ملفات
العدوان الفرنسي في أيار 1945
احتفلت سورية في الثامن من أيار عام 1945 بعيد النصر وإعلان انتهاء الحرب العالمية الثانية، وأقيمت في مختلف المدن السورية احتفالات بهذه المناسبة (1).
تزامنت تلك الاجتفالات مع تفاقم أزمة طلب السلطات الفرنسية من الحكومة السورية الإبقاء على قواتها في مواقع عسكرية سورية، ووصول قوات فرنسية جديدة إلى سورية(2).
وشهدت البلاد حركة احتجاج ومظاهرات عمت مختلف المحافظات والمدن السورية(3).
رفع العلم السوري في حماة
وامتدت المظاهرات إلى كافة المحافظات والمدن السورية، ففي حماة دفعت المظاهرات الصاخبة إلى إخلاء سلطات الانتداب الفرنسي قواتها من الثكنة العسكرية الموجودة ضمن المدينة إلى ثكنة عسكرية مسماة بالشرفة عند مدخل حماة في الحادي والعشرين من أيار، وتسلم الدرك السوري الثكنة العسكرية ورفع عليها العلم السوري.
تشكيل لجنة الدفاع الوطني
جرى في دمشق اجتماع واسع في الثالث والعشرين من أيار شارك في عدد كبير من الوجهاء والشخصيات البارزة على مستوى سورية. وتشكلت على اثره هيئة سميت باسم لجنة الدفاع الوطني، وأعلن أنه لن تنهي اللجنة مهمتها حتى تطمئن الأمة إلى مصيرها، كما تشكلت لجنة للجهاد ضمن هذه اللجنة.
النشيد السوري في مجلس النواب لأول مرة
وفي الخامس والعشرين من أيار عقدت جلسة في مجلس النواب حضر فيها بعض النواب باللباس العسكري وشارك في الجلسة رجال من البعثات الأجنبية يتقدمهم وزير مصر المفوض ورجال المفوضية العراقية. وفي هذه الجلسة التي لم تستمر طويلاً جرت المصادقة على أربعة قوانين منها زيادة عدد أفراد الدرك إلى خمسة آلاف دركي، وقانون القوات الاحتياطية. وختمت الجلسة لأول مرة بالنشيد السوري(5).
الاستعداد للطوارئ
بالتزامن مع عقد جلسة مجلس النوات قامت الحكومة بالاستعداد للطوارئ في صباح الخامس والعشرين من أيار تحسباً لأي تحرك فرنسي. فبدأت دوريات الدرك المصفحة والخيالة والمشاة تطوف الشوارع وقوات كبيرة من الدرك تملأ الطرق المؤدية إلى شارع الصالحية التي كانت تتواجد فيها المؤسسات الفرنسية. كما أخذت فصائل من الشباب بالتطوع وقامت بالطوف على المناطق لمساعدة قوات الأمن في مهامها.
ووضع الأطباء السوريون أنفسهم وعياداتهم ومستشفياتهم تحت تصرف الحكومة.
اشتدت حركة التطوع حتى عمت البلاد، واندلعت مظاهرات متفرقة، وكانت دمشق حينها تبدو وكأنها مدينة محاصرة كل مافيها من المياني قد تحول إلى معسكرات محصنة تحميها الأسلحة النارية وأكياس الرمل.
الموقف الفرنسي وبدء الاعتداء
بدأ الاعتداء في دمشق عند هرب أحد المجندين من صفوف الجيش الفرنسي واندفع هارباً إلى جمع من السوريين المدنيين.
حاول هؤلاء المدنيون أن يحملوا الهاب فأطلق الفرنسيون النار ورد عليهم المتطوعة بالمثل وبدأت الاضطرابات(6).
شكلت هذه التطورات قلقاً بالغاً لدى الحكومة الفرنسية ما دفع الجنرال ديغول إلى الاجتماع مع الرئيس الأميركي بخصوصها، وكذلك اجتمع مع السفير البريطاني في الثامن والعشرين من أيار وتحدث إليه بشأن الأزمة في سورية.
وأصدر الجنرال أولفه روجيه(7) قائد الجيش الفرنسي بدمشق إلى الضباط تعليمات سرية لاحتلال جميع دوائر الحكومة ومؤسساتها، ومنع الاتصال مع جميع الدول العربية المجاورة، وتجريد جميع أفراد الشعب من السلاح والآلات الجارحة.
بدأت القوات الفرنسية تنفذ أوامر الجنرال روجيه، وباشرت بقصف الأحياء في دمشق بالقنابل في الساعة العاشرة من مساء يوم الثامن والعشرين من أيار، كما أن طائرة فرنسية ألقت بعض القنابل الكبيرة على دمشق(8).
العدوان على البرلمان
كان روجيه في كل مساء يحتفل برفع العلم الفرنسي على سارية مبنى قيادة القوات الفرنسية عند البرلمان، وفي يوم التاسع والعشرين وقبل رفع العلم الفرنسي حضر جنود (السنغال) التابعين لفرنسا وبيدهم السواطير، واستاقوا رجال الشرطة التي تحمي مجلس النواب إلى الرصيف المقابل وطلبوا منهم أن يشتركوا في تحية العلم الفرنسي.
رفض مفوض الشرطة السورية “سعيد القهوجي” ورفض رجاله هذا الطلب، فقتلوه هو ومن معه، واعتقلوا الباقي وتظاهر بعضهم بالموت مثل إبراهيم الشلاح في حين استطاع بعضهم مغادرة المبنى مثل جابر المقت الذي ظنت قيادة الدرك انه استشهد وأبلغت عائلته التي أقامته التعازي له قبل ان تراه حياً. ثم وجهت المدفعية إلى بناء مجلس النواب من الشارع.
وبدأ إطلاق النار من كل حدب وصوب وفي جميع المفارق والطرقات، وقام الطيران الفرنسي بقصف قلعة دمشق حيث مقر قيادة الدرك، وسقطت بعض القنابل على سجن القلعة فأصابت الكثير من السجناء وشباب الحرس الوطني، قام جنود فرنسيون بإشعال الحرائق وبدأ القصف العشوائي في جميع الاتجاهات. انتشر الذعر في كل مكان ودارت معارك في شوارع دمشق واستشهد الدكتور مسلم البارودي وهو يسعف الجرحى في ساحة الحجاز (حيث أقيم نصب تذكاري له عند محطة الحجاز)(9).
احتل الجنود الفرنسيون مبنى البرلمان بعد معركة عنيفة، وظل القتال محتدماً في جميع أرجاء دمشق، واستمرت المعركة على حدتها البالغة ساعتين دون إنقطاع، ثم جعلت تهدأ تارة وتشتد طوراً خلال ساعات الظلام، واستخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة من مدافع التومي والبنادق والمدافع الرشاشة ومدافع الميدان. وقد أوقدت الشعلات في السماء لتضئ المدينة للطائرات الفرنسية.
بعد ذلك قام الدرك السوري والمحتجون والمتطوعون بهجوم فحاصروا المفوضية الفرنسية وأجبروا حاميتها على الاستسلام.
وبعد معركة عنيفة بالمدافع الرشاشة والبنادق عقدت هدنة لتمكين السكان المدنيين من إخلاء المدينة،واستؤنفت القتال عقب فترة من الهدنة.
بعد استئناف القتال أحبط الدرك السوري والحرس الوطني المحاولات التي بذلها الفرنسيون للاستيلاء على سراي الحكومة(10).
الأبنية المتضررة
وكان من نتائج ضرب الفرنسيين المدينة بالقنابل ان تهدم قسم كبير من المباني الرسمية والأهلية وجزء كبير من البرلمان، ومبنى الحكومة وفندق أوريان بالاس، بالإضافة إلى مقر المدرسة الحربية في جامع تنكز (11).
(1) الإحتفال بـعيد النصر في سورية
(2) أزمة وصول قوات عسكرية فرنسية إلى سورية عام 1945
(3) إندلاع المظاهرات والاحتجاجات في سورية أيار 1945
(4) صحيفة الدفاع، العدد الصادر في السادس عشر من أيار عام 1945م.
(5) صحيفة ألف باء، الأعداد الصادرة 22 – 23-25-26-29 أيار عام 1945م.
(6) منير تقي الدين، صـ 124
(7) كان الكولونيل أوليفيه روجيه حاكم دمشق العسكري يصدر أوامره بتدمير دمشق وهو في شرفة منزله يتناول الكونياك، منير تقي الدين، المرجع السابق، صـ 124.
(8) العياشي (غالب)، الإيضاحات السياسية وأسرار الانتداب الإفرنسي في سوريا، صـ 495.
(9) جميل مردم بك .. 29 أيار 1945 اليوم الأحمر الأسود
(10) منير تقي الدين، صـ 124
(11) كلمة النائب عبد الحميد الطباع في المجلس النيابي حول معهد تنكز عام 1945
انظر:
بلاغ الجنرال الفرنسي أوليفا روجيه في أيار 1945م
د. عادل عبدالسلام (لاش): أحكام إعدام فرنسية لجنود شراكسة في سورية 1945
وقف الاعتداء الفرنسي 1945 .. من مذكرات محمد حسن بوكا (18)