من الصحافة
يوسف العاني: تل الزعتر ومؤتمر المسرح العربي بدمشق
نشرت صحيفة الجمهورية الصادرة في بغداد مقالاً لـ يوسف العاني في الثالث عشر من تموز عام 1976م، بعنوان: (تل الزعتر ومؤتمر المسرح العربي بدمشق)، تحدث الكاتب فيه عن تزامن ما يجري في تل الزعتر من عمليات عسكرية وحصار للمدنيين الفلسطينيين مع انعقاد مهرجان دمشق المسرحي.
المقال الذي نشر في صحيفة الجمهورية العراقية كان سلسلة مواد وأخبار صحفية نشرت في ظل الخلاف العراقي – السوري.
نص المقال الذي نشر في الثالث عشر من تموز عام 1976:
أمس بلغ عدد القتلى 500 قتيل! وقبل ثلاثة أيام كانت الجثث في الشوراع والجرحى بلا دواء!
واليوم تتصاعد حدة القتال والقذائف تتساقط بعشوائية على البيوت ومن فيها – ان بقي فيها بشر!
والأيام تمر وفي كل مدينة في الشمال والجنوب، في السهل والجبل من لبنان تنهال عليها القذائف من القوات الانعزالية ومن جيش حكام سوريا ..!
الأيام تمر و “تل الزعتر” محاصر تتساقط عليه الحمم من افواه المدافع على بعد عدة كيلو مترات عن دمشق! وقوى الخير كلها تستنكر هذا الموقف.
عفواً..!
فاتني أن أقول أن “مؤتمراً” يناقش “مشاكل المسرح العربي” يعقد، الآن .. الآن .. وأرجو ان تعيد قراءة كلمة “الآن” .. أكثر من مرة ..
والمؤتمر سبق وعقد عام 1973 ولابد وأن تتم لقاءات أخرى وأخرى لمناقشة “بنود” قرارات المؤتمر!
الآن – وقبل قليل – أذاعت الأنباء وصفاً “مأسوياً” لمجزرة ارتكبها الانعزاليون راح ضحيتها مئات من النساء والأطفال والشيوخ.
الآن اذاعت الأنباء أن الدبابات والمصفحات التابعة لحكام دمشق قصفت مواقع القوى الوطنية في طرابلس وصيدا..
الآن اذاعت الأنباء ان قائد جسر الباشا قد أعدم هو زوجته!
الآن يضرب “تل الزعتر”، تضرب القوة العربية التي تتحصن فيه كذخيرة لضرب العدو الصهيوني.
والآن يعقد المؤتمر المسرحي بدمشق لمناقشة قراراته ودراسة توصياته السابقة! قضايا هامة جداً، وذات قيمة جداً، ولكن متى؟
الآن ؟
ليت مسارح دمشق تستعيد اليوم بعض ما قدم على خشبتها من مسرحيات لفرق عربية وتتذكر كيف كان الحماس حاراً من أجل أن يكون المسرح العربي في خدمة قضيته!
من أجل أن يكون لفلسطين “مسرح”.. لا أن تكون فلسطين والفلسطينيون – عناصر مسرحية لمسرح تعاد فيه مآسي يوربيدوس واسخيلوس، وفق تخطيط وأساليب جديدة تقف والفن الإنساني علي طرفي نقيض!
قبل أيام قصفت صوفر، واليوم يقصف مخيم “البارد”، القصف يجري على مختلف الساحات.
ومسرح دمشق كم احتضن بالأمس من مسرحيات خيرة ليكون لكل مسرحية منها دور متقدم، ليكون لها أثر في توعية المشاهد واثارة يقظته بما يجري حوله من تآمر وجر قوى الخير العربية إلى مأزق ومزالق تفتت وحدة قواه الوطنية..
كل مسرحية كان لها دور بالقدر الذي توحي به..
(الحصار)، (الطوفان)، (ضمير المتكلم).. ومسرحيات من لبنان والجزائر.. ومسرحيات سورية (حفلة من أجل 5 حزيران).
كان ذلك يجري بروح الفنان الملتزم الواعي..
والآن؟
ماذا يجري على الساحة اللبنانية في أرض عربية زاهية؟.
أي فم هذا الذي لم يمتلئ بالدم وهو يجلس على طاولة المؤتمر المسرحي بدمشق؟ وأية كلمة سينطق بها ويقولها فنان من فناني المسرح العربي، فتخرج بلا دم ينفجر على حساب تمثيل مسرحية “رهيبة” لم يشهدها تاريخ المسرح، فصولاً كالفصول التي تؤدي وتمثل أحدائها الآن في لبنان.. وفي (تل الزعتر) بتركيز دقيق؟
من يتجرأ – الآن – ومن يعينه ضميره وانسانيته على هذه الجرأة، ليناقش الفقرة الأولى من توصيات المؤتمر:
” متابعة الحركة المسرحية العربية في الوطن العربي وتنسيق توثيقها”..
(تل الزعتر) هذه المسرحية الأسطورية البطلة، يصد الهجمات ما بعد الخمسين.. أنه يحاصر ويستعر ويقاتل ويقاوم ويهاجم!
أية مسألة من قضايا الضمير النقي، يمكن ان تجد مكانها في مناقشة “قضية” غير هذه القضية مسرحية “تل الزعتر”، الأبرياء الذين يقتلون، والضحايا الذين يتساقطون، والتدخل الذي حمى اليمين الرجعي لكي يؤدي دوره كاملاً..
لماذا تمثل هذه المأساة الرهيبة؟ ولماذا لا يناقشها المسرحيون في مؤتمرهم.. وتعلن الآراء صريحة واضحة بلا التواء..
الآن وليس في أي وقت آخر..
أما الفقرة الخامسة من توصيات المؤتمر المسرحي:
“تسهيل التبادل الفني بين الفرق العربية ودعمه وتنسيقه”فيمكن ان تؤجل هي وكل الفقرات الأخرى.. وتظل المسرحية الأسطورة “تل الزعتر” هي الموضوع الرئيس وهي القضية الرئيسية وهي الراية الخفاقة التي لن تسخر من كل ما يقال في مؤتمرات لا قيمة لها الآن البتة.
اقرأ:
صحيفة الشعب 1976- بعد صمود “52” يوماً سقط تل الزعتر