وثائق سوريا
كلمة خليل صفية في حفل تأبين أحمد مادون عام 1983
ألقى خليل صفية كلمة أصدقاء الفقيد في حفل تأبين الفنان الراحل أحمد مادون الذي أقيم بمناسبة مرور أربعين يوما على وفاته – يوم الأحد السادس والعشرين من حزيران عام 1983 في المركز الثقافي العربي بدمشق.
نص الكلمة:
كان يرسم برؤية طفل
يعشق الألوان
ماذا تعني الكتابة عن فنان رحل فجأة وهو في منتصف الطريق ؟!
تجربة لم تأخذ كامل أبعادها ، فقد كانت الطموحات كبيرة ، تجربة تنوعت أساليبها وتقنياتها بحثا عن شخصية أصيلة .
غاب عنا “أحمد مادون”… الفنان الذي مارس التشكيل لسنوات طويلة بعيدا عن الأكاديميات والمدارس الفنية ، الا أنه ترك لنا ارثا فنيا متميزا .
أمضى أكثر من عشر سنوات وهو يبحث ويجرب وينتج قبل أن يعرض للمرة الأولى ، وما زلت أذكر كلماته حين دعاني إلى مرسمه لاناقشه في أعماله قبل أن يقدمها لمعرضه الأول ، وفي ذلك اليوم ، سألته:
لماذا انتظرت طويلا حتى تقدم هذا المعرض؟
فأجابني بثقة :
-لابد من اضافة أمر ما ، و هي ليست مسألة سهلة ، أن تعرض للمرة الأولى ، و تقدم شيئا جديدا للناس .
***
-ترى ما هي مكونات هذه التجربة ؟! وماذا عن خصائصها التشكيلية ؟ والتعبيرية ؟
وأين تكمن الأصالة التي بحث (أحمد) عنها عبر رحلة تعود بدايتها الى مطلع الستينات ؟!
لقد ارتبطت تجربته التراثية منذ البداية بالبيئة الشعبية في (تدمر) قصور الصحراء والنخيل والناس في حياتهم اليومية ..مؤكدا على المخزون الداخلي ..البصري والانفعالي الذي تحقق كإنجاز تشكيلي بلغة اتسمت بشئ من التلقائية والعفوية ، وقد قادته هذه الحياة الشعبية إلى استلهام الأوابد ، والحكايا والأساطير ، فوجد النقاد في أعماله ما هو أسطوري ، بحيث أصبح الحس الأسطوري سمة من سمات تجربته التشكيلية ووصل في بعض أعماله الى اللوحة الملحمة …التي تزدحم فيها العناصر ..شخوص أشجار حيوانات وزخارف .. الخ لكن بانجاز انفعالي تعبيري لا عقلاني وظل محافظا على هذا الاتجاه في كل ما طرحه من أساليب وموضوعات .
..ان فناننا الراحل كان يصور بمنتهى المحبة والعاطفة والانفعال لذلك كان عالمه الفني مزيجا من الحزن والفرح ، الغنائية والتعبيرية ، انه الحزن الغارق بعوالم من فرح يحلم بها ، وكانت المرأة العنصر الأكثر حضورا ..المرأة – الرمز ، التي كانت تنمو في غلال البهجة ، وتكبر في بيادر الخصب الشرقي …بخصوصيته .
كان يصور برؤية طفل يعشق كل الألوان باردها وحارها .. ولا فرق بين بقعة لون مسكون بالزخارف أو بطاقة تعبيرية، لأنها تنبع من أحاسيسه ، وأحلامه وهذا ما أثار اهتمام أكثر من ناقد .
( خليل صفية )