المؤسسات التعليمية
المدرسة الطبية العثمانية في دمشق
المدرسة الطبية العثمانية
أصدر السلطان عبد الحميد الثاني الإرادة السلطانية في السابع والعشرين من أيلول 1901م، بإنشاء مدرسة طبية في دمشق.
ويعود السبب إلى الرغبة في كسب الرأي العام الإسلامي في بلاد الشام وتمتين سلطة السلطان،والرغبة في افتتاح مدرسة طبية في دمشق تكون بديلاً لأبناء سورية عن إرسال أبنائهم إلى مدرستي الطب الأجنبيتين في بيروت. كما أنها سوف تقدم خدماتها إلى الجيش العثماني. بالإضافة إلى أن إنشاء المدرسة الطبية في دمشق بإدارتها ولغتها التركية من شأنه أن يوطد النفوذ العثماني فيها، ويجعل المدرسة منافسة قوية لمدرستي الطب الأميركية والفرنسية.
عهدت الحكومة إلى وزارة المعارف العثمانية وحاكم ولاية سورية ناظم باشا بمهمة إنشاء المدرسة الطبية العثمانية في دمشق.
واستغرق الأمر سنتين بين عامي 1901 و 1903 لإيجاد الموارد المالية والمكان المناسب وإعداد ما يلزم للبدء بالدراسة.
وفي الأول من تموز عام 1903م وصلت إلى دمشق أوامر ملحة من القصر السلطاني ووزارة المعارف في استنبول تطلب من الوالي ناظم باشا تدشين المدرسة الطبية في الأول من أيلول ليتزامن ذلك مع الاحتفال السنوي بعيد جلوس السلطان عبد الحميد الثاني على سدة السلطة. ونظراً لضيق الوقت عمدت الحكومة إلى استئجار دار زيوار باشا العظم على طريق الصالحية ريثما يتم تشييد الأبنية الخاصة بالمدرسة، والتي لم تبدأ بعد
تألفت المدرسة الطبية في بدايتها من فرعي الطب البشري والصيدلة وكانت مدة الدراسة في الطب البشري ست سنوات وفي الصيدلة ثلاث سنوات.
وتقرر أن يكون التدريس مجاناً، ولغة التدريس التركية، واشترط على الطلبة معرفة اللغة الفرنسية.
وكان يقبل في المدرسة الطلبة المتخرجون من المدارس الإعدادية، ويطلب من غيرهم التقدم إلى امتحان معادل لامتحان المدرسة الإعدادية، وتتطلب شروط القبول كذلك قيداً للنفوس وشهادة صحية تثبت اللياقة الطبية للمتقدم، وقدرته على الدراسة وممارسة المهنة.
بلغ عدد الطلاب في السنة الأولى أربعين طالباً. وأتيح للطلاب من خارج دمشق فرصة المبيت والطعام في القسم الداخلي من المدرسة الإعدادية لقاء ست ليرات تركية في السنة.
تم تدشين المدرسة الطبية في الأول من أيلول 1903م، يوم الاحتفال بجلوس السلطان عبد الحميد الثاني، وافتتحت المدرسة أبوابها يوم 22 أيلول باحتفال ضم الوالي ناظم باشا وفيضي باشا مدير المدرسة، وحقي باشا الجنرال في الجيش الخامس العثماني في سورية، والفريق عثمان باشا الجراح الرئيس للجيش الخامس، وحكمت باشا الجراح الرئيس في المستشفى الحميدي، وعدد من الأطباء العسكريين وموظفي الحكومة الأعيان. وحضر الاحتفال كذلك كل من مصطفى حقي وإسماعيل حقي، الأستاذان الموفدان من إستنبول للتدريس في المدرسة الطبية. وأمتدح ناظم باشا لإنقاذه مقابر الصوفية ومقابر البرامكة إذ حولهم من مستودع للنفايات إلى حديقة مجاورة للمستشفى الحميدي.
كان معظم الطلاب الأربعين في مدرسة الطب لدى افتتاحها من سكان دمشق، وغالبيتهم من المسلمين، مع قلة من المسيحيين واليهود. واشتملت مقررات التدريس في السنة الأولى على أربعة مقررات في الفيزياء والكيمياء والتاريخ الطبيعي واللغة الفرنسية.
وعانت المدرسة من عدم وجود مخابر مناسبة للمواد التي تدرسها. وضمت الهيئة التدريسية ثلاثة أساتذة مدنيين أتراكاً أوفدتهم وزارة المعارف في إستنبول وأستاذاً عسكرياً ملحقاً بالجيش العثماني الخامس في سورية.
وكانت ميزانية المدرسة الطبية مستمدة من رسم تمت زيادته بقرش واحد على كل ذبيحة في مسالخ ولايات سورية وبيروت وحلب وأضنة ومتصرفيتي القدس ودير الزور الملحقتين باستنبول.
استمر التعليم في مدرسة الطب العثمانية على هذا المنوال حتى عام 1908م، حين أعلن الدستور من جديد، وتسلم الحكم جماعة الاتحاد والترقي. ونظراً لأن معظم معلمي هذه المدرسة كانوا حتى ذلك التاريخ من الأطباء العسكريين المرسلين من استنبول أو الملحقين بالقوات العثمانية في دمشق، فقد اقتضت عودة أكثرهم إلى استنبول إلى توقف التدريس في المدرسة لبعض الوقت ريثما يتم تقييم وضع المدرسة.
ولم تكن وزارة المعارف ولا مدرسة الطب في استنبول براغبتين في رصد الأموال الإضافية لتحسين أداء مدرسة الطب في دمشق وجعلها أكثر منافسة لمدرستي الطب الأميركية والفرنسية في بيروت، فقررتا الإبقاء على ما هو قائم.
وفي إتفاق جرى عام 1910 بين وزارة الحربية ووزارة المعارف تقرر أن تكون هناك فئتان من المعلمين: فئة المتقاعدين العسكريين وفئة من المدنيين، وكان يتم اختبارهم في استنبول.
نتج عن ذلك أن ضمت مدرسة الطب بدمشق بعد عام 1910م عدداً من المعلمين أكثر كفاءة وتنوعاً من السابق، بينهم عدد من المدنيين الذين درسوا في أوربا وبخاصة ألمانيا وفرنسا.
وفي السابع من تشرين الثاني 1913 عُين الدكتور حسن رشاد خريج ألمانيا مديراً للمدرسة وأعطي صلاحيات واسعة.
بعد الإنقلاب التركي في عام 1909 استبدلت اللغة التركية التي كانت اللغة التعليمية في مدرسة الطب بدمشق باللغة العربية، وعين عوضاً عن الأساتذة الأتراك أساتذة وطنيون يلقون الدروس باللغة العربية. ولكن هذا التعريب لم يتم بشكل كامل حتى عهد الحكومة العربية في دمشق حين تعربت مناهج التعليم.
وفي عام 1914 انتقلت مدرسة الطب العثمانية بدمشق من دار زيوار باشا العظم في الصالحية إلى البناء الجديد الذي شيد لها المستشفى الحميدي(1).
وجرى في يوم السبت الحادي والعشرين من آذار عام 1914 مراسم افتتاح البناء الجديد الذي تم إنشاؤه في الساحة الجنوبية من حديقة مشفى الغرباء الحميدي بحي البرامكة في دمشق(2) .
مع إندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 ونظراً للحاجة الماسة إلى الأطباء قرر جمال باشا قائد الجيش العثماني في سورية بالاتفاق مع وزارة المعارف في استنبول وإعفاء بعض الأساتذة من الخدمة العسكرية وإعادتهم إلى مدرسة الطب بدمشق لمتابعة التعليم. وألحقت هذه المدرسة آنذاك بالجيش العثماني، وأعيد التدريس في الصف الثاني وحده بعد أن نقلت المدرسة الطبية إلى بيروت لتحل محل مدرسة الطب الفرنسية واليسوعية التي أغلقت أبوابها بسبب الحرب.
أستؤنفت الدراسة في جميع الصفوف في عام 1916، بعد أن أعفي أساتذة مدرسة الطب بدمشق وطلابها من الخدمة العسكرية. وبانتهاء الحرب أعيد افتتاح مدرسة الطب الفرنسية اليسوعية في بيروت فغادرتها مدرسة الطب العثمانية إلى دمشق.
تخرج من مدرسة الطب العثانية بدمشق خلال السنوات الست عشرة من عمرها 240 طبيباً و 289 صيدلانياً (3).
(1) أصبحت دار زيوار باشا العظم بعدها داراً للمعلّمات والثانويّة الرسميّة للإناث قبل هدمها عام 1985).
(2) مراسم افتتاح البناء الجديد للمدرسة الطبية العثمانية في دمشق عام 1914
(3) رافق (عبد الكريم)، جامعة دمشق، صـ 14 -35
انظر:
مراسم افتتاح البناء الجديد للمدرسة الطبية العثمانية في دمشق عام 1914
الهيئة التدريسية وخريجو قسم الصيدلة في المدرسة الطبية العثمانية في دمشق عام 1913
من الأرشيف العثماني 1903- المنهج التدريسي للمدرسة الطبية العثمانية بدمشق
المشفى الحميدي والمدرسة الطبيّة العثمانيّة