مختارات من الكتب
من مذكرات أمين أبو عساف: اشتراك حوران وعرب اللجاة في الثورة السورية الكبرى
اشتراك حوران في الثورة السورية الكبرى
في الثاني والعشرين من تشرين الثاني عام 1925 بعث “سلطان باشا الأطرش” بطلب إلى والدي الشيخ “حمد أبو عساف” ليوافيهم رجالاً وفرساناً مع بيرق قرية “سليم” إلى قرية “الثعلة” وكانت هذه جزء من دعوة عامة وُجهت إلى كل قرى الجبل.
وعند وصولهم وجدوا بيارق “القريا” و”صلخد” و”عرمان” و”متان”، وفي اليوم التالي عقد اجتماع ضم بعض زعماء الجبل من بينهم “سلطان باشا الأطرش” و”عبد الغفار الأطرش” و”هايل عامر” و”حمد أبو عساف” و”شبيب القنطار” مع الشيخ “محمد الحسن الحريري” والشيخ “مصطفى الحسنين” اللذين قدما من حوران للتشاور بعد أن تم الاتفاق بينهم وبين “فضل الله باشا هنيدي” على أن تمتد الثورة لتشمل حوران السهل .. وقد طلب الشيخان بتوجيه قوات من الجبل لتتجول في قرى حوران تشجيعاً للرأي العام واستنهاضاً للهمم حتى يتسنى لهم المشاركة في الثورة وإجلاء المستعمر.
وافق المجتمعون على الطلب وكتبوا إلى زعماء حوران رسالة سلمت إلى الوفد الذي حضر منهم أخبروهم فيها أنه قد تم تعيين “عقداء” للقوات التي ستتوجه إلى حوران وهم السادة: “يوسف هلال الأطرش” و”سليم هنيدي” و”عبد الكريم أبو عساف” و”هلال عز الدين” و”حمد عزام” و”شبيب القنطار” و”سليم كيوان” و”إبراهيم نصر” وشرحوا لهم مهمة هذه القوات.
وفي الرابع والعشرين من تشرين الثاني عام 1925م، عاد الشيخ “محمد حسن الحريري” و”محمد الحسنين” حاملين معهما بلاغاً موقعاً من شيوخ ومخاتير قرى “الحراك” و”الحريك” و”علما” و”خربة غزالة” وغيرها يرحبون فيها بحضور القوات من الجبل ويعلنون عن استعدادهم لتقديم كل الدعم لها.
تحركت القوات مع البيارق ووصلت إلى “المليحة” و”الحراك” وكان الاستقبال رائعاً تخللته الأهازيج والنخوات ثم تابعوا طريقهم بعد أن انضم إليهم سكان هذه القرى وقرى أخرى، وإلا أن قصف الطيران المستمر ومهاجمة القوات الفرنسية لهم أفشل مهمتهم فانسحبوا دون تحقيق هدفهم.
عقد اجتماع عام موسع في “قنوات” حضره أكثر زعماء الجبل وتقرر فيه الاجتماع مع ممثلي عرب “السلوط” في اللجاة، تنفيذاً للاتصالات الجارية معهم وتم تشكيل وفد ضم كلاً من “سلطان باشا الأطرش” والشيخ”يوسف الهجري” و”هايل عامر” و”حمد أبو عساف” وانضم إليهم فيما بعد “خليل أبو فخر” و”حمد عزام” وحدد مكان الاجتماع على الحدود بين قرية “داما” التابعة للجبل وقرية “جدل” من قرى اللجاة عند بئر “فحيمة”. وقد تم اللقاء في الوقت المحدد حيث حضر وفد عرب اللجاة برئاسة الشيخ “طلال أبو سليمان” رئيس عشيرة السلوط و”أحمد الغصين” وغيرهما من وجهاء العشيرة.. وبعد أن طلب الشيخ الأمان من الدروز وذلك بسبب خلافات قديما أعطاهم “سلطان باشا الأطرشط الأمان وقال لهم “باسم الوفد الموجود هنا” وقام بتسمية أعضاء نيابة عن الغائبين : كونوا آمنين مطمئنين على نفوسكم وعيالكم وحلالكم ولا فرق بيننا وبينكم، وأضاف :إن الدروز من أهل الشيم .. وعندما تنتهي هذه الحرب بجلاء المستعمرعن بلادنا وبجهود كل أبنائه، لنا “محاويل” عند بعضنا وسيأخذ كل فرد حقه.
رحب الشيخ “طلال” بهذا الاقتراح باسم عشيرة السلوط، وقال: إننا نعتبرك ياباشا بمقام الوالد “تمون علينا جميعاً” وسنكون معكم جنباً إلى جنب ضد المستعمر ولن يحصل من قبلنا أي شي يؤثر على هذه الثورة.. بعد ذلك طلب “أحمد الغصين” مهلة يوم واحد يقوم به بإبعاد بيته القريب من أحد معسكرات الجيش الفرنسي وبعدها يقومون مع ثوار الجبل بتعطيل خط السكة الحديدية الذي يربط “دمشق بأزرع ودرعا”.
وفي التاسع والعشرين من تشرين الثاني توجهت إلى قرية ” صور” في اللجاة قوة تضم أهالي القرية “عريقة” والفرسان المتواجدين فيها من قرى “قنوات” و”الكفر” وغيرها.
وبدأوا عملياتهم بتعطيل خط السكة الحديدية، ولمنع وصول الإمدادات للقطعات الفرنسية المتواجدة في المنطقة .. وبعد مدة تمكن الجيش الفرنسي وطيرانه من القضاء على هذه القوة بعد أن تمكنت من تعطيل هذا الخط الحيوي بعدة أماكن.
وفي أواخر ربيع عام 1926 استغل الجيش الفرنسي بدء موسم الحصاد وانشغال الأهالي في العمل للحصول على قوتهم حيث إنهم لا يستطيعون العيش دون جني موسمهم فهاجم وبكثافة كلاً من “السويداء” و”شهبا” وتمكن من احتلالهما ثم استطاع احتلال “صلخد”.. استسلمت في البداية قرى القضاء الغربي وتبعها القرى الواقعة في وسط الجبل على خط “شهبا السويداء صلخد” عدا بعض القرى القليلة التي بقيت تقاوم ومعها القضاء الشرقي وأطراف الجبل .. وتحت ضغط جيش الاحتلال انتقل المجاهدون إلى اللجاة والقضاء الشرقي .. عندها طبق الفرنسيون خطة مدروسة مستغلين الوضع القاسي للسكان، فأعلنوا فتح باب التطوع برواتب مجزية تصل إلى عشرليرات ذهبية للجندي وطوعوا ايضاً من ذوي النفوذ برواتب مغرية وبرتب رمزية (رئيس – ملازم – رقيب) دون أن يكون لديهم اية كفاءة للحصول على هذه الرتب وشكلوا عدداً من الكوكبات بقيادة فرنسية أضافوها إلى جيشهم الغازي لتساعدهم في القضاء على بقايا الثورة. عندها انقسم الجبل إلى فئتين متناحرتين وفقدوا بذلك تضامنهم ووحدتهم أمام عدوهم.
هاجم الجيش الفرنسي مدعوماً بهذه الكوكبات الخفيفة وبقيادة فرنسية أولاً اللجاة ثم القضاء الشرقي، والجنوب الشرقي حتى تمكن من إخراج الثور في عام 1927 إلى خارج حدود الجبل حيث لجأوا إلى الأردن.
اقرأ:
من مذكرات أمين أبو عساف : بدايات الحكم الفرنسي في السويداء
من مذكرات أمين أبو عساف : أسباب الثورة السورية الكبرى 1925