وثائق سوريا
عظة الميلاد التي ألقاها البطريرك الياس الرابع معوض عام 1970
عظة الميلاد التي القاها البطريرك الياس الرابع معوض في بطريركية أنطاكية وسائر المشرق بدمشق في الرابع والعشرين من كانون الأول عام 1970م.
أيها الأبناء الأعزاء
التجسُّد الإلهي الذي حصل في المكان والزمان، هو الفرح العظيم الذي أعلن للعالم الغارق في الظلمة وظلال الموت.
قبل البشارة كان الخوف يسود العالم، الخطيئة هي منبع الرعب وعدوة الحرية، هي الظلمة التي اكتنفت قلوب البشر وعقولهم، الضمير كان غارقاً في مستنقعات الأثرة والكبرياء، وكان الطمع والتحكم والتسلط ناموساً يوجه أقدام البشر في مسيرتهم الحائرة، القبس النير الذي كان يلوح في أعماق بعض النفوس التوَّاقة إلى الاستقرار الناعم في ظلال النور، كانت تخنقه أكداس من الظلمات تطلقها ليالٍ ضاقت بأكداسها النفوس الموجعة.
بعد البشارة لاحت آفاق الرجاء، لملم الخوف سحبه وراح يجر أسماله البالية، جاء المخلّص ليكنس كل الأمواج التي دفعتها الخطيئة من محيطاتها القاتمة، الشعب السالك في الظلمة قد أبصر نوراً عظيماً، والذين هم في ظلال الموت أشرق عليهم نور، انتشرت البشارة كالضوء لأنه ضوء خالد، وتساقط كالندى فوق القلوب العطشى إلى مياه النعمة الإلهية، الخطيئة التي أقامت لها تاريخاً أحرقت تاريخها بنارها، فوقف التاريخ عند شفة المذود، يُقدّم فروض عبادته وطاعته، ذهباً، ولباناً، ومراً، ومن المذود تنطلق الكلمة الجديدة، البراءة والنقاوة، رمز المحبة المتألقة في العالم الجديد.
” لا تخافوا فها نحن نبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب، إنه ولد اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب ” (لوقا 2 و11 ).
بهذه الكلمات يطيب لنا أن نخاطبكم أيها الأبناء الأعزاء، ونحثكم على التمسك بالفرح السماوي، ليبتعد الخوف عن قلوبكم ويغمركم الرجاء، إذا انتفى الرجاء من الحياة تحول العمر إلى وجع وشقوة، انتبهوا لئلا تثقل قلوبكم، اسهروا على نقاوة نفوسكم، اتركوها كقلوب الأطفال، فبالنقاوة ينمو الرجاء، وتشتعل زيوت الفضائل، ويحتضنكم التواضع فترتفعون إلى فوق، وتسكنون في المرابع الخضرة، وتستحمون في مياه النهر الأزلي.
يسود العالم أيها الأبناء الأحباء، قلق ويتحكم بـه فراغ، التجسُّد الإلهي هو هذا الملء للفراغ، وهذا الدواء العظيم لقلق الأرواح، التجسُّد الإلهي يملأ الفراغ بالمحبة فتهلل النفوس، ويسكب فوق المياه المضطربة الزيت الشافي فتهدأ القلوب ويسودها اطمئنان مغبوط، هو الرؤية الإلهية، من نورها ينساب النور إلى الوديان والدياميس المظلمة يبدد ظلماتها، ويزرعها بالرجاء ويفتح أمامها الآفاق على سماوات لا تعرف المغيب، إنه الطريق الأمين الأكيد يعود إليه الضال الشريد وينتهي إلى الميناء حيث تعلو سواري الأزلية وتخفق أشرعتها بالموسيقى متعانقة.
لقد قصد الله من تجسده إعادة الحياة إلى النفس والجسد اللذين خسراها بالخطيئة، لبس جسدنا فأعطاه نعمة الحياة، وانحنى بالحب على أرواحنا فجنحها لتطير بالجسد إلى الفردوس الذي فقدته، التجسُّد هو فعل دائم في الله كان ويكون إلى الأبد، حياة تشمل العالمين العلوي والسفلي، هو القداسة الذي غيَّر معنى التاريخ، معنى الزمن، معنى الحياة البشرية كلِّها، حلَّ الملكوت السماوي محل فكرة العالم، العالم مدعو ليكون ملكوتاً سماوياً، المحبة يجب أن تخمّر الكون، أن تعجنه وتخبزه خبزاً يُشبع الجياع إلى التقوى والبر.
المسيحي مدعو دائماً ليحيا حياة التجسُّد، لن يستقيم العالم ما دامت هناك فراغات، الفراغات في النفوس يولدها الفكر العامل بمعزل عن النعمة الإلهية، النعمة الإلهية هي النسمة الدائمة المليئة بكل معاني المحبة، تحمل إلينا قوة الثالوث لنكون هذا الثالوث، في عقلنا، وروحنا وقلبنا، واليد التي تمسكنا لنبقى في الحياة، النعمة هي الحياة وهي الأزلية فينا، بُعدنا عنها يقربنا من الموت، يجعل الموت ميراث نفوسنا، واقترابنا منها، والحياة فيها، يعني انعدام المسافات بيننا وبين الله نحيا حياة في حياته، النعمة هي الرابطة الأزلية بين الخالق والمخلوق.
نحن مدعوون أيها الأبناء الأعزاء لنحيا حياة التجسُّد، لأن التجسُّد الإلهي تمَّ من أجلنا، حصل لنعيد ولادتنا من جديد لنلبس لباس البر، لنعود أطفالاً مولودين بالنعمة ليستقيم العالم ويعاود سيره الجديد في طريق الحياة الجديدة، مدعوون لتوطيد دعائم المعرفة والحكمة، توطيد عالم الحرية في نفوسنا فيتحرر العالم بحريتنا، ويرتقي بمعرفتنا إلى المعرفة الكاملة، ويتحكم أبناء الجيل بحكمة الثالوث الذي نحن صورته وامتداده، مدعوون لنقول كلمتنا في العالم إذ نحن كلمة الكلمة الخالقة المبدعة.
أيها الأبناء الأعزاء
في هذه الأعياد الميلادية الخلاصية يحلو لنا أن تكونوا نشيد صلواتنا وأدعيتنا، أن نحيا معكم سر التجسُّد الإلهي، أن نراكم في الكأس التي نشربها حياةً في حياة الله، وروحاً في روحه، وانسحاقا في السر العظيم يرفعنا جميعاً لنكون جلساء أزليين على مائدة الثالوث الخالدة.
في هذه الأعياد الميلادية الخلاصية يغبطنا أن نراكم مقبلين إلى المغارة، تشربون من النبع الصافي نبع الحياة، وتأكلون الخبز المقدس الذي يسمن العظام، ونتهلل إذا ركعنا جميعاً في صلاة خاشعة مترنمين ومرتلين بقلوب يفعمها الرجاء ترنيمة الميلاد العظيمة :
” ميلادك أيها المسيح إلهنا قد أشرق نور المعرفة للعالم “.
العالم يحتاج إلى نور المعرفة، والمسيح هو هذا النور، العالم يحتاج إلى سلام والكلمة المتجسدة هي روح هذا السلام، بدونه يخيم الجهل ويسيطر ضباب، وبه تنسجم الكائنات في حلبات رقص سري أزلي.
يجب أيها الأحباء أن نكون هذا النور، فالعالم يشتاقه، الدمار الروحي الذي يسيطر على العالم هو نتاج لدمار أرواحنا التي ابتعدت عن حقيقة التجسُّد الإلهي فتحكم فيها الخوف، العالم يحصد ما يزرع، من يزرع بالبركات فالبركات يحصد، حصادنا يجب أن يكون روح الخلاص الذي نزرعه في تربة العالم.
نحن مدعوون لا لنحيا في العالم بل لنخلص العالم، أي لنخلص نفوسنا، إذا خلصنا نفوسنا فإننا والعالم كله سنشدو نشيد الملائكة :
” المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة”.
عن مقرنا البطريركي بدمشق
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق
انظر:
من زيارة البطريرك البلغاري إلى دمشق – مطار المزة عام 1962
لاعبي السيف والترس يوسف جبور وجبران الشلاح في دار البطريركية الكاثوليكية بدمشق
من أمام كنيسة القيامة لثلاثة بطاركة ومنهم البطريرك الكسندروس طحان 1942
أعضاء جمعية القديس جاورجيوس الأرثوذكسية بدمشق
البطريركية الأنطاكية – المريمية 1979 – يوم تنصيب البطريرك إغناطيوس الرابع هزيم
سورية 1969- براءة ذمة أعضاء اللجنة الأرثوذكسية لإغاثة النازحين بدمشق عقب انهاء عملها
انظر ايضاً:
مراسيم وقرارات نور الدين الأتاسي
وايضاً:
وثائق وبيانات سورية 1900 – 2000