مقالات
حمصي فرحان حمادة: مذكرات الشهيد الطيار حسين جاهد عام 1945
مذكرات الشهيد الطيار … حسين جاهد عام 1945 م
دوّن الشهيد حسين جاهد في مذكراته التي أطلعنا عليها، تلك الأيام التي انتفضت فيها مدينة “دير الزور”، حيث قضى فيها ردحاً من عمره قبل أن ينتقل إلى “الرقة”، ليستقر فيها إلى الأبد، إنها ثورة عام 1945، فيما يلي بعض مذكراته الشخصية:
(سأتلو عليكم بعضاً من أيام تركت تأثيراً هاماً في شخصية هذا البطل، لقد عَشَّقت هذه الأيام في روحه حبُّ الوطن، وبُغض المستعمر، وهي تتمتع بخصوصية بالغة، ولكن لله والتاريخ، سوف أفتحها أمام الناس جميعاً، حتى يشاهدوا جانباً غير معروف للجميع بشخصية “حسين جاهد”، وسأبدأ بأيام مختارة من مذكراته الشخصية، أولها:
السبت 3 شباط 1945:
(أضربت مدينتنا “دير الزور” في هذا اليوم، مطالبين بالجيش، وقد تقدم الجمهور، طلاب المدارس، وفي مقدمتهم نحن طلاب التجهيز).
الأحد 25 آذار 1945:
(خرجت للذهاب إلى المدرسة، وما وصلتها حتى رأيت جموع الطلاب مجتمعين، وهم في حالة هيجان، وقد قرروا الإضراب لمسألة الصهيونية وفلسطين، فانخرطت بجموعهم، فنزلنا في الساعة الثامنة والنصف ونحن ننشد الأناشيد الوطنية، ونسقط أنصار اليهود، ثم انتهينا عند “السراي”، فخطب المحافظ فينا، ثم مدير مدرستنا، وعند ذلك أصبحت قطرات المطر تنهمر، فسار الموكب إلى الحاكم السياسي البريطاني والفرنسي، معلناً احتجاجه بعد الظهر، إلى قريب المغرب).
السبت 19 أيار 1945م:
(دخل علينا المدير في هذا اليوم، ونحن في الصفوف، ونبهنا بعدم الاختلاط بأي
شخص كان، وبعدم التجمع في الليالي).
الأحد 20 أيار 1945:
(أتيت إلى المدرسة في هذا اليوم، وإذ بي أرى التلاميذ متجمهرين وقد نووا على الاضراب، وما إن دقت الساعة الثامنة، حتى اجتمعنا كتلةً واحدة، وانحدرنا كالسيل الجارف إلى السوق، نسقط “ديغول”، ونحيي الوطن، ألقيت الخطب أمام “السرايا”، وحتى البنات أضربن، ثم انصرفت جموعنا في الساعة الثانية عشر).
الاثنين 21 أيار 1945:
(في هذا اليوم لم يتركني والدي أذهب إلى المدرسة، وفي الليل عندما كنت جالساً، وإذ بي أسمع هتافات وهوسات، ارتديت ثيابي على عجل وهرولت إلى السوق، وإذ بالجماهير بالآلاف يسيرون في السوق، ويهوسون، وقد أخذ الحماس منهم كل مأخذ، وأخذ البعض منهم يطلق الرصاص في السماء، حتى وصلنا الشرطة الفرنسية، فصاروا يضربونها بالأحجار ويسقطون “ديغول”، إلى أن جرح اثنان من الشرطة الفرنسية، وحتى الآرمة الموضوعة على الباب خلعوها، وعلقوا محلها حذاءً ممزقاً، ثم انصرفت جموعهم في الساعة العاشرة).
الثلاثاء 22 أيار 1945:
(ذهبنا إلى المدرسة في الساعة السابعة، وانتظرنا حتى الثامنة ولم يأت أحد، جاء المدير لاحقاً وأخبرنا أن الفحص قد تأجل إلى أجل غير مسمى، فحزنت لذلك كثيراً، ولما أردنا الرجوع لمنازلنا، جاء المحافظ بسيارته وقال لنا:((أولادي أرجو أن لا تُضربوا اليوم، لأن الفرنسيين لديهم سلاح، وليس لديكم شيء، واستعدوا لحين قدوم الأمر من الوزارة، ثم ندبر شغلنا معهم).
الأربعاء 23 أيار 1945:
(وأما من جهة الإضراب فإن جميع البلاد السورية قائمة على قدم وساق).
الجمعة 25 أيار 1945:
(بقيت المدينة مضربة، وفي هذا اليوم أمر المحافظ جميع أهل الحَبِّ والبيادر، أن لا يعطوا الفرنسيين أهل الميرة الحَبّ).
السبت 26 أيار 1945:
(ما زالت المدينة مضربة، وما زلنا نحن الطلاب نحرِّض الأهالي بالمناشير، والخطب، وفي هذا اليوم جلست ووالدي نستمع للراديو، لسماع نشرة الأخبار).
الأحد 27 أيار 1945:
(العرب يتكاثرون بصورة عنيفة، حتى أنك لا تسير بطريق، إلا وترى جموعهم، وقد تمنطق كل واحد منهم ببندقية).
الأربعاء 30 أيار 1945:
(ذهبت في هذا اليوم إلى المدرسة لأننا كنا ننوي الإضراب، ولكنني لم أجد إلا تلاميذ قليلون، وبينما كنا نتأهب، وإذ براكب دراجة يخبرنا بأن “الديريين” أحرقوا سيارة فرنسية، ويجب علينا أن لا نُضرب ففعلنا، ثم نزلنا متفرقين، فما وصلنا السوق حتى رأينا آلاف الناس، وقد اجتمعوا وأحاطوا بشيوخ العرب، وابتدأ إطلاق الأعيرة النارية، فذهبنا إلى أمام السرايا، وخطب فينا الأستاذ “السرَّاج”، خطبة هيجت الشعب، وبعد ذلك هجمت الجموع إلى دار “شونيل”، فقابلهم “السريان” بالرشاش، وقتلوا اثنين، كما قتلوا ابن شيخ العرب، وعندها هاج الشعب، وهجم على دار “شونيل”، وبعد حرب فتحنا الدار، وقتلنا الجنود الذين فيها، وكانوا /9/ جنود، وألقينا جثثهم في الماء عند الجسر القديم)».
الخميس 31 أيار 1945:
(إن الشجاعة التي أبديناها اليوم لا يتصورها العقل، فقد هجمنا قبل الظهر تحت نيران المدافع الرشاشة، والرصاص إلى المندوبية، وبعد نصف ساعة احتللناها، دون أن يقتل منا قتيل، ثم أتبعناها بالاستخبارات، واستشهد منا /3/، وجرح /4/، وقتلنا منهم /4/، وجرحنا /2/، ولكننا أخيراً احتللناها، ولم يبق علينا إلا “البرديتية”، التي لم نستطع اقتحامها لأنها محصنة تماماً، فلما رأى العرب ـ أهل الريف ـ ذلك، وأن القنابل اليدوية لم تعد تنفع، قال أحدهم: سأنجز المهمة حتى لو كان الثمن بروحي، ودخل الدار المقابلة للـ “برديته”، وبعد ربع ساعة وإذا به فوق السطح، وهجم الشعب على الباب وحطمه، فقبضنا على الفرنسيين، وكان عددهم ثلاثة، وهرب الباقون).
السبت 2 حزيران 1945:
(أقبلت طائرة فهرب أهلي إلى البستان، وبعد ربع ساعة تبعتهم، فلم أجدهم، فأخذني “جاسم محمد” الدركي إلى بساتين بعيدة، وأخيراً وجدت أهلي، فجلست وإياهم مع الرجال، المحاسب و”جلال” بك، وغيرهم، وتجاذبنا أطراف الحديث إلى وقت شارف به آذان المغرب، ثم افترقنا، واشتريت تفاحاً وأنا عائد إلى الدار).
الأحد 3 حزيران 1945:
(قبيل المغرب لبست بذلتي، وذهبت إلى البيوت المتهدمة من جراء إلقاء القنابل، فاقشعر بدني، ثم عدت إلى البيت).
الأحد 24 حزيران 1945:
(ما زلت أدرس اللغة الفرنسية، وقد أنهيتها كمادة اليوم، ورسخت جميع دروسها في ذهني رسوخاً شديداً، رغم كرهي للفرنسيين، ولكنها لغة ونحن مجبرون على دراستها، إن شئنا النجاح في صفنا).
اقرأ:
الشيخ موسى القولي – النسب والطب الشعبي .. شخصيات في ذاكرة الرقة
المختار خلف القاسم – شيخ عشيرة أكراد الرقة .. شخصيات في ذاكرة الرقة
الشيخ عبد اللطيف البوحبال – ابن سبع الحمرة .. شخصيات في ذاكرة الرقة
حامد الخوجة .. أول مبتعث ..أول وزير..
الشيخ خلف الحسان – شيخ عشيرة البوعساف .. شخصيات في ذاكرة الرقة
الأديب خليل الحميدي .. شخصيات في ذاكرة الرقة
محمد وهبي العجيلي .. شخصيات في ذاكرة الرقة
المحامي عبد المجيد الجدوع – رجل المواقف .. شخصيات في ذاكرة الرقة