فكرت كثيرا حول كيفية تقديم ملف عن الفن التشكيلي السوري المعاصر في القطر، ولم أجد طريقة ناجحة ومجدية وتحمل الكثير من الموضوعية سوى اشتراك بعض الفنانين والنقاد الذين اعتقد بأنهم يمثلون آراء متباينة ويعالجون طرحهم الفني بأساليب مختلفة وينتمون الى أجيال متفاوتة وذلك توخيا للشمولية والدقة والموضوعية والفكرة هذه كنت أعتقدها مغامرة حقيقية عندما طلبها الزميل الشاعر محمد عمران وبملاحقته اليومية واصراره الجدي سيظهر هذا الملف الى الوجود وعلى حلقات يومية على صفحات الثورة.
ان الحوار المتبع في الملف حدث بشكل منفصل كل محاور بعيد عن المحاور الآخر ..ولذا فالآراء المقدمة لم تخضع للجدل فهي تعبر عن أصحابها وعن فهمها وتحليلها لهذا المجال الحيوي ووجدت بالضرورة ان مناقشة الآراء تحتاج الى ملف اخر ولذا اكتفيت بما سميته – إضافات او رأي المحرر – وهي نقاط اردت ان اشير من خلالها الى أمور قد اجدها ضرورية وملحة مستعينا بمراجع عديدة توخيا للدقة سنذكرها في نهاية الملف .
ان الملف قد يحوي بعض الملاحظات او الأخطاء او الآراء التي قد لا نتفق معها ولكننا في الاخر نطمح الى تقديم صورة معقولة عن مرحلة هامة من الفن التشكيلي السوري المعاصر 1950-1978 هذا الفن الذي يشكل جزءا هاما من حياتنا الثقافية المعاصرة.
صلاح الدين محمد
المشاركون في الحوار :
فاتح المدرس : فنان تشكيلي ، درس التصوير في روما وباريس أستاذ مساعد في كلية الفنون الجميلة .
نعيم إسماعيل: فنان تشكيلي ، درس التصوير في استانبول مدير الفنون الجميلة في وزارة الثقافة .
أحمد مادون : فنان تشكيلي ، بكالوريوس إدارة أعمال من جامعتي القاهرة ودمشق ، دراسة واطلاع في اليابان .
خليل عكاري : فنان تشكيلي ، درس التصوير في جامعة بريفان بارمينيا السوفييتية .
طارق الشريف : ناقد فني ، مجاز في الفلسفة ، المحرر الفني لجريدة تشرين .
صلاح الدين محمد : ناقد فني ، بكالوريوس في الهندسة المعمارية المحرر الفني لجريدة الثورة .
ماذا عن واقع الحركة الفنية في الخمسينيات؟ .. وهل تعتقدون بانها كانت بداية سليمة لحركة كانت لها طموحات كبيرة؟
نعيم إسماعيل : بكل تأكيد أقول ان الخمسينات كانت بداية سليمة لحركة كانت لها طموحات كبيرة ويتجلى ذلك الى جانب نشاط الفنانين غير المألوف – باهتمام الدولة بالفنون حيث رسخت تقاليد المعرض السنوي لفناني القطر وتقررت الجوائز للفنانين البارزين .. وفي أوائل الخمسينات عملت الدولة لأول مرة – على إرسال البعثات والايفادات للتخصص في الفنون وما تزال البعثات حتى اليوم مع ازدياد عدد الموفدين او المبعوثين الى حد لا يقارن ومع تعدد واختلاف الاختصاصات.
ومع أوائل الخمسينات كذلك تيقظت فكرة التعبير عن الحياة المحلية ومحاولات لخلق فن عربي وفي أواخر الخمسينات مع قيام دولة الوحدة بين سورية ومصر أحدثت وزارة الثقافة والإرشاد القومي وتضمنت هذه الوزارة مديرية الفنون الجميلة حيث تولت هذه المديرية رعاية المعارض واقتناء الاعمال الفنية والعمل على توزيعها على مختلف دوائر الدولة وبخاصة وزارة الخارجية وسفاراتنا في مختلف الدول .
فاتح المدرس : نعم . كانت بداية سليمة من قبل الفنانين وبداية غير سليمة من قبل الفكر المشرع آنذاك وعلى الرغم من كل هذا التقصير من قبل السلطات الفكرية الموجهة ، كان الفنان العربي السوري يمشي جنبا الى جنب مع الفنان الأوربي الفارق الزمني بين اول لوحة سريالية في أوروبا وأول لوحة سريالية في سورية هو 25 سنة فقط بينما نرى الفارق التكنولوجي ينخفض الى ثلاثة قرون ، لعلك قرأت فوز لوحتي راقصة العصر عام 1952 بجائزة استحقاق award of merit من معرض ليكلاند الدولي في فلوريدا على هذا الأساس كان المشرع الفكري من ناحية الفنون التشكيلية جاهلا بما يجري في العالم بينما كان الفنان السوري يناضل فكريا وبصمت .
طارق الشريف : ان المنعطف الذي مرت به الحركة الفنية في الخمسينات هو عدوان عام 1956 اذ ان الحركة الفنية التقليدية اتي تقتصر على المناظر والمواضيع والتجارب الانطباعية تبدلت عام 1956 عندما حدث التبدل الهام الذي جعل التجارب الحديثة تأخذ أهميتها ، فالفن التشكيلي ارتبط بالأحداث واوجد جذوره واصالته ، وبدا يحمل لغة جديدة متطورة ولهذا فان مرحلة 1956-1960 كانت المرحلة المليئة بالوعود التي تمثلت مع تجارب (ادهم إسماعيل – نعيم إسماعيل –برهان كركوتلي – مروان قصاب باشي وغيرهم وعلى أيديهم بدأت مرحلة حديثة هامة في تاريخ الفن التشكيلي تعكس واقع العرب في فترة (وحدة مصر وسورية) وتطلعات العرب في تلك المرحلة الى إيجاد فن متميز له جذوره واصالته وجدية بحثه عن لغة معاصرة لطرح مشكلات ماثلة للعيان .
أحمد مادون : لم أعاصر تلك الفترة (الخمسينات) ولكن يبدو لي انها كانت بداية التحرك الفني بغض النظر عن طموحاتها من حيث قابليتها وقدرتها على الكشف والخلق وتطوير الأساليب ، فما نشاهده حاليا من اعمال تلك المرحلة لا نستشف منها اكثر من محاكاة الطبيعة مع إدخال بعض الأساليب الجديدة فنيا علينا من انطباعية شورى وجعفري وتعبيرية مروان قصاب باشي وحماد ، إلا أن اللافت النظر في تلك المرحلة وما بعدها أعمال المرحوم ادهم إسماعيل والتي ربما كانت الوحيدة في تلك المرحلة التي تحمل بذور البحث الجدي والذي تبلور في ما بعد في أعماله في الستينات ، ويمكن ان نأخذ بعين الاعتبار الظروف الصعبة التي كان يعيشها ويعانيها الفنانون الرواد آنذاك
خليل عكاري : انني اعتقد جازما بان الحركة الفنية في الخمسينات كانت تمثل بداية سليمة وصحيحة للحركة الفنية في القطر ، لوجود عدة عوامل ساعدت على ذلك ، منها أولا اندفاع الفنانين في تلك الفترة في سبيل انتاج (فن) وكان الفنان لا يتوانى عن المغامرة في سبيل كسب المعرفة والاطلاع الفني ، رغم الظروف المادية السيئة التي كانت تحيط به . وثانيا وجود مبدأ التنافس الفني على مستوى المعارض السنوية التي كانت تقام في تلك الفترة، والذي وضع الفنان امام منافسة فنية، فكان يحسب حسابا حقيقيا للمعرض قبل سنة كاملة من افتتاحه وثالثا: طريقة انتقاء الاعمال المعروضة ورفض اغلب الاعمال هابطة المستوى وعدم قبول سوى اللوحات الجيدة (طبعا العملية نسبية واتكلم عن المبدأ في التعامل الفني)
إضافات المحرر:
فترة الخمسينات:
1- شهدت المرحلة الانتقالية من الجهد الفردي الى التنظيم الجماعي
2- شهدت بوادر المرحلة الانتقالية من فن تقليدي للمدارس الغربية الى فن ذي هوية محلية وبالتالي تبلور الاتجاهات الخاصة.
3- شهدت وبكثافة البعثات الفنية الى الخارج.
4- شهدت تاريخيا نتائج الاستقلال وحرب فلسطين – حرب 1956-الوحدة العربية بين مصر وسورية – استقلال الكثير من البلدان العربية وكفاح بعضها من اجل الاستقلال … وقد أثر ذلك على الطرح الفني.
5- شهدت على صعيد الجمعيات (الجمعية السورية للفنون 1950-1958) و(جمعية محبي الفنون الجميلة 1952-1955) – (رابطة الفنانين السورية للرسم والنحت واستمرت حتى عام 1961) وكانت اول جمعية تنظم معارض جماعية.
6- شهدت على صعيد المعارض (إقامة المعرض الرسمي الثالث بإشراف وزارة التربية عام 1950 في المتحف الوطني لعموم فناني القطر) ومعارض جماعية أخرى.
7- شهدت ولادة وزارة الثقافة والإرشاد القومي 1958 وبالتالي تضمنت مديرية الفنون الجميلة. شهدت ولادة اكاديمية صاريان بحلب 1956.
8- كان هناك مركزي ثقل في القطر احدهما في حلب (فتحي محمد – فاتح المدرس – عدنان ميسر – وهبي الحريري – نوبار صباغ – حزقيال طوروس – زار كابلان – إسماعيل حسني وغيرهم ) واخر في دمشق (ادهم إسماعيل – محمود حماد نصير شورى – رشاد قصيباتي – ميشيل كرشه – صلاح الناشف – نعيم إسماعيل – برهان كركوتلي – مروان قصاب باشي وغيرهم )
9- ظهور فن الحفر لأول مرة حيث لم يكن معروفا قبل عام 1958 (بدأه حماد وقشلان ومن ثم غياث الاخرس الذي احترفه نهائيا)
10- القيام بأول معرض جماعي في الخارج (روسيا – بولونيا – هنغاريا – رومانيا – بلغاريا) حيث استمر المعرض من تشرين الثاني 1957 وحتى تشرين الأول 1958
11- استقبال معارض اجنبية (معرض التصوير في الاتحاد السوفييتي 1957، المعرض الألماني 1957، المعرض البولوني 1958، المعرض البلغاري 1958).
12- وهكذا يمكن اعتبار الفترة بداية جيدة وسليمة لطموحات كبيرة.
صلاح الدين محمد: كثيرون يرون في مرحلة الستينات المرحلة الذهبية في تاريخ الحركة الفنية في القطر من حيث نوعية الطرح الفني وجديته …فاذا كان هناك قبول لهذا الرأي، فكيف ترون سمات تلك المرحلة ؟؟
طارق الشريف: ان مرحلة الستينات تميزت بعدة أحداث. وبتطور الحركة الفنية من صيغة ذاتية، وتجريدية وبصراع التجريد مع التجارب الواقعية. وبمرحلة انعطاف هامة تمثلت في عدوان عام 1967 الذي مثل هزة للفنان ليربط عمله بالواقع ويلائم بين لغته التشكيلية وبين الاحداث. لهذا فالمرحلة الهامة في تاريخ هذه المرحلة هي فترة (1968-1970) لان تجارب فنية عديدة ومتميزة قد تبلورت واخذت أهميتها وحاولت ان تقدم اشكالا فنية متطورة منبثقة من الواقع. ومن التراث وتعبر عن الواقع السياسي والاجتماعي وقد مثل هذا التطور (نذير نبعة – نشأت زعبي – خزيمة علواني – أسعد عرابي – غياث الاخرس – نعيم إسماعيل – عبد القادر ارناؤوط ، ولم يقتصر عمل الفنان في تلك المرحلة على مواجهة القضايا الملحة بل حاول ان يقدم شكلا جديدا من التكتل بين الفنانين مثلته (جماعة العشرة من أجل فن متميز له صلة بالتراث وربط العمل الفني بالواقع ومشكلاته .
فاتح المدرس : السمة الرئيسية كانت جادة وكفاح مستمر لإيجاد معادلة تشكل الجسر بين الماضي والحاضر وتخلق هوية عربية سورية في الفن التشكيلي واستطاع الفنان في بلادنا الوقوف جنبا الى جنب مع الفنان الغربي بهوية عربية .
أذكر بينالي 1960 في فينيسيا وبينالي سان باولو 1963 حيث فزت بوسام شرف هذا الى نشاط غيري من الفنانين الجادين. لقد كنا نبحث بحثا علميا لإيجاد جسر مقطوع من ألفي عام.
نعيم إسماعيل: ليست هناك بعد مرحلة ذهبية في القطر العربي السوري ونأمل أن يكون ذلك في المستقبل القريب.
أحمد مادون : لقد عاصرت تلك المرحلة منذ بداياتها ولم أكن أعرض يومها ولكن كنت أتابع أغلب معارضها وأرى بأن سمات مرحلة الستينات يمكن تلخيصها أو تلخيص عواملها بما يلي :
1- عودة عدد من الفنانين من دراستهم وعلى الأخص من إيطاليا وقيامهم بطرح جديد تماما بالنسبة لما كان معروفا.
2- كان للمعرضين الدوريين (الربيع والخريف) أثر ملموس في بروز تجارب بعض الفنانين وتنشيط الجو الثقافي والفني. وعلى سبيل المثال كانت اهتمامات المثقفين والكتاب بالفن التشكيلي أكثر مما هي عليه الان وهذه نقطة كانت في صالح الطرفين الفنانين خصوصا والمثقفين بشكل عام.
3- تميزت بإنشاء صالات عرض (الصيوان … الفن الحديث العالمي) وقد تغيرت الأخيرة فيما بعد إلى أورنينا كما كانت تشهد بعض المعارض في البيوت.
4- دور الصحافة كان مميزا وظهر بعض من يكتبون في الفن عن دراية او عن طريق التجربة والخطأ والصواب. إلا أن التحليل الجدي للأعمال التي كانت تعرض وقتها لم يكن عميقا بما فيه الكفاية. وما نراه اليوم ليس أفضل مما كان بالأمس عدا استثناءات قليلة …كرست أسماء ولنقل أعطت حجما ليس هو حجمها الحقيقي. مما هي فيما بعد لظاهر سلبية لهذه الأسماء ذاتها والتي نحترم عطاءها ومجدها بدون تلك الهالة من التقديس التي ظهروا بها آنئذ .
خليل عكاري : لا اعتقد أبدا أن فترة الستينات هي الفترة الذهبية في تاريخ الحركة الفنية في القطر ، لا من حيث نوعية الطرح الفني او جديته …اذا ان فترة كهذه لم تمر بعد …وهكذا اعتقد بأن هذه الفترة كانت متابعة سليمة لفترة السابقة وتتمة لها حيث رفدت الحركة ببعض الفنانين الجدد . الذين درسوا الفن في أوربا ومصر واستطاعوا أ، ينشروا بعض المذاهب الفنية الجديدة.
اضافات المحرر :
1- افتتاح مركز الفنون التطبيقية عام 1963في دمشق والبدء في إقامة معارض ضمن المجال (معرض عام 1969 في المتحف الوطني ..)
2- ظهور فن الإعلان الحديث منذ بداية الستينات.
3- الانفصال – نكسة حزيران – حرب اليمن ..ظهور المقاومة الفسطينية: أحداث هامة في حياة الفنان …وبدأ يظهر لأول مرة معارض بعنوان معرض التعبئة – معرض القضية .. الصمود ..الفنانون يشهدون العدوان 1967.
4- افتتاح كلية الفنون الجميلة عام 1960 ثم الحقت بالجامعة عام 1967.
5- ازداد نشاط الكتابة في الفن عبر الصحافة اليومية ولكن الكتابة لم تتعد السطحية والسرد والوصف …ولم يكن هناك التفكير الفني او التقييم التقني للعمل الفني …. نستثني هنا بعض الكتابات.
6- تأسست جمعية أصدقاء الفن 1962 و حلقة التكامل الاجتماعي والفنون 1961.
7- تأسيس نقابة الفنون الجميلة …
8- افتتاح مراكز الفنون التشكيلية في المحافظات منذ بداية الستينات.
9- عودة الكثير من الفنانين بعد إتمام دراستهم في الخارج والفنان لؤي كيالي يقيم معرض في سبيل القضية ربيع عام 1967 ويمزق اعماله كلها بعد نكسة حزيران.
10- ظهور أسماء فنية جديدة وجادة (لؤي كيالي – وحيد استانبولي – عبد القادر ارنتاؤوط – نشأة زعبي – خزيمة علواني – وحيد مغاربة وغيرهم )
11- إقامة معرضي الربيع في حلب ومعرض الخريف في دمشق.
12- الاشتراك في المعارض العالمية بينالي البندقية والإسكندرية وساو باولو وإقامة معارض خارج القطر (القاهرة 1960-بغداد 1963 – بيروت 1964 – قبرص 1965 – الجزائر 1966 والمعرض المتجول في اوروبا من عام 1969 – 1970.
المشاركون في الحوار :
فاتح المدرس : فنان تشكيلي ، درس التصوير في روما وباريس أستاذ مساعد في كلية الفنون الجميلة .
نعيم إسماعيل: فنان تشكيلي ، درس التصوير في استانبول مدير الفنون الجميلة في وزارة الثقافة .
أحمد مادون : فنان تشكيلي ، بكالوريوس إدارة أعمال من جامعتي القاهرة ودمشق ، دراسة واطلاع في اليابان .
خليل عكاري : فنان تشكيلي ، درس التصوير في جامعة بريفان بارمينيا السوفييتية .
طارق الشريف : ناقد فني ، مجاز في الفلسفة ، المحرر الفني لجريدة تشرين .
صلاح الدين محمد : ناقد فني ، بكالوريوس في الهندسة المعمارية المحرر الفني لجريدة الثورة .
من وحي تدمر (1) – لوحة للفنان أحمد مادون (27)
معلولا (2) – لوحة للفنان أحمد مادون (26)
معلولا (1) – لوحة للفنان أحمد مادون (25)
غروب في تدمر – لوحة للفنان أحمد مادون (24)
تكوين .. لوحة للفنان أحمد مادون (23)
وحي تدمر .. لوحة للفنان أحمد مادون (22)