مقالات
تقاليد العرس في حمص .. حفل الزفاف
خالد عواد الأحمد – التاريخ السوري المعاصر
يبدأ يوم العرس أو الزفاف بالإعداد والتحضير للعرس منذ صباح ذلك اليوم وغالباً تكون المحطة الأولى الذهاب إلى الحلاق حيث يرافق العريس بعض الأصدقاء والأقارب، ثم ينتقل إلى حمام السوق، وبعد العودة من حمام العرس بعضهم يلبسون ثياب العرس في الحمام
يجري العرس الذي يسمى أيضاً “ليلة الدخلة” أو “الزفة” في بيت والد الزوج أو في منزل أحد أقربائه أو أصدقائه إذ كان المنزل لا يتسع المدعوات من النساء وتشارك في الأهازيج والغناء أخوات العريس وبنات عمه وحين تأتي العروس مجللة بالعباءة يستقبلها أهل العريس وأقرباؤه بالزغاريد أيضا:
زغاريد استقال العروسة في بيت العريس:
قوموا من الدرب لتمرق الستات
قوموا من الدرب لتمرق أميرتكم
ها بنت شيخ العرب جاي تشرفكم
لي لي لي ليش
فيجيب أهل العريس:
أهلاً وسهلاً فيكم يا ضيوف اعزاز
انتو عزازي وجيتو من بلاد اعزاز
احلا من الشهد أحلا من طيور الباز
أحلا من القرش لو كان صاحبو معتاز
وتعود النساء لتزغرد وتردد:
يادارنا دقي والعبي حربي
فيك ثريا وفيك مسكن الغربي
فيك (اسم العريس) يتنقل بمحرمته
خصرو رقيق وزنارو حرير وردي
وإذا دخل مع العريس والده تهزح النساء له:
أبو “فلان” ريتك دايم
يا راعي الحشايم
ريتك تعيش وتسلم
وتلتم عندك اللمايم
ويردّدن للعريس الأهزوجة التالية:
عريس عريس لا تندم على مالك
حواجب عروسك خط لقلامك
ها حواجب عروستك قوس محنية
ها بتسوى بنات حارتك متل ما هيه
لي لي لي ليش
أو يقلن أيضاً:
ها عريسنا لا تندم على مالك
ها بيروح المال وست الحسن تبقى لك
ها بطلب من رب السما يجيبها لدارك
لي لي لي ليش
وفي العرس تقوم بعض الصبية بالرقص على صوت الغناء، و وجرت العادة أن يتم تقديم الهدايا الذهبية الصغيرة من خالاتها أو عماتها أو صديقاتها أثناء الصمدة ( ليلة العرس)
عادات في موكب العروس:
وقد جرت العادة أن ينثر الناس عند مرور موكب العروسين الزبيب والتين تفاؤلاً بمستقبل حسن لذلك الزوج كما ينثر الملح والشعير على رؤوس الحاضرين أثناء زفة العريس.
العراضة الحمصية:
ومن المظاهر الاحتفالية التي ارتبطت بالعرس الحمصي منذ عشرات السنين ولازالت “العراضة الحمصية” التي تبدأ باجتماع الرجال في أحد البيوت من أقارب العريس “المعرّس) فيشتركون في إلباسه ثياب العرس وسط الأهازيج والتعبيرات الفكاهية المرحة وربما لجأ بعضهم إلى وخزه بدبوس كنوع من الدعابة، وتسمى هذه المراسم “التلبيسة” ثم يسيرون في موكب حافل يُعرف بالعراضة وينتظمون فيه متماسكي الأيدي متقابلي الوجوه في صفين متوازيين يلتحم طرفاهما من جهة – وهذا صدر العراضة – وإذا كان الحفل لعريس أو محتفى به فهذا مكانه، ويبقى الطرفان الآخران سائبين ينضم إليهما من يدرك العراضة في أثناء السير وبين الصفين يخطر الشباب خفافاً نشطين يلوحون بالسيوف ويهتفون بالأهازيج والبقية يرددون أهازيجهم ويتجاوبون مع نغماتها المختلفة، وتتوقف العراضي بين الفينة والفينة أو تتمهل ريثما يقدم السبّاقة – لاعبي السيف والترس – جولة من المبارزة على دقات الطبل وهي تبدأ بالتبختر والاختيال وتنتقل إلى المناوشة والصيال، حتى إذا ارتفعت دقات الطبل إلى “الحروبي” التحم البطلان مثل جبلين – كما تقول القصص الشعبية وتقارعا بالسيوف وتساقيا كؤوس الحتوف – وقبل أن يختلفا بالضربة التي تشق الخصم من رأسه إلى تكة لباسه – بشكل رمزي طبعاً – يثب شيخ من الباب منادياً: واصــــــ ….ي …ل وتُحسم المعركة بينهما صلحاً، ومن المرددات الشعبية التي تقال في مثل هذه اللوحات الشعبية:
محمد زين . ذكره زين
محمد يا كحيل العين
محمد خطبوا ربو
وكانت ليلة الاثنين
وانشق القمر نصفين
من هيبة رسول الله
وكذلك :
سيروا على ما قدر الله
ما نتكل إلا على الله
والله يا نعم الوكيل
وعليك يا نبينا (فترد المجموعة : صلينا)
ياشافع فينا (فترد المجموعة : صلينا)
هيك القبلة (فترد المجموعة: صلينا)
يا الله صلّوا (فترد المجموعة: صلينا)
والصلاة والصوم علّو (فترد المجموعة: صلينا)
وتسير العراضة في الشوارع حتى تصل بيت العروس، وهناك يطرق الباب عدة طرقات إشارة إلى مجئ العريس، ولكي يسمحوا له بالدخول. يدخل العريس ومعه والده، وأحياناً بعض أخوته ويُرش الملح على الحضور من أجل منع العيون من حسده، وصار الناس بعد ذلك يرشّون الملبس والنقود والسكاكر.
ومن “العادات الطريفة المتبعة في العرس الحمصي أن تدوس العروس على رجل العريس لكي تؤكد الاعتقاد السائد بأن العريس سبقى تحت سيطرتها ويسمع كلامها طوال عمره ولهذا يتسابق العروسان على هذا الفعل، لأن السباق سيكون الغالب وصاحب الحظ السعيد”.
و”من الطقوس الإعتقادية التي كانت شائعة في حمص خميرة العروس حيث تعمد العروس يوم زفافها إلى إلصاق قطعة عجين على باب البيت، وتفسير ذلك أن الخميرة هي آخر ما يبقى من العجين وبها تستمر هذه المادة المقدسة، وهي تفعل ذلك لتصبح كهذه الخميرة سبباً في استمرار الحياة والبقاء وزيادة الخيرات، وتلصق العروس معها في بيت الزوجية إلى الأبد”.
وفي أحيان أخرى جرت العادة أن تعلق عائلة العريس قطعة من العجين مع عرق أخضر فوق باب غرفة العروسين وعندما تصل العروس إلى الباب يأتي العريس فيغمس يده اليمنى ويضرب بها يد العروس ثلاث ضربات، وأما فيما يختص بالمرأة التي تعجن العجينة التي توضع فوق باب غرفة العريس فمن الضروري أن يكون زوجها حياً يرزق.
ويرى الباحثان نعيم الزهراوي ومحمود السباعي أن العروس الحمصية “كانت فيما مضى تنتعل قبقاباً مطعماً بالعظم تتصل فردتاه بخيط يربط بينهما حتى لا تستعجل في السير إلى منزل العريس وتسير خطوة خطوة”.
المصدر الحمصي:
ومن الطقوس الفولكلورية المرتبطة بالعرس الحمصي ما يسمى “المصدر الحمصي” الذي قدمته فرقة نادي الخيام الشعبية لسنوات طويلة ولعل مدينة حمص تنفرد بهذا اللوان الشعبي من الغناء دون غيرها من المدن السورية، وإن كانت المساجلات والمباريات الزجلية المشابهة لها – إلى حد ما – معروفة ومشهورة في بلاد الشام حيث ينُصب في بناء الدار وفي صدره منصة شبه مسرح صغير – للمنشدين الذين يجلسون حثيثاً على الركب في صفين متواجهين، ويبدأ أفراد الصفين بالإنشاد هوناً، ويجيبه الثاني بمثله مضيفاً أو معارضاً ومفنداً، ويستمر الصفان في تبادل الإنشاد، وتتدرج النغمات شدة وارتفاعاً يرافقها تصفيق إيقاعي ويتطاول المنشدون في مجالسهم، ويتمايلون والناقر على الدربكة يساير نغماتهم وحركاتهم، “ومن أحد فصول المصدر هذه المناظرة الغنائية بين الفريقين حول البيضاوات والسمروات، كل فريق يؤيد وينحاز إلى فئة.
وفي صباح اليوم التالي يقوم أهل العريس بواجبهم في تقديم طعام الإفطار والغذاء وكثيراً ما يتهافت الطبالون للاحتفال بالعرس وأخذ نصيبهم من النقود من أهل العريس بعد إطراء مبالغ فيه للعريس وأهله ونسبه.
وفي بعض الأسر تقوم الأم بالنوم في منزل ابنتها الجديد وربما خالاتها ولكن هذا الأمر ليس قاعدة عامة.
و”في عصر اليوم التالي يغادر أهل العروس أي المقربات جداً كالأم والجدة والخالة والعمة منزل أهل العريس وبعضهن يهزجن قبل المغادرة:
نحنا ومين يقدر يخاصمنا
يا لابسين الخواتم بخناصرنا
سألت رب السما العالي ينصرنا
وبين العمائم تسلمي عمايمنا
ولا تنسى قريبات العروس أن يوصين أهل العريس بابنتهن فهي أمانة في أعناقهم ثم يهزجن:
على الهادي على الهادي يا حمام الوادي
سيروا سيّركم الله على قلوب الأعادي
ويهزجن أيضاً:
الحمد لل على الشر اللي تعدانا
لأفدي بالمال ريت المال يفدانا
والحمد لله اللي تخلت عنا منايانا
وكاس اللي شربناه سقيناه لعدانا
ومن التقاليد المعروفة في حمص ما يسمى يوم الثالث حيث يأتي أهل العروس وأخوالها وأعمامها فيزورونها ويقدمون لها “النقوط” وفي نهاية الأسبوع تزور العروس بيت أهلها من الصباح حتى المساء وتدعى هذه الزيارة “ردة رجل) حيث يحتفى بها وبزوجها في وليمة يتم فيها دعوة المقربين من أهل العروس.
انظر:
تقاليد العرس في حمص .. الخطبة والكسوة
تقاليد العرس في حمص .. حمام العروس