أجرى مروان حمادة ووفيق رمضان، والصحافي الدكتور غسان الرفاعي المدير العام لجريدة “تشرين” مقابلة صحفية مع الرئيس حافظ الأسد، ونشرت المقابلة في صحيفة النهار في الثامن من تشرين الأول عام 1977م .
فيما يلي النص الكامل للحديث:
مساء الثلثاء الماضي استقبل الرئيس حافظ الأسد في القصر الجمهوري في دمشق الزميلين مروان حماده و وفيق رمضان عن “النهار العربي و الدولي” و الزميل الدكتور غسان الرفاعي مدير عام جريدة “تشرين” السورية، و في هذا اللقاء، الذي استمر بضع ساعات، أجاب الرئيس الأسد عن عدد من الأسئلة تناولت مختلف القضايا الراهنة، كما كشف أموراً عدة تناولت مختلف القضايا الراهنة، كما كشفت أموراً عدة تتعلق بحرب تشرين.
– هل يمكن، وقد مضت 4 سنوات على حرب تشرين، أن يكشف عن بعض أسرار هذه الحرب؟ و هل لو تكررت ظروفها نفسها، كنت غيرت فيها شيئاً؟
هنالك أمور كثيرة و مثيرة حول حرب تشرين و لكن يصعب اليوم الخوض فيها. لو تكررت الظروف و تكررت الحرب نفسها لكنت طبعاً غيرت فيها أشياء كثيرة. هذا لا ينتقص على الإطلاق من قيمة حرب تشرين لأن كل حرب فيها مزايا و فيها عيوب و فيها دروس، بل إن كل مناورة عسكرية فيها أشياء جديدة.
من الأمور الجديدة في حرب تشرين أن الحلف الأطلسي و حلف فرصوفيا درسا ظروفها و تكتيكها و أسلحتها و ما ظهر فيها سلباً و إيجاباً، و هذا الدرس ربما أفاد منه الحلفان أكثر مما قد تكون أفادت منه أطراف المعركة.
أدخلت حرب تشرين تعديلات على مفهوم الاستراتيجية العسكرية، كذلك على التكتيك العسكري وعلى السلاح وعلى النظرة إلى كل سلاح.
مثلاً كان المواطن العربي بعد حرب حزيران 1967 ينظر إلى الطائرة كأنها سلاح لا يقهر و كأن الطيران الإسرائيلي قوة لا تقهر. كل هذا سقط في حرب تشرين. أيام رومل، و كنا نسمع عن معاركه، كانت الدبابة تحارب أشهراً، بينما في حرب تشرين خسرنا 1200 دبابة في خمسة أيام و على جبهة عرضها 70 كيلومتراً فقط.
الأسلحة المضادة أيضاً لعبت دوراً كبيراً، لم يكن هناك اهتمام أساسي بقيمة هذه الأسلحة قبل حرب تشرين- فالدول والجيوش تصنع و تملك أسلحة مضادة، و هذا موجود منذ القدم. و لكن لم يثق أحد بفعاليتها إلا إلا بعد حرب تشرين.
كانت حرب تشرين مختبراً للحرب الحديثة. فخلال ساعات التهمت كتائب و ألوية من الدبابات. في بعض المواقع فقدنا أسلحة ثقيلة و لم يعد مع المقاتل سوى سلاحه المضاد للدروع، و مع هذا دمرنا أعدداً من قوى العدو بهذا السلاح الفردي. لقد برهنا خلال الحرب على ما كنا قد أعددنا أنفسنا له.
.. و سياسياً؟ لماذا، مثلاً، لم تشترك دول عربية أخرى إلى جانب سوريا و مصر في قرار الحرب؟
كانت اتصالاتنا مستمرة، و كان هناك وفاق و عدم وفاق. و لكن عدم المشاركة في أمر الهجوم لا يعني أن الثقة غير متوافرة. هناك وحدات من القوات المسلحة التي، مع استعدادها و تدريبها من أجل الحرب، لم تكن تعرف بأمر الهجوم إلا قبل فترة قليلة. و هذا الأمر يتعلق بالطابع الفني أكثر منه بموضوع الثقة أو اللاثقة.
في بلدنا مثلاً، كنا نهيء بالفعل لمهرجانات كنت سأحضرها في ديرالزور. لم تكن هذه المهرجانات جزءاً من التمويه، و مع ذلك لم نلغها.
– يقال أن إحدى إنجازات حرب تشرين هو كتمان توقيتها؟
مفاجأتنا للعدو لم تكن كاملة تماماً، كما تكونون قد قرأتم هذا. و لكن في صفوف أعدائنا لم يكن التقييم واحداً و لا القتالية واحدة. فالذين كانوا يتوقعون وقوع قتال لم يقدروا أن هذا القتال سيكون حجم حرب تشرين.
كانت قوات العدو جاهزة في الجولان، و كان أفراد العدو متخذين احتياطات كثيرة. قد يكون حدث هذا في سيناء، إلا أنني أتحدث الآن عن الجولان.
سيكون ذلك معجزة
– ماذا عن احتمالات حرب عربية-إسرائيلية جديدة؟
إذا لم نتحارب في المستقبل فسيكون ذلك معجزة كبيرة. هذا لا يعني أن مؤتمر جنيف غير وارد أو أن الاتفاقيات غير واردة. ولكن ما بيننا و بين إسرائيل شيء كبير.
طبعاً لا أريد هنا إلغاء احتمالات السلام، و لكنني أكرر أننا إذا لم نتحارب في المستقبل فسيكون ذلك معجزة.
– هل تعتبر، سيادة الرئيس، أن حرب تشرين استنفدت إيجابياتها التي ظهرت في الأشهر الأولى التي أعقبتها؟
يجب أولاً أن نتذكر خلفية حرب تشرين لنستطيع الإجابة عن هذا السؤال.
لا يكفي أن نقول أن حرب تشرين كانت معركة من معاركنا المتعددة مع العدو الصهيوني الذي يحتل أرضنا العربية و يغتصب حقوق شعبنا، و لا يكفي أن نقول أنها كانت كبرى معاركنا إلى الآن مع العدو، و أنها كانت قمة في الآداء و النتائج بل يجب أيضاً أن نستعيد مقدماتها.
جاءت حرب تشرين بعد مرور أكثر من ست سنوات على عدوان حزيران 1967، تلك السنوات الست التي دب فيها اليأس والقنوط في نفوس الناس في الوطن العربي، و تزايد خلالها غرور العدو وغطرسته إلى أبعد حدود، و امتلأ العالم بالدعاية الصهيونية التي كانت تضرب على وترين و ترسم صورتين متناقضتين:
الأولى، صورة الأمة العربية المتفسخة المتخاذلة العاجزة عن القتال في سبيل حقوقها.
والثانية، صورة إسرائيل التي لا تقهر و القادرة على أن تضرب أينما شاءت في الوطن العربي من دون أن تخشى رد فعل أو انتقاماً.
ولما كانت هاتان الصورتان قد لقيتتا قبولاً واسعاً في الغرب، فقد نجحت الدعاية الصهيونية في إحاطة الصراع العربي-الإسرائيلي بضباب من التزوير و التضليل حجبت الحقائق عن الناس في بلدان كثيرة من العالم، و حتى في بعض أوساط الوطن العربي.
إنجازات الحرب
و أضاف الرئيس الأسد:
إن ما حققته حرب تشرين لم يكن انقلاباً في المفاهيم بدَل هاتين الصورتين تبديلاً جذرياً، فحسب، بل حققت أكثر من ذلك.
أولاً: حرب تشرين أعادت إلى الإنسان العربي ثقته و إيمانه بنفسه.
ثانياً: حرب تشرين حملت معظم دول العالم على تبديل مواقفها من القضية العربية تبديلاً نحو الأفضل.
ثالثاً: حرب تشرين أكدَت تأييد العالم لضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة.
رابعاً: حرب تشرين حققت تطوراً كبيراً في فهم دول الغرب للقضية الفلسطينية، و أدت بالتالي إلى حدوث تأييد شامل لحقوق الشعب العربي الفلسطيني و اعتراف أوسع على النطاق الدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية.
خامساً: حرب تشرين أفهمت إسرائيل و العالم أن إسرائيل لا تستطيع أن تتمادى في غيها و أن تمضي في عدوانها إلى ما لانهاية، و أن الدول العربية قادرة على اتخاذ المبادرة لردع هذا العدوان و قادرة على درعه في نهاية الأمر، مهما طال أمد الصراع.
سادساً: حرب تشرين أحدثت شرخاً عميقاً في مجتمع العدو و هزته هزاً عنيفاً.
هذا إلى جانب الإيجابيات المتعددة في المضمار العسكري. و كل هذه الإيجابيات و غيرها، مما أسفرت عنه حرب تشرين، ليست محصورة في الأشهر الأولى التي أعقبت الحرب، بل هي إيجابيات لها صفة الاستمرار. و على الأمة العربية أن تعمل على صيانة هذا الاستمرار و تعزيزه.
من أجل السلام
– أطلق على حرب تشرين لقب “حرب من أجل السلام”، أين هو الواقع الآن من هذه التسمية؟
إن قرار حرب تشرين كان تعبيراً عن إرادة شعبنا و أمتنا، في تحرير الأرض العربية المحتلة و استعادة حقوق الشعب العربي الفلسطيني المغتصبة. و من يحارب في سبيل حقه و أرضه و وطنه ليس معتدياً، بل هو مقاتل في سبيل السلام.
إن السلام في المنطقة لن يتحقق إلا إذا اقترن بالعدل، و هو لن يكون سلاماً عادلاً إلا بانسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 و اعترافها بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب العربي الفلسطيني. و عندما خضنا حرب تشرين ابتغاء لتحقيق هذين الهدفين، خضناها من أجل السلام.
و قد قلت في خطابي في اليوم الأول من أيام الحرب (مساء 6 تشرين الأول أو اكتوبر 1973) “نحن دعاة سلام، و نعمل من أجل السلام لشعبنا و لكل شعوب العالم، و ندافع اليوم من أجل أن نعيش بسلام”
و أضيف الآن أن هدفنا سيظل تحقيق السلام القائم على العدل و سنظل نناضل بكل السبل و على كل صعيد من أجل هذا الهدف، مدركين أن كل خطوة نخطوها نحن و أشقاؤنا العرب بالروح العالية التي تجلت في حرب تشرين ستجعلنا نقترب من هذا الهدف.
التضامن العربي
– لماذا يلاحظ أن الشركاء في حرب تشرين (دول مواجهة أو دول مساندة) لم يتمكنوا من الحفاظ على درجة التضامن التي ظهرت خلال حرب تشرين و بعدها بقليل؟ ما هو تصوركم لواقع العلاقات العربية القائم الآن؟
سأبدأ الإجابة عن الجزء الثاني من هذا السؤال، فأقول أن العلاقات العربية في واقعها الحالي تتجه نحو تعزيز التضامن العربي. فهناك تقدير عام لخطورة المرحلة الراهنة، و أدراك الاحتمالات المترتبة على عرقلة كل خطوة تتخذ في اتجاه السلام العادل، و على إغلاق كل باب يفتح على هذا السلام العادل.
طبعاً، لا نستطيع أن ننكر أن في العلاقات العربية ما يعكرها، و نأمل أن تزول أسباب ذلك. و لكنني واثق من أن العوامل التي حققت التضامن العربي، كما في حرب تشرين، عواما ثابتة و دائمة و قادرة على أن تعيد إلى التضامن العربي تألقه و قوته و تأثيره أضعاف ما كان في حرب تشرين، و لا سيما أن هذه الحرب المجيدة أظهرت بوضوح مدى ما يستطيع العرب أن يحققوه بتضامنهم.
و إذا كان طرأ على التضامن العربي شيء قليل أو كثير من الوهن بعد حرب تشرين، فقد كانت العوامل الخارجية سبباً مهماً لهذا الوهن و لكن السبب الأهم و الأساسي هو عدم استيعابنا و عدم إدراكنا الدقيق للمصالح البعيدة و الأماني القومية التاريخية للأمة العربية.
لا ضمانات لجنيف
– ماذا تغير في نظركم بين جنيف 1973 و بين احتمالات جنيف 1977، مما جعل سوريا تتنقل من موقف المقاطع للمؤتمر الأول إلى موقف المحبذ لاستئنافه؟
عندما وافقنا على القرار 338، و أوقفنا الحرب على أساسه، وافقنا على مؤتمر جنيف. لكن الظروف التي خلقتها الولايات المتحدة بعيد حرب تشرين لم تكن تجعل من انعقاد مؤتمر جنيف خطوة في مصلحتنا، و لهذا رفضنا الذهاب و استمر نضالنا لخلق ظروف أفضل، و حصل في هذا الاتجاه إلى الآن ما كان في مجمله لمصلحة قضيتنا، و سنستمر في العمل على تحسين هذه الظروف.
وعلى هذا الأساس يكون انعقاد مؤتمر جنيف مفيداً. و لا شك في أن تكرار ظروف 1973 سيؤدي إلى تكرار موقفنا في ذلك العام من مؤتمر جنيف.
– أين وصلت جهود السلام الأمريكية في الشرق الأوسط؟ هل تعتقدون فعلاً أن مؤتمر جنيف سيعقد؟
نتيجة اتصالاتنا مع الإدارات الأمريكية السابقة و مع الإدارة الأمريكية الحالية نشعر بأن جهود إدارة الرئيس كارتر في سبيل السلام في الشرق الأوسط أكثر جدية، و أقرب إلى تفهم عناصر السلام العادل في الشرق الأوسط و الأخذ بها.
ويجب أن يكون واضحاً أن مواقف الدول الأجنبية من الحق العربي، و ما يطرأ على هذه المواقف من تبدل صعوداً أو نزولاً، يعتمد على مقدار استعدادنا نحن العرب للعمل و النضال و التضحية في سبيل هذا الحق. و كلما تضاعف جهدنا في هذا السبيل وازدادت تضحياتنا، اتسع تأييد العالم لحقنا و ازداد.
أما بالنسبة إلى انعقاد مؤتمر جنيف أو عدم انعقاده، فليس هناك حتى الآن ما يضمن حتمية انعقاده.
استفسارات حول البيان
– ما رأيكم في البيان السوفياتي-الأمريكي المشترك الأخير حول استئناف مؤتمر جنيف؟
نحن نستفسر خلال هذين اليومين عن بعض ما ورد في هذا البيان المشترك. و البيان يحتاج إلى استفسارات ما زلنا ننتظر بعض الأجوبة عنها.
رأي الأمريكيين نعرفه، رأي السوفييت نعرفه أيضاً، و لكن الرأي المشترك للدولتين يتطلب بعض التفسير. و في أي حال فإن البيان لا يقرر السلام و لا يقرر الحرب.
لا تقرر الحرب و السلام في هذه المنطقة إلا شعوب هذه المنطقة و دولها.
ولا قوة في الدنيا تقرر مكانن. هذا ليس تجاهلاً لأحد، لأن هذا التجاهل يكون ضرباً من الوهم. و لكن مصير هذه المنقطة تقرره المنطقة.
كل بيان و كل قرار لا يؤدي إلى انسحاب إسرائيلي كامل وفق من الأراضي المحتلة عام 1967 و إلى تأمين حقوق شعب فلسطين، قرار لن نهتم به و لن تكون له أي قيمة بالنسبة إلينا.
وكل قرار يأخذ بهذين الأمرين، يخدم السلام و المجتمع الدولي، نحن معه.
عندما كنا نعارض القرار 242 ثم عدنا و اعترفنا به، كما أننا عدنا و قبلنا القرار 338، لم يكن قبولنا ارتجالياً بل أرسلنا كتاباً إلى الدكتور فالهايم فيه أننا نوافق على هذا القرار على اعتبار أنه يعني الانسحاب الإسرائيلي و تأمين حقوق شعب فلسطين. كذلك بالنسبة إلى القرار 338 الذي أوقفنا الحرب على أساسه.
– هل ترجحون مثلاً انعقاد مؤتمر جنيف؟
مؤتمر جنيف مرجح و لكن هذا ليس بالضرورة حتميا، لأنه بين يوم و آخر تحدث متغيرات قد لا تكون مهمة و لكنها مؤثرة. طبعاً نحن مع انعقاد المؤتمر، ما دام المؤتمر وسيلة عمل قد تستخدم في وقت تكون مفيدة، و قد تستخدم في وقت آخر لا تكون فيه مفيدة. نحن مع استخدام هذه الوسيلة إذا كان ذلك مفيداً.
– كانت سورية من أوائل المحبذين لفكرة الوفد العربي الموحد إلى جنيف. ما هو تصوركم لشكل هذا الوفد و عمله؟ ما رأيكم في شروط اسرائيل لقبولها الفكرة؟
عندما طرحنا فكرة الوفد الوفد العربي الموحد رأينا فيها تعبيراً عن التضامن العربي و وحدة الصف العربي و وحدة الكلمة العربية، بحيث تذهب الأطراف العربية المعنية إلى جنيف موحدة الرأي و الكلمة و الجهد، و في ضوء هذا تمارس عملها في المؤتمر.
أما الشروط الإسرائيلية فلا تملاً أي حيز من اهتمامنا الآن.
نفضل قراراً جديداً
– القرار رقم 242، هل تفضلون أن يبقى كما هو، أم يعدل، أم يتخذ مجلس الأمن قراراً جديداً يكون مكملاً له؟
قلت سابقاً، و أكرر الآن، أن موقفنا من القرار 242 رهن بما يعنيه هذا القرار، فإذا كان يعني الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية المحتلة و إقرار حقوق الشعب العربي الفلسطيني فنحن معه، و إلا فلا.
وبطبيعة الحال نفضل اتخاذ قرار جديد يوضح بعض الأمور في شكل أفضل و خصوصاً في ما يتعلق بالحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني. لكنني أعود فأقول أن المهم هو الجوهر و ليس الشكل.
المساعدات العربية
– في مواجهة حجم المساعدة الأمريكية لإسرائيل، هل أنتم راضون عن حجم المساعدة العربية لدول المواجهة عموماً و لسورية خصوصاً؟
قد لا تكون المقارنة بين المساعدة الأمريكية لإسرائيل و المساعدة العربية لدول المواجهة صحيحة.
فالأولى، إذا نظرنا إلى حجم ما تلقته إسرائيل من الولايات المتحدة، خصوصاً في السنوات الأخيرة، مساعدة و دعماً لجهة أجنبية معتدية- بمعنى أنها ليست جزءاً من الولايات المتحدة الأمريكية- مما يمكن هذه الجهة من الاستمرار في العدوان ومتابعة الاحتلال.
أما الثانية، فقد لا يصح تسميتها مساعدة، بل هي مساهمة في آداء واجب واحد ملقى على الجميع للدفاع عن مصالحهم وحقوقهم و أمانيهم. و من يساهم في الدفاع عن نفسه و عن أمنه يستطيع أن يقدر أهمية مساهمته.
لا نستهين بأنفسنا
– نظراً إلى الوضع العسكري الراهن لدى دول المواجهة، هل سيتمكن العرب من تثبيت موقفهم العسكري في حال فشل جهود السلام القائمة الآن؟
نحن لا نستهين بما حصلت عليه إسرائيل من أسلحة و معدات منذ حرب تشرين، و لكن طبعاً لا نستهين بأنفسنا. و يجب ألا ينقاد أحد لتيار الدعاية الصهونية التي تحاول أن توحي أن الطريق مسدود أمام العرب إذا فشلت جهود السلام.
إسرائيل لديها إمكانات و آفاق عمل و نحن أيضاً لدينا إمكانات و آفاق عمل. و لو كانت إسرائيل متفوقة في بعض أنواع العتاد، فإن الحرب هي الحرب و إسرائيل لا تستطيع أن تضمن نتيجة الحرب.
و يجب أن يكون واضحاً أن السلام العادل-إذا لم يتحقق بالوسائل السياسية- فيمكن تحقيقه بل يصبح واجباً تحقيقه بالوسائل الأخرى. و لن تعجز الأمة العربية- بإمكاناتها المتعددة و الكبيرة- عن توفير هذه الوسائل.
السلاح النووي
– و ماذا لو كانت إسرائيل تملك فعلاً أسلحة نووية؟
لا نستطيع في سوريا أن نثبت هذه الأمور و لا أن ننفي وجودها و لكن يمكن الاستنتاج. و قطعاً لدى سوريا خطة مضادة في حال وجود سلاح نووي لدى إسرائيل. إنه قانون الحياة، أليس كذلك؟
– هل يمكن القيام بجولة أفق في الجديد في علاقات سوريا مع كل من مصر، الأردن، السعودية و العراق؟
في علاقاتنا مع سائر الدول الشقيقة ننطلق من إيماننا بضرورة تعزيز التضامن العربي في هذه المرحلة و العمل على تحقيق الوحدة العربية في المستقبل، و نبذل جهوداً مخلصة في هذا الاتجاه.
وجهودنا متجهة إلى تمتين روابط الأخوة مع كل الأقطار الشقيقة، و علاقات سوريا مع الشقيقات علاقات جيدة، ما عدا علاقاتنا مع العراق. و الحكومة العراقية هي المسؤولة عن سوء العلاقات.
مشاريع الاتحادات
– ماذا عن مشاريع الاتحادات الثنائية و الثلاثية و الرباعية التي كانت ستشمل سوريا، لبنان، الأردن و فلسطين؟
لم يكن هناك حديث عن اتحاد سوى مع الأردن. و الأمر لا يزال قائماً. أما الوحدة فهي إرث نؤيدها إلى الأبد سواءاً كانت سوريا جزءاً منها أم لا.
– … و لكن كل دولة عربية يمكنها أن تقول هذا الكلام..
طبعاً كل الدول العربية تقول هذا، و لكن سوريا هي التي قدمت أكثرمن دليل. و قد سبق لـ “النهار”، على ما أذكر، أن كتبت تقول أن كل الدول تريد أن تنمي نفسها إلا سوريا تريد أن تذوب نفسها في وحدة.. و مثلنا العامي يقول ” اللي ما بيصدقنا يجربنا”
حرب لبنان
– هل تعتبرون أن حرب لبنان، كانت، في صورة من الصور، انتقاماً إسرائيلياً من سوريا و لبنان و الفلسطينيين لحرب تشرين؟
يمكن أن نقول أن ما حدث هو انتقام من جهة، و محاولة لتحقيق أهداف إسرائيلية و دولية من جهة أخرى.
و ليست إسرائيل وحدها التي كانت وراء أحداث لبنان، بل كانت هناك قوى دولية أخرى. و قد تنبهنا في سوريا منذ البدء، ونبهنا، إلى كل ما تعنيه هذه المؤامرة الشرسة و ما تهدف إلى تحقيقه، و قررنا العمل على إحباطه، و حققنا النتائج الإيجابية على رغم كل المصاعب التي برزت. و نحن نعالج هذه المشكلة التي اختلطت فيها الأوراق بشكل لا مثيل له.
– قلتم في خطابكم في صيف 1976 أن سوريا لا تقبل أن تقوم “حالة قهر” على أي طرف من أطراف النزاع في لبنان، هل لا تزال سوريا على موقفها الآن بالنسبة إلى هذا الموضوع؟
أصلاً، وقف القتال يعني ضمناً خلق حالة تمكن الأطراف المتقاتلة من تحكيم العقل و المنطق، بدلاً من تحكيم البندقية و المدفع، و التفكير بروية في موضوعات الخلافات الداخلية التي استغلت من قبل الذين تآمروا على لبنان، و إيجاد حلول لها تخدم مصلحة أبناء لبنان جميعاً.
كنا في سوريا و لا نزال ضد قيام “حالة قهر” يعيشها أي طرف من الأطراف في لبنان، لقناعتنا بأن القهر لا يجوز أن ينشأ في إطار الشعب الواحد، و لا يبرره أي مبرر. و إذا قام فلا بد أن يولد انفجاراً من قبل الطرف المقهور.
و إذا كنا ننادي، منذ بداية أحداث لبنان، بالحفاظ على وحدته أرضاً و شعباً، فمن الطبيعي و من المنطقي أن نقاوم حالة القهر التي تحدثت عنها.
– بعض أطراف النزاع في لبنان لا تخفي حالياً مواقفها بل تتدرب عسكرياً للإفادة من احتمالات قيام حالة اضطراب عربية، في حالة نشوء حرب إسرائيلية-عربية جديدة.
ليست لدينا معلومات في هذا الخصوص.
إسرائيل و جنوب لبنان
– أما وقد هدأ جنوب لبنان نسبياً، هل تتصورون أن هذا السلام سيثبت أم سيبقى معرضاً لنكسة؟
إن أحد أهداف اتفاق شتورة هو إقرار حالة الأمن في الجنوب، و لكن إسرائيل أقلقها هذا بعدما رأت أن القتال توقف في كل أنحاء لبنان الأخرى، فعمدت إلى التدخل المباشر في الجنوب لتجعل من الوضع هناك ورقة تستفيد منها في الشكل الذي تراه مناسباً لها. في طبيعة الحال، فالأمر يحتاج إلى عمل مستمر و يجب ألا يسمح لإسرائيل باستثمار الوضع في جنوب لبنان.
إسرائيل كانت تريد استمرار القتال في لبنان فلم يستمر، و لم تكن تتوقع أن يتوقف القتال في الجنوب فهي لا تريد لاتفاق شتوره أن يأخذ مجراه لأنه عطل عليها لعبتها. أما بالنسبة إلى المستقبل فالأمور، إن شاء الله، ماشية.
مع الجميع للجميع
– كيف توفقون بين علاقتكم الطيبة مع أركان “الجبهة اللبنانية” و مباركتكم لقيام “الجبهة الوطنية” التي تشكلت نواتها أخيراً من البعث في لبنان و الحزب التقدمي الاشتراكي؟
علاقتنا بـ”الجبهة اللبنانية” جيدة و نحن نبارك “الجبهة الوطنية” لأننا ننظر إليها كإطار تستطيع ضمنه الأطراف اللبنانية أن تضع أسساً سليمة لإنعاش لبنان و توطيد وحدته الوطنية و استعادة عافيته كاملة. و قيام هذه الجبهة رهن بإرادة الأطراف اللبنانية و باقتناعها بأن الوقت حان لإزالة آثار المحنة التي اجتازها لبنان، و لإيجاد الأسس التي تمنع عودة أي سبب من الأسباب التي أدى استغلالها إلى تفجير أحداث السنتين الماضيتين المؤلمة.
ويجب ألا يكون مستغرباً أن تكون لنا علاقات طيبة مع أي فريق في لبنان، فنحن مع الجميع و للجميع.
محاسبة الأخطاء
– كان لموقف النقد الذي اتخدتموه بالنسبة إلى وضع الإدارة السورية صدى إيجابي واسع خارج سوريا. هل يمكن الإدلاء بتفاصيل أخرى حول هذا الموضوع و علاقته بنتائج انتخابات مجلس الشعب؟
إن الأمر يتعلق بالبحث عن الأخطاء التي قد تكون ارتكبت، و نحن نقود عملية بناء واسعة في مختلف مجالات التنمية اقتصادياً، دفاعياً، ثقافياً و اجتماعياً ثم معالجة هذه الأخطاء في حال وجودها فنعطي بذلك زخماً جديداً لمسيرتنا و نستمر في تحقيق إنجازاتنا في شكل متسارع و متصاعد، الأمر الذي يتجاوب و رغباتنا و يتجاوب و المهمات القومية الملقاة على عاتقنا.
لا علاقة لما قررناه في هذا الصدد بانتخابات مجلس الشعب، و لو كان الأمر كذلك لقلنا هذا لأنه ليس أسلوب إلهاء الناس أو تغطية شيء بشيء آخر و حتى المواطن يصعب عليه الربط بين الأمرين. انتخابات مجلس الشعب كانت انتخابات عادية و طبيعية و في ظل دستور البلاد، و لا أجد ما يدعو للربط بينها و بين محاسبة عدد من المخطئين.
و من قبيل توضيح الحقيقة أقول أن الكثيرين يعرفون أن الأخطاء التي تصدينا لمعالجتها هي، في بلادنا، أقل بكثير جداً مما هي في الكثير من البلدان الأخرى، و لكننا لا ننطلق من واقع المقارنة بيننا و بين الآخرين بل ننطلق من حرصنا على مجابهة أخطائنا و في شكل علني مهما يكن حجم هذه الأخطاء.
ولو كان الخطأ روتينياً فهذا من طبيعة العمل، و لو كنا نعرف من هو المخطئ لما كنا شكلنا “لجنة محاسبة” و قد قلت للجنة التحقيق أنها لو اكتشفت في منتصف الطريق أن هناك من كان غير مخطئ فهذا ليس عيباً. و عليها تبرئته و طلبت من اللجنة ألا تبرئ مداناً و ألا تحكم على بريء.
– ألا يخشى وقوع انعكاسات سلبية على الاقتصاد؟
حصل بعض التشويش و لكن سياستنا الاقتصادية ثابتة نغير فيها أو نبدل وفقاً لمقاييس النجاح و الفشل. فإن كان هناك خطأ أو كان هناك من أساء، فهذا لا علاقة له بالآخر، فالمسيء شيء و السياسة الاقتصادية شيء آخر، و لو أردنا تغيير سياستنا الاقتصادية فلماذا نشكل لجنة محاسبة؟ فالمسيء يجب أن يحاسب لأنه يسيء إلى كل الناس.
جولة مبارك
– هل جرى الحديث أمس مع السيد حسني مبارك (نائب الرئيس أنور السادات) في موضوع عقد مؤتمر قمة عربية قريباً؟
الاتصالات التي تجري حالياً هي مجرد تبادل معلومات و وجهات نظر، و جولة السيد حسني مبارك هي في هذا الإطار و لا علاقة لها بمؤتمر قمة و إن كنا نحن الذين طرحنا فكرة القمة العربية. أنا لا أستبعد اجتماع قمة، و هناك مؤتمر لوزراء الخارجية العرب (12 تشرين الثاني-نوفمبر المقبل) الذي قد يوصي بهذا الموضوع، أما الآن فموضوع القمة ليس مطروحاً في اللقاءات.
-كيف تواجه سوريا وحدها الأعباء الثقيلة و منها وجود قواتها في لبنان، و المجابهة مع إسرائيل و ضرورات التنمية الداخلية؟
إننا نسير وفق خطط للتنمية هدفها تعزيز قدرات البلد في مجال التنمية و في مجال المجابهة مع العدو. و قد حققنا نجاحاً كبيراً، فتعزز اقتصادنا و نمت قدراتنا الدفاعية. و مع ذلك فأننا لسنا وحدنا. و أنا واثق من أننا لن نكون وحدنا أبداً، خاصة أننا نخوض معركة الدفاع عن مصير الأمة العربية و مستقبلها.
انظر:
زيارات وجولات حافظ الأسد الخارجية
زيارات وجولات حافظ الأسد الداخلية
كلمات ومقابلات رسائل حافظ الأسد
الموقف الإقليمي والعربي من وصول حافظ الأسد إلى السلطة 1970
قرار تعيين اللواء حافظ الأسد وزيراً للدفاع 1966
انظر ايضاً:
وثائق وبيانات سورية 1900 – 2000