مقالات
تقاليد العرس في حمص .. الخطبة والكسوة
خالد عواد الأحمد – التاريخ السوري المعاصر
تشكل مناسبة حفل الزفاف في المجتمع الحمصي والريف على حد سواء حدثاً متميزاً يسمح باللقاء والتوحد العائلي والتعارف بين الذين لا ينتمون إلى العائلة نفسها، إضافة إلى أنه فرصة لإظهار المهارات في الرقص والغناء والمشاركة في التعبير عن الفرح والحبور.
وإذا كانت تقاليد الاحتفال بالعرس في كل من القرية والمدينة لازالت محافظة على جزء كبير من صورها وأشكالها إلا أن مظاهر عصرية كثيرة دخلت إليها إن كان في زينة العروس وجهازها أو في أشكال الاحتفال ومفرداته، فالماشطة التي كانت تقوم بتزيين العروس فترجّل شعرها وتزينها بأصناف الحلي والحل والشكول استعيض عنها بصالونات الزينة النسائية ومراكز التجميل الحديثة التي تجعل من”المكنسة ست النسا” كما يقول المثل الشعبي، كما أخلت الخاطبة التي كانت تدور في بيت إلى بيت لتوفيق الرؤوس على مخدة الحلال دورها للكمبيوتر، أما (الأيمة) و(البلانة) فقد ذهبتا إلى غير رجعة وحلت محلهما مراكز الساونا والجاكوزي ونوادي الرشاقة.
الخاطبة:
في الماضي عرفت حمص مهنة الخاطبة مثل الكثير من المدن في سورية. وكانت فتيات حمص محجوبات عن الشبان وكان لابد للشاب الذي يريد أن يتزوج من مساعدة الخاطبة التي كانت تلجُ بيوت الفتيات اللاتي تعرفهن أو تسمع عنهم من ذوات الصيت الحسن والأخلاق الرصينة وبعد أن تنظر ملياً إلى كل واحدة منهم وتراقب طراز حياتهن وأشغالهن ومهارتهن في تدبير المنزل تختار منهن من تراها أجمل خلقة وأكمل أدباً ومعرفة من سواها فتعود وتصفها للخطيب فإذا راقت له تدل أمه على عنوانها، ولم يكن الشاب يرى الفتاة التي يرغب الاقتران بها بل يكتفي بوصف الخاطبة من حيث لون عينيها وشكل وجهها وطولها ميلها للنظافة ومهاراتها في الطبخ، وعلى الوصف يتوكل الرجل على الله ويعقد العزم على إتمام دينه.
كانت تتقاضى الخاطبة أجراً متفقاً عليه لقاء هذا العمل من أهل العريس على الإلب، وبعد طلب اليد أو (الطُلبة) كما يدعوها أهل الريف يذهب العريس وأسرته لزيارة العروس.
جهاز الكسوة:
كانت تقوم النساء بزيارة خاصة للمدينة لشراء مستلزمات العرس (جهاز الكسوة) والذي يضم الأقمشة والحلي الفضية والحنة والهدايا الخاصة لأفراد أسرتها.
وعند رجوع النساء من سوق المدينة يوم الكسوة وقبيل دخول القريبة، يحملن على رؤوسهن جهاز العروس موضوعاً على أطباق من القش، ويدخلن القرية وهن يغنين أغان وأهازيج خاصة بيوم الكسوة. وتصعد قريبات العريس على الأسطح في القرية، ويجبنهنّ بأغان تمدح العريس وأسرته وتكون الأغاني أيضاً دعوة لباقي أهل القرية للتجمع في دار العريس والانضمام إلى احتفال ليلة الكسوة، والأغاني التي تردد في مثل هذه المناسبات تصف حياة القرية اليومية وأيامها وعلاقاتها، مع تعليقات على الأزياء والأقمشة والتطريز وأغطية الرأس والمصاغ، وسط أجواء من الرقص القروي المعروف بالدبكة الذي ترافقه آلات موسيقية شعبية مثل المجوز والطبل والشبابة.
ولا تكاد تختلف مراحل العرس في حمص بين المدينة والريف إلا في بعض التفاصيل الصغيرة التي تفرضها خصوصية البيئة والمكان، ففي المدينة وبعد موافقة أهل العروس وقراءة الفاتحة ودفع المهر المتفق عليه تبدأ رحلة إتمام الزواج بذهاب والدة العروس وأخواتها أو بعض قريباتها إلى السوق لتحضير الجهاز الذي يمثل الشغل الشاغل لعائلة العروس منذ لحظة إعلان خطبتها فالعروس الحمصية يجب أن تحمل كل ما يلزن إلى بيت زوجها من ناحية اللباس وأدوات المطبخ وبعض أغراض العريس الخاصة تعبيراً عن مشاركتها له في تجهيز البيت الذي سيصبح بيتها أيضاً وكذلك رغبتها في مشاركته همومة ومتاعبه وأفراحه ومسراته. وقد جرت العادة في الماضي أن يعرض الجهاز في بيت والد العروس. ويدُعى أهل العريس والأقرباء والأصدقاء لاستعراضه في حفل يقام لهم ثم توضع ملابس العروس والأمتعة الأخرى في صناديق مزخرفة بالنقوش وتحمل في وشوارع المدينة أو القرية أما الأمتعة الأخرى من فرش ووسادات وأغطية ومطرزات فكانت تحمل على الأكف أو الأكتاف يحملها شباب يلبسون أحسن ثيابهم وينقل الجهاز من بيت العروس إلى بيت الزوج في موكب تتقدمه الموسيقى الشعبية ويحف بالجهاز شباب من أخوة الزوج وأبناء عمومته وأصدقائه.
ومن الهناهين التي ترددها النساء في هذا الموكب:
ها وسبع بقج بقجتك
ها والثامنة بالصندوق
ها يخلي شوارب أبوك
ها يا اللي ما عازك لمخلوق
لي لي لي ليش
ها قبقابك إجا من سير
ها وفستانك جناج الطير
ها لا جهازك عيري
ها ولا مهرك إجا بالدين
لي لي لي ليش
كان المحتفلون يعمدون أن يمر الموكب من أسوق الأحياء المشهورة وكلما مروا بحي وقف الموكب عند مقهى الحي أو ساحته وعُزفت الموسيقى وهكذا حتى يصل الموكب إلى بيت الزوج فتتلقاه النساء بالزغاريد، ويشاركنهن في ذلك نساء الحي اللائي جئن للفرجة، فالحي كله في فرح وحبور ويُعرض الجهاز في غرفة مخصوصة للعروسين ويُعاد عرضه على المدعوات.
استمر نقل جهاز الكسوة يجري في هذا الطقس والاحتفال حتى عهد قريب وبعد ذلك بدأ يتلاشى مثله مثل الكثير من التقاليد والعادات الشعبية.
انظر:
تقاليد العرس في حمص .. حمام العروس