محمود جديد- التاريخ السوري المعاصر
ملاحظات وتوضيحات على مقال السيد سامر الموسى بعنوان : ” صلاح جديد لغز البعث الغامض “
إذا ألقينا نظرة موضوعية على مضمون المقال، مقدمة ، ومتناً ، وخاتمةً للمسنا الوضوح في المقدمة مع عدم الدقة في سرد الأحداث ، وتناقضاً واضحاً بين متن المقال ، والخاتمة المنصفة ، وهذا ما سأوضّحه فيما يلي :
١ – ورد في المقال : “كان أخر لقاء بين الرجلين قبل انقلاب الأسد بساعات حيث كانت قوات وزير الدفاع تعتقل الأعضاء المؤيدين ل جديد في الحزب والحكومة .. وعرض عليه الرحيل مع اختيار السفارة التي تعجبه .. “
والحقيقة لم يلتقِ به إلّا وهو معتقل، والعروض وردت عن طريق السفير السوفييتي آنذاك، ولكن ليست بهذه الصيغة، وكان محورها الاعتراف بقرار مجلس الأمن رقم 242 ، والذي رفضه المرحوم صلاح جديد بشجاعة نادر حسب تعبير الكاتب …
٢ – بالغ السيد سامر الموسى في دور ومسؤولية صلاح جديد في تسيير دفّة الحكم في سورية بعد حركة الثامن من آذار، وهو لم يستلم رئاسة دولة ، ولا أمين عام الحزب ، ولا رئيس مجلس وزراء ، ولا وزيراً للدفاع ، حيث ورد في مقال الكاتب :
” حيث أزاح جديد من أمامه خطوة خطوة كل من وقف في طريقه لإنشاء دولته الخاصة به والمجسدة لأحلامه فكانت البداية في إزاحة بطل الانقلاب زياد الحريري والضباط الناصريين عقب محاولة جاسم علوان الانقلابية ليمتد الإقصاء إلى رفيقه في اللجنة العسكرية اللواء محمد عمران عقب أحداث حماه 1964 ليبدأ مواجهة مع القيادة القومية التاريخية للحزب عقب المؤتمر القطري في اذار 1965 حيث جعل القيادة القطرية مسؤولة عن الحكومة وأن يكون الأمين القطري رئيسا للدولة وأن تكون للقيادة القطرية صلاحية تعيين رئيس الوزراء والوزراء ورئيس الأركان العامةوكبار القادة العسكريين ” انتهى الاقتباس .
وملاحظاتي وتوضيحاتي ، ومبرّر مقالي ينصبّ على ماورد هنا ، وإليكم إيّاها :
– استخدم الكاتب عبارة” إنشاء دولته الخاصة، والمجسّدة لأحلامه ” ولم يوضّحها، ممّا يفسح المجال للقارئ بتفسيرها على هواه، وقد يستغلّها الذين ظلموه، لمنطلقات عقائدية وسياسية وطائفية..الخ
– لم يكن الكاتب موفّقاً، ولا دقيقاً في هذه الفقرة، فحمّل المرحوم صلاح جديد وحيداً مسؤولية كل ما جرى في سورية من أحداث وتطورات، وكأنّه كان الآمر الناهي في هذه الفترة، بينما في حقيقة الأمر أنّ صلاح جديد كان له دور بارز ومهم من خلال بعد نظره ، وكفاءته وإخلاصه في عمله ، ووطنيته ، وأخلاقه وسلوكه ، وتقشّفه، وثقة رفاقه به ، ولا يعني أنّ آراءه كانت دائماً هي التي تقرّها قيادة الحزب والدولة، ولكنّ إيمانه الشديد بالقيادة الجماعية، كان يجعله يسكت عن القرارات التي تصدر وتخالف رأيه وقناعته ، وفي الوقت نفسه ، لا أحد يستطيع أن ينكر مسؤولية صلاح جديد وشراكته في الحكم ، كما أنّه ليس معصوماً عن الأخطاء، لا هو ، ولا رفاقه في قيادة الحزب والدولة .
– إنّ إزاحة المرحوم زياد الحريري جرت بعد وصول معلومات بأنّه يسعى لإجراء انقلاب لحسابه . وعلى كل حال، فالإزاحة تمّت أثناء قيام الحريري، ومعه صلاح بزيارة إلى الجزائر ، كما أنّ صلاحيات الأخير كمدير إدارة شؤون الضباط، آنذاك لم تكن تتيح له إمكانية إزاحة لواء في رئاسة الأركان فمحصورة في تقديم الاقتراحات إلى لجنة الضباط التي هي المسؤولة مع قيادة الجيش عن ذلك .
– إنّ المحاولة الانقلابية الناصرية الدموية بقيادة المرحوم جاسم علوان جرت في منتصف النهار ، والجميع شاركوا في التصدي لها، ومنهم صلاح جديد ، كما لعب المرحوم الفريق أمين الحافظ دوراً مهماً في ذلك ، وشكّلت مدخلاً لوصوله إلى قمة السلطة ، وتسريحات الضباط الناصريين كانت نتيجة لهذه المحاولة الانقلابية، التي لو جرت في أي بلد في العالم لحدث ماحدث ..
– وقع الكاتب في خطأ كبير في تحميل صلاح جديد مسؤولية إزاحة المرحوم محمد عمران بعد أحداث حماة ، بينما الحقيقة تؤكّد أنّ أحداث حماة لاعلاقة لها بالموضوع على الإطلاق ، وإنّما الصراع والحساسية بين أمين الحافظ وعمران هي التي دفعت الحافظ لإزاحته وإبعاده ظلماً ، وخارج الأسس والقواعد الحزبية ، وترفيع حافظ الأسد لرتبة لواء، وتسليمه قيادة القوى الجوية لحسابات طائفية كريهة ، أي أزاح لواءً فرفّع ضابطاً إلى رتبة لواء من الطائفة نفسها … وللمفارقات العجيبة ، أنّ الجهة التي أبعدته هي التي استدعته عقب ماسُمّي ب ” القفزة النوعية ” وحل القيادة القطرية بشكل مخالف للنظام الداخلي للحزب ومقرراته.. وكانت بمثابة انقلاب أبيض شامل ، هذا وقد أشار صلاح جديد في إحدى جلسات المؤتمر القومي العاشر الاستثنائي إلى الظلم الذي تعرّض له عمران ..
– إنّ مواجهة أخطاء القيادة القومية، تمّت بعلم ومعرفة ومشاركة جميع أعضاء القيادة القطرية ، وقرار قيام حركة ٢٣ شباط عام ١٩٦٦ كان بموافقة الجميع ، وبتوقيعاتهم عليه .
– ورد في المقال مايلي : ” اعلن صلاح جديد عن هوية دولته الجديدة فكانت دولة الفقراء حيث فرز القوى الاجتماعية بين عدو وصديق فصنّف العمال والفلاحين أصدقاء أمّا التجار و البرجوازيين فقد صنفوا كأعداء، وربما كان هذا أكبر أخطاء صلاح جديد القاتلة، وسيدفع ثمنه باهظا بعد ذلك بسنوات . ” انتهى الاقتباس . لم يعلن صلاح جديد عن هوّية الدولة في يوم من الأيام ، وكل ما صدر هي قرارات قيادات ومؤتمرات حزبية ، وليست بهذه الصيغة، وإنّما كانت تشير إلى الطبقات المستغلة من إقطاع وبورجوازية كبيرة، وتجار كبار محتكرين ..الخ
– أنهى السيد سامر موسى مقاله مشكوراً بهذه الخاتمة المنصفة : ” كان رفاق جديد شرفاء نزيهين جسدوا مبادئهم في سلوكياتهم الحياتية اليومية ومواقفهم من الأوضاع في دول الجوارالعربي مما جلب عليهم نقمة المملكة العربية السعودية الغائب الحاضر في تاريخ سورية الحديث ، لقد كان صلاح جديد نموذجا فريدا في تاريخ سورية الحديث، حيث لم يقبل باي امتياز أو صفقة عرضت عليه، وكان لا يتصل بالناس ولا يرتاد الأماكن العامة، ولا يتعاطى المسكرات، وكان يكره الأضواء وحب الظهور، ولم تمتد يده يوما إلى المال العام، أو ممتلكات الآخرين، وابعد أقاربه عن الأماكن الحساسة في الحزب والدولة، وعاش في شقة بسيطة ومتواضعة حياة كلها تقشف وبساطة فبدا غامضا كلغز محير.. ” انتهى الاقتباس ..
– وملاحظاتي هي: أوّلاً ، ضخّم الكاتب دور السعودية، بينما كانت ولا تزال تابعاً للتحالف الإمبريالي – الصهيوني الذي هو الجهة التي كانت ناقمة . وثانياً ، أنّ المرحوم اللواء صلاح جديد كان يتصل بالناس عند حدوث نكبات طبيعية، فزار محافظة الحسكة عندما حدث فيضان في إحدى المناطق ، وزار بلدة رأس العين على الحدود التركية، عندما انهار مقهى على روّاده إثر الفيضان ، وكان معه الرفيق مروان حبش ومكثوا أربعة أيام في المحافظة للإشراف على إغاثة القرى المتضررة وكان يزور الجنود في الحد الأمامي للجبهة بعد هزيمة حزيران العسكرية عام 1967 من أجل رفع معنوياتهم، والاطّلاع على أحوالهم ، وبصفته الحزبية وليست العسكرية ، وكانت له بعض اللقاءات الطلابية في جامعة دمشق .. هذا بالإضافة إلى اللقاء مع قيادات المنظمات المهنية والحرفية ، والشعبية ، وحضور بعض مؤتمراتها.
انظر:
سامر الموسى: صلاح جديد .. لغز البعث الغامض