.
هل يستطيع بعضهم الذي يتظر الدور أن يقدم لأمريكا واسرائيل أكثر مما قدمه السادات.. لا أحد ينتظر أو يستطيع أن يفعل أكثر مما فعله السادات وأن يسير في خط الولايات المتحدة الأمريكية وما تريده الولايات المتحدة الا العميل والمعادي لمصالح جماهير هذه الأمة في كل مكان، في مشرق الأرض، في مشرق الوطن العربي، وفي مغربه، ولن يخدعنا أي فهم آخر، ولن يضلننا أي تفسير آخر.
فكما قال الأخ خالد الفاهوم منذ قليل، بما معناه، لقد نضجنا وكبرنا وأصبحنا ندرك ما يفيد، وما يلا يفيد. فطريقنا الواضح المستقيم هو طريق الحق وهو طريق فلسطين.
الكفاح الذي لا يلين، النضال العنيد الذي لا يعرف التردد، لا يعرف المهادنة، لا يعرف المساومة، ولا التخاذل ولا الجبن، طريق الشهادة مهما تكن الآلام والصعاب هو الطريق المؤدي إلى الحق وهو الطريق المؤدي إلى النصر.
وأي هوان أكثر من هوان اللحاق بسياسة هي هانت على مخططيها ومنفذيها إلى هذا الحد؟
وأي منطق في اللحاق بسياسة الذين يصرون على اذلال أمتنا وتطويقها وبقواعدهم وقواتهم من أجل مصالحهم الانانية ومصالح اسرائيل؟
أيها الأخوة..
لكي نصون الكرامة العربية، لكي نحرر الأرض العربية لكي نسترد الحقوق العربية نحن أمام خيار واحد وحيد، هو أن نواصل النضال الحازم على أن نغلب في ممارسة هذا النضال أساليبه الأكثر جدية وحسماً، وأن نوفر للنضال مستلزماته وللنصر مقوماته.
أن في مقدمة هذه المستلزمات والمقومات الوحدة الوطنية الفلسطينية، وتعزيز الصمود العربي ودعم نواته الجبهة القومية، للصمود والتصدي.
وحين نشدد على الوحدة الوطنية الفلسطينية فإنما نشدد على مطلب أساسي لجماهير الشعب العربي الفلسطيني، واذا كانت الوحدة الوطنية بالنسبة لأي شعب حاجة في الظروف العادية فإنها بالنسبة للشعب العربي الفلسطيني، حاجة ملحة في ظروف النضال المصيري في اطار الثورة، وهي أيضاً مطلب قومي عربي لكونها عاملاً من عوامل الوحدة العربية التي يجب أن يظل سعينا من أجلها وكفاحنا لتحقيقها دائبين في كل الأوقات وفي جميع الأحوال، لأن الوحدة العربية كما قلت لكم سابقاً قضية القضايا وهدف الأهداف وهي العلاج الفعال لكل العلل والأدواء التي تعاني منها الأمة العربية.
أيها الأخوة..
قد يبدو الحاضر مليئاً بالتعقيدات والصعوبات، وقد يبدو الطريق إلى المستقبل المنشود وعراً مليئاً بالحفر والعقبات ولكن متى كان نضال الشعوب نزهة أو كانت طريقه مفروشة بالزهور؟
ان قدر جيلنا أن يكافح ويضحي، أن يعمل ويعرق ويبذل الدم في سبيل أمتنا العربية، وقدرنا نحن في سورية وأنتم أبناء فلسطين أن نواجه المؤامرة التي ينفذها الأعداء مستهدفين بالدرجة الأولى قضيتنا المركزية قضية فلسطين.
وسنستمر في النضال والبذل والتضحية، لن توهن عزائمنا المصاعب مهما كثرت، ولن تقعدنا الأخطار مهما جسمت ولن توقف مسيرتنا خطوب مهما تعددت.
ان المحن التي مرت وقد تمر انما تزيدنا عزماً وصلابة، وتعزز ايماننا بقدرتنا على كسب المعركة واحراز النصر، ورفع راية فلسطين عالية خفاقة في سماء القدس.
سنكافح ومعنا جماهيرنا وأمتنا العربية في كل مكان.
فلنكمل المسيرة معاً، أخوة في العروبة وفي السلاح على طريق النصر، حتى يتحقق النصر.
والسلام عليكم..
انظر:
زيارات وجولات حافظ الأسد الخارجية
زيارات وجولات حافظ الأسد الداخلية
كلمات ومقابلات رسائل حافظ الأسد
الموقف الإقليمي والعربي من وصول حافظ الأسد إلى السلطة 1970
قرار تعيين اللواء حافظ الأسد وزيراً للدفاع 1966
انظر ايضاً:
وثائق وبيانات سورية 1900 – 2000