ألقى علي سليمان معاون وزير الثقافة كلمة وزارة الثقافة في حفل تأبين الفنان أحمد مادون الذي أقيم بمناسبة مرور أربعين يوما على وفاته – يوم الأحد 26- 6 -1983 في المركز الثقافي العربي بدمشق.
نص الكلمة:
منذ أكثر من عشرين عاما ، وأنا أعرف “أحمد مادون” عرفته صديقا ورفيقا , ثم عرفته فنانا ..ودائما ، بقي أحمد مادون ، الصديق والرفيق والفنان ، انسانا ..
كل شئ كان يتغير في أحمد مادون ، نسيجه الفني ، أسلوبه ، أدواته ، مكان عمله .. عدا قلبه الطفل ، حماسته ، عطشه ، تمسكه بالجذور ..هذا كله لم يتغير، بل نما وازداد ، لان الفنان في أحمد مادون كان دائم النمو ..لقد بقي محافظا على الطفولة والحماسة والظمئ الروحي ، بقي ممسكا بالجذور والبراءة وبذرة الحلم والضوء ، وعندما كان الواقع العربي يخذله ، كان يعود الى الجذور ليمسك بها ، برموزها ومدلولاتها وايحاءاتها وقدرتها على الخلق . وعندما كان لون الواقع العربي ، يلون الحياة بظله القاتم ، كان أحمد مادون ينتزع للحياة لونا نقيا ومضيئا ومتفائلا من أعماقه الصافية .
صحيح أن ألوانه كانت تحمل قدرا من الحزن والألم والقلق والوجع الروحي … ، إلا ان بحيرة قلبه ، كانت دائمة الصفاء ، مشعة دافقة عامرة بالنقاء والضوء والبراءة والمحبة .
لهذا كله ، أحببنا أحمد مادون ، ولهذا كله ، كانت خسارتنا كبيرة برحيله .
لقد خسرته وزارة الثقافة والحركة التشكيلية ، فنانا مبدعا ، وخسرناه نحن أهله وأصدقاءه ، أخا وصديقا وفنانا وانسانا ومعيلا ..
ولكن متى خسرناه ؟!
خسرناه ، عندما أوشك على اجتياز الطريق الصعبة ، عندما نجح في تفجير طاقاته الخلاقة المبدعة ، وعندما اهتدى إلى منابع الالهام في عمق حضارتنا العريقة ، وعندما توفر لديه نسيج مادة الابداع وغدت الادوات طيعة في يده، وعندما تمكن من الوصل الحي بين الرماد وبين البراعم ، بين البدايات وبين الاقاصي .
لست ناقدا تشكيليا ، لاتحدث عن فن أحمد مادون لكن يمكن أن أتحدث طويلا عن أحمد مادون نفسه – أصل فنه وأصل ابداعه .
ما وقفت مرة أمام لوحة من لوحاته ، أو معرض من معارضه ، إلا استوقفني حجم التوهج والاشتعال في نفس هذا الفنان الشاب ، وحجم الضوء الصافي ، وكذلك حجم القلق والمعاناة الانسانية والعشق للجذور والاصول ، ولكل ما هو صاف ونقي وأصيل .
وما لقيته مرة ، الا رأيته في فنه ، ورأيت فنه فيه..
مالقيته مرة ، الا كان متفجرا متحفزا “كأنه يبحث عن شئ افتقده ، أو ينوي انجاز عمل عليه أن ينجزه سريعا..كان يبدو لي كغيمة محتقنة متعجلة ، أمامها موعد مع الأمطار . أو كأنه يحس بأن شعلة روحه المتوهجة مهددة” بالانطفاء أو كان الزمن المتبقى له في وعاء الحياة أوشك على النفاد .
واذا كانت الحياة تنتهي عادة بسبب الشيخوخة والانطفاء الوجداني والانفعالي .. فان حياة احمد مادون انتهت من شدة الحيوية وشدة الاشتعال .
لقد كان منذ سنوات مسكونا بهاجس الموت ، وردا على هذا الهاجس كان يعمل على مسابقة الموت يعمل على قهره أو الانتصار عليه ، قبل أن يقع في كمينه .
وقد أفلح فناننا الراحل عبر دأبه وفنه ، ولكنه أخفق في إفلات جسده من مصيدة الموت عندما ترصده وعاجله ..
عزاؤنا أن أحمد مادون ، حي في نسيج فننا ، وباق في وجدان أجيالنا ، كما هو ماثل وباق في نفوسنا .. فرحمك الله أيها الصديق الفنان الانسان
رحمك الله رحمة واسعة ..
علي سليمان
معاون وزير الثقافة
انظر من لوحات الفنان أحمد مادون:
من وحي تدمر (2) – لوحة للفنان أحمد مادون (28)
من وحي تدمر (1) – لوحة للفنان أحمد مادون (27)
معلولا (2) – لوحة للفنان أحمد مادون (26)
معلولا (1) – لوحة للفنان أحمد مادون (25)
غروب في تدمر – لوحة للفنان أحمد مادون (24)
تكوين .. لوحة للفنان أحمد مادون (23)
وحي تدمر .. لوحة للفنان أحمد مادون (22)
واحة .. لوحة للفنان أحمد مادون (21)