مقالات
صلاح الدين البيطار: عفوك شعب سوريا العظيم
(عفوك شعب سوريا العظيم) هو آخر مقال كتبه صلاح الدين البيطار، ونشر في مجلة الإحياء العربي في العدد 21 الصادر في الخامس والعشرين من تموز 1980. أي أنه تم نشر المقال في المجلة بعد إغتيال صلاح الدين البيطار في الحادي والعشرين من تموز 1980.
نص المقال:
عفوك شعب سوريا العظيم
عفوك شعبنا العظيم،
شعب البطولات والتضحيات، والجهاد والفداء والاستشهاد، شعب الصبر على المكاره والمكائد إلى حين ثم الثورة على البغي والظلم.
شعب الشاهدين، وقلوبهم تدمى، على أبشع أشكال القمع والإرهاب وممارسة التعذيب والقتل والسحل على الأب والأبن والأخ والزوج، على أستباحة المدن وتدمير المساكن بالطائرات والمدافع والدبابات فوق رؤوس سكانها الآمنين على القتل الجماعي والإعدامات الميدانية.
شعب العروبة الخالدة الوثيقة الصلة بالقيم الإسلامية والمنفتحة على القيم الإنسانية العالمية، شعب الخصوصية القومية.
شعب سورية العربية المعطاء شعب القلق الدائم على مصير أمتك، ما ضننت على ثورة شعب في وطنك العربي إلا لبيتها بالنفس والنفيس، بالمشاركة الفعلية أو الوجدانية، بالأمس في الجزائر وقبل الأمس في ثورة عبد الكريم في الريف وثورة عمر المختار في طرابلس الغرب، ودائماً في فلسطين وبعفوية، وبدون منه، كطبيعة فيك تاريخية وعقيدة عندك وحدوية،
عفوك شعبنا الجريح الذبيح،
إذا ما تطلعت نحو القريب والبعيد، وتلفتت نحو الشمال واليمين خارج الحدود ترقب بصيص أمل في نجدة معنوية وسياسية وإعلامية تأتيك من وراء هذه الحدود لوقف الظالمين ظلمتهم، عفوك إذا ارتد طرفك وهو كليل.
عفوك إذا الملوك والأمراء والرؤساء هنا وهناك رأيتهم بستقبلون السفاحين الملطخة أيديهم بالدماء، بالأمس القريب في جسر الشغور وحلب وحماة، واليوم اليوم في تدمر.
استقبال الفاتحين لمجرد أنهم اعتصبوا قطراً، وأقاموا فيه بالحديد والنار ملكاً، عفواً إذا القدر فرض عليك أن تحمل العبء وحدك.
وعفواً ايضاً، اذا كنا، وسط الهرج والمرج والممارسات اللامعقولة، نتكلم لغة العقل، فننادي في وجه نظام الحكم بشريعة الغاب بالدفاع عن حقوق الإنسان في ساعة يقضى فيها بكل بساطه على حياة الإنسان حتى دون استنئذان من قانون الطوارئ، حتى دون لجوء إلى محاكم ميدانية.
فوالله لا تغفل لنا عين ولا يرتاح لنا بال ولا نقلل من روعة جهادك واستشهادك، ولكننا ونحن نلمح نصرك القريب، نصوغ من المآسات التي لم تعشها سورية في أي عهد من عهود الظلم، الكلمة المقاتلة لتأخذ مكانها إلى جانب سيفك المقاتل كي يحققا عملاً يسجل على صفحات التاريخ فنحن نلمح في الافق، كما تلمح، ليس فقط اضمحلال هذا النظام وسيرة إلى نهايته، وأنما غيابه إلى الأبد شكلاً وموضوعاً، مؤسسات وروحاً، هو وكل نظام يخلق من ضلعه الأيسر، وإنما انبلاج فجر نظام جديد نابع من صلب شعبنا العربي ليأتي التغيير كيفا لأكمل وتستطيع سورية أن تعيش حياة جديدة سليمة قويمة متحررة من هذا النظام ولكن حرة.
عندما قلنا في مقالات سابقة في العربي أن سورية مويضة وتعاني مأساة لم نكن نطلق الكلام على عواهنه ونأتي بذلك من بنات فكرنا، وإنما كنا نشخص حالة واقعية فريدة نستشفها من تقصي الأخبار الصحيحة ومن مكابدة ذاتية لهذه المأساة.
وعندما قلنا أن هذا النظام بطابعه المزدوج الاستبدادي والطائفي من جهة، وبعناد ومكابرة القائمين عليه من جهة أخرى، لن يقف في أعماله الوحشية عند حد، بل يجد نفسه مسوقاً، بسبب طبيعته وطابعه، نحو تصعيد عمليات العنف. فلم نكن نرجم بالغيب، وأنما كنا نستند إلى تحليل علمي لنظام أقام لأهله وزبانيته ملكاً ظنوه مخلداً فخلق لهم أغراضاً ومصالح وثروات ذات أرقام فلكية لم يكونوا ولم يكن أحد يحلم بها، فكيف لا يدافعون عنها، وقد غرقوا فيها، بالحديد والنار، ويستجيرون بأي مستجار؟ وكيف لا يستميتون وهو يميتون المواطنين للإبقاء على هذا النظام وخيراته الوفيرة عليهم.
هكذا انساق النظام ببساطة ومن دون وازع ضميري أو وطني نحو ارتكاب مجزرة تاريخية كبرى في سجن تدمر وعملية إبادة جماعية كان ضحيتها أكثر من ستمائة شهيد بقصف من طائرات الهلوكبتر بالصواريخ والرشاشات والقنابل في أقل من دقائق.
ونعتنا بأن نظام الحكم هو فريد في بابه بين جميع الأنظمة العربية يفرض علينا تنوير الرأي العام العربي ولا سيما أن أحداث سورية تجري وسط تعتيم إعلامي خارجي وتضليل إعلامي داخلي.
ولكن تعطي صورة واضحة لما يجري في سورية منذ بدء هذا العام لابد لنا من ذكر ما جرى في السباق التاريخي وبالتحديد منذ حرب عام 73.
فهذه الحرب المحدودة في الزمان والمكان تكشفت عن انهيار معنويات الإسرائيليين وانتعاش المعنويات العربية بعد جراحات خلقتها حرب عم 67.
وكان هذا الانتعاش بفضل روح القتال العالية التي تحلى بها ضباطنا وجنودنا في ميدان المعركة في بداية الهجوم. وإذا كان الجيش السوري قد خسر أرضاً بعد الهجوم الإسرائيلي فمرد ذلك إلى غياب القيادة العسكرية في أعلى مستوى وعدم أهليتها لقيادة المعركة، وإذا ما صار الانتعاش بعد ذلك إلى اضمحلال، فلدخول النظام السوري في اللعبة الدولية مع تغييب مطلق لوجود الشعب في الساحة السياسية.
وليس غريباً أن نقول أن حرب 73، ككل حرب في الشرق الأوسط، كانت واقعة في حقل استراتيجية الدولتين الكبريين بنسبة معينة، فهاتان توردان السلاح للعرب ولإسرائيل، وجرت المشاورات بينهما لوقف إطلاق النار ولاتخاذ قرار من مجلس الأمن (338) للبدء بإجراء تسوية للقضية الفلسطينية في مؤتمر ينعقد تحت رعايتهما في جنيف وعلى أساس القرار 242، إلا أنه بقدر ما كانت مهمة التسوية سهلة بالنسبة لمصر بقدر ماكانت صعبة بالنسبة لسورية، ذلك أن سورية تعتبر تاريخياً القضية قضيتها وتنظر إليها على أنها قضية وجود لا قضية حدود، أي قضية عربية مصيرية، والتسوية المطروحة، برعاية الدولتين تتناقض مع مفهوم سورية لها. ولم يكن صعباً حل هذا التناقض، فهناك سورية – الرفض الشعبي الكبير لتسورية بالمفهوم الدولي وهناك سورية- النظام واستعداده لقبول ذلك، وكان حل التناقض بإيقاع العزل السياسي على الشعب وجماهيره، بل بالأحرى أحكام هذا العزل، فقد كان قائماً منذ زمن، وكانت هنا نقطة البداية في بلورة النظام الاستبدادي الرهيب الذي تطلفت عليه السياسة الطائفية كدرع تحميه والذي يتكسر اليوم تحت ضربات العنف والعنف المضاد ومناهضة شعبية عامة له.
والسؤال هنا هو: لماذا هذه البداية وما الدافع لها؟
والجواب هو: لسببين، أولهما العامل الذاتي وهو غريزة التحكم الفردي السلطوي عند كل ضابط يقوم بإنقلاب عسكري غير مبرر شعبياً، وهذا ينطبق على النظام السوري.
وعامل موضوعي يفرضه دخول هذا النظام في اللعبة الدولية التي جاء كيسنجر من أجلها والتي سميت بسياسة الخطوة خطوة، وبطبيعة الحال لم يأت كيسنجر إلى الشرق الأوسط الا وهو مزود بجميع المعلومات عن الأوضاع والأشخاص في كل من مصر وسورية وعليم بكيفية التأثير فيها وفيهم بصورة غير مباشرة. فهناك اليوم العقل المتقدم والعقل الالكتروني ووسائل التجسس ومعاهد الدراسات ومراكز البحوث، وكلها تتعاون لإعطاء معلومات وافية عن واقع الأوضاع في البلاد.
وعن نفسية الرجال الحاكمين وعقليتهم، كل ذلك في سبيل وضع سيناريوهات وحلول للقضية الشائكة والعويصة وفي الوقت ذاته للتاثير غير المباشر على الحاكمين ليدخلوا اللعبة الدولية.
وكان سلاح كيسنجر للنجاح في مهمته الاتصال الشخصي المتتابع والمفاوضات السرية حيث يمكن في السر حل ماكان لا يمكن حله. وهنا عبقرية كيسنجر المشهود لها في العالم، اذ تمكن خلال نصف ساعة أذابة الجليد بينه وبين الرئيس السوري كما ذكر ذلك في مذكرته.
ماذا جرى في السر بين الرجلين فهو ليس بالأمر المهم. الأمر المهم هو أنه خرج من مقابلة بهذا الإنطباع وهو أن رئيس النظام السوري قادر على اتخاذ القرار بشأن التسوية لوحده لأنه عازم على أحكام العزل السياسي على شعب سورية. وهو شرط لابد منه لأن أي تسوية في مثل هذه الظروف هي تسوية لمسألة حدود ومعترف بها كما ينص القرار 242 وتطبيع العلاقات مع إسرائيل كما جرى الأمر بين مصر وإسرائيل.
كان هناك رأي عام عربي ودولي مستوحى من تاريخ سورية القومي النضالي ان سورية لا “تؤخذ” وأنها ضمير الأمة العربية في سهرها على القضية العربية، وأنها بذلك تقف سداً في وجه التسوية التي تنال من الحق العربي ووراءها تأييد الشعب العربي كله. وكان جواب الإمبريالية وخطتها: تعطيل دور سورية القومي. وجاء النظام السوري، بفرضه العزل السياسي على الشعب، بالقمع والإرهاب من جهة وبالكذب الإعلامي من جهة أخرى لتعطيل هذا الدور، وكانت السياسة الطائفية ثالثة الأثافي كأداة لتمزيق نسيج المجتمع وقسم الصف الوطني وضرب الوحدة الوطنية وربما افرنقاع سورية نفسها.
وهنا يمكن للمرء أن يستشف سر التدخل العسكري للنظام السوري في لبنان، وهو تدخل غير مسموح به دولياً إلا من خلال دخول سورية – النظام في اللعبة الدولية ويفرض اجراء ترتيبات جديدة في المنطقة بدت تبرز شيئاً فشيئاً.
فالأمة العربية لا تعدم وسيلة لكي يبقى شعبها حاضراً هنا إذا غاب، بفعل القهر، هناك. وقد انتقل الدور العربي إلى لبنان عندما ألغى في سورية. فخلال انفجار الأوضاع في لبنان ظهرت براعم ثورة عربية أدركها أول ما أدركها المرحوم كمال جنبلاط ولو جاء ذلك متأخراً. ولكن كيف يسمح النظام السوري أن يحمل لبنان لواء الثورة العربية بعد أن طوى لواءها في سورية،فكان دخول سورية في اللعبة الدولية وتدخلها في لبنان.
وإلى اللذين يتساءلون لم لا ينتهي عدم الاستقرار ويتم الوفاق في لبنان نجيب: فتش عن النظام السوري- فغرضه الهيمنة بشكل أو بآخر على التحرك في لبنان أي الهيمنة على الحركة الوطنية اللبنانية وعلى المقاومة الفلسطينية وعلى الزعماء السياسيين لربطهم جميعاً بخيوط يلعب بها وأوراق يستخدمها يوم الفصل أي يوم ترتيب اللجنة الدولية الأوضاع الجديدة في المنطقة.
إلا أن التاريخ لا يمشي دائماً في الخط المستقيم. فهو كثيراً ما يخادع ويناور ويورط ثم يفاجئ من يظنون أنهم يصنعونه وفي أوج الارهاب الذي فرضه النظام السوري وطابعه الطائفي الكريه وفي أوج الرعب الذي سيطر على البلاد بنتيجة أحكام العزل السياسي على الشعب، ظهر العنف الإسلامي الشعبي كرد على العنف “الثوري” ذي الطابع الطائفي. وكانت عمليات الإغتيال السياسي كتعبير وحيد عن سخط الشعب على هذا النظام وعلى كسر حاجز الخوف الذي كان مسيطراً عليه.
وفي بداية هذا العام 1980 بلغت القلوب الحناجر كما جاء في الآية الكريمة. وبدأت الجماهير تتململ وتتحرك لاثبات وجودها في الساحة السياسية. وانعكس هذا التململ في النقابات المهنية ولاسيما في نقابات المحامين والمهندسين والأطباء التي تشكل العالم الثقافي في سورية والتي تتطلع إلى قيام مجتمع مدني حضاري ديمقراطي.
فقد عقدت هذه النقابات مؤتمرات رائعة تجلى فيها نقد النظام وشرح هناته القومية والسياسية واتخذت قرارات حاسمة تطالب فيها بإلغاء حالة الطوارئ والمحاكم الاستثنائية ومنع توقيف أي مواطن إلا بمذكرة توقيف صادرة عن السلطة القضائية، وكانت هذه المؤتمرات مجال بداية انتفاضة شعبية تستهدف كسر القيود التي كان يقيد بها المواطنون في حياتهم الخاصة وفي الحياة العامة.
لقد كان من الممكن أن يلبي النظام هذه المطالب وأن يتصرف تصرفات الدولة المدنية التي تتخذ عادة إجراءات دفاعية. وفي الوقت ذاته أن يجري تغييرات تأسيسية في بنية النظام بل أن تهيئ لمرحلة انتقالية يجري خلالها خروج البلاد بطريقة سلمية إلى وضع ديمقراطي يقيم فيه الشعب بكل حرية النظام الذي يقره. إلا أن أهل النظام يكونوا بهذا الواد، بل كانوا قد رسموا خطة استدراج قمعية بالغة الخطورة أريد أن تكون مثالاً لكل من تسول نفسه معارضة هذا النظام.
وفي أول آذار، وبمناسبة إعلان النقابات جاء الإضراب لعدم تلبية الدولة مطالبها، جرد النظام جيشه المؤلف من “سرايا الدفاع” الدفاع عن النظام لا عن الحدود، ومن “الوحدات الخاصة” الخاصة بالقتل الجماعي. وجاء بإجراءات هجومية ساحقة فكانت مجزرة جسر الشغور الذي ذهب ضحيتها العشرات من زهرة الشباب المثقف بطريقة انتقائية الذين كانوا يعدمون على الفور. ثم قامت بعمليات “التمشيط” فحاصرت مدينتي حلب وحماة وعزلتهما عن سائر المدن السورية وأخذت تمشطها حياً حياً تستبيح المساكن وتأخذ الرهائن وتقتل المواطنين وتعتقل الألوف وبأساليب لم تعهدها وسورية في زمن الانتداب الفرنسي.
ففي يوم 26 حزيران جرت محاولة إغتيال لرئيس النظام السوري، أدت إلى جروح بسيطة في رجله، قام بها عدد من ضباط الشرطة العسكرية المكلفين بحراسة قصر الضيافة. وكان ذلك عند مجئ الرئيس إلى قصر الضيافة لوداع رئيس جمهورية النيجر.
وفي ليلة 27 حزيران أعطيت الأوامر لعدد من ضباط جيش النظام أن ينتقلوا بطائرات الهيلوكوبتر إلى تدمر ويقوموا بمهمة إجرامية. وهناك في سجن تدمر الحصين أوهموا المعتقلين بالألوف في أحد أركان هذا السجن أنهم أحرار وأن الأوامر صدرت بالإفراج عنها. وما أن تحرك المعتقلون نحو الباب حتى داهتمتهم الطائرات تنزل عليها الحمم من الرشاشات والقنابل والصواريخ تحصدهم حصداً مما أدى ذلك إلى استشهاد أكثر من ستمائة موقوف من نخبة الشباب المثقف الذين كانون قد أوقفوا دون أي تهمة ودون إجراء أية محاكمة لهم.
واليوم يستمر النظام، وقد جن جنونه من استمرار عمليات العنف المضاد، في انزال العقاب الجماعي في عمليات إبادة تنصب بصورة خاصة وبروج طائفية على الاخوان المسلمين حتى بلغ به الأمر أن يصدر قانوناً بالحكم بالإعدام على كل من ينتسب للاخوان المسلمين وقراراً بتشكيل محاكم ميدانية وتصريحات يعلن فيها ملاحقة المعارضين للنظام أنى كانوا وقائمة بأسماء معروفة يهيئ النظام زبانيته لاغتيالهم.
ونتوجه الآن بالكلمة الطيبة إلى جميع الذين يقاومون النظام بشتى أشكال المقاومة بأن يحرصوا على أن يكون موقفهم في إطار الدفاع المشروع عن المثل والمبادئ ووفق المفاهيم المناقشة لمفاهيم نظام الحكم، صحيح أن النظام هو الذي بدأ بالهجوم الهمجي وهذا مفهوم بالنسبة لطبيعة النظام ولكن موقف المقاومة الشعبية حتى يكون صحيحاً يجب أن ينطلق من مفهوم مناقض. كالخير في وجه الشر، والدفاع في وجه الهجوم. المهم ترسيخ للاعودة بعد أن تجاوز النظام الخط الأحمر الوطني. فمقاومة نظام الحكم للخلاص منه هو بالفعل موقف دفاع عن شرف الأمة وعن كرامة الفرد وللحفاظ على سلامة الوطن ووحدة نسيج المجتمع، وهو موقف إيجابي بعيد كل البعد عن أية سلبية. وبتعبير آخر المقاومة لا تنشب في منطلق العداء لنظام الحكم لمجرد أننا نريد أن نحل شخصاً مكان شخص وحزباً مكان حزب. المقاومة تستهدف تغيير طبيعة النظام لا تغيير النظام، وتغييره نوعياً أي إحلال الحرية مكان الاستبداد والعدل مكان الظلم والخير مكان الشر وغنى الشعب محل اثراء أهل النظام
ويدخل في هذا المجال التمييز التام بين أهل النظام وزبانيته وبين عامة الشعب في أكثريته الصامتة ويدخل في هذا المجال ضرورة التمييز بين أهل النظام الذين أقاموه على أساس التمييز الطائفي – العنصري لخدمة مأربهم الخاصة وأهدافهم العامة وبين عامة الطائفة التي لم يكن لها دور في إقامة هذا النظام والتي تشكل جزءاً من الأكثرية الشعبية الصامتة التي تقاوم جرائم النظام بقلوبها على الأقل، والتي لا ترضى عن الجرائم التي يرتكبها أهل النظام. وهنا علينا أن نتمثل بالأية الكريمة: “ولا تزر وازرة وزر أخرى”.
هنا من الناحية المبدئية أي من ناحية فلسفة وطبيعة النظام الذي يراد أن يحل محل النظام الفاجر المسيطراليوم. أما من الناحية العلمية فيجب أن يكون هدف المقاومة الشعبية لنظام الحكم، الناطقة منها والصامتى، المعلنة والخفيفة، هي محاصرته كلما أمعن في القتل وكلما تخلخلت صفوفه أحكام العزلة الشعبية ليصبح في عزلة تامة. وهذا أخوف ما يخافه النظام وهو السر في تصعيد أهل النظام أعمال القتل الجماعي من منطلق طائفي ألاً منه في إثارة العصبية الطائفية وبذر بذور خوف الطائفية عند عامة الطائفة والتي يحاول التي يحاول تكتيلها حوله. وعلى المقاومة الشعبية، الصامتة والناطقة لا تغفل عن لعبة النظام هذه وان تحذر من الوقوع في الفخ الذي ينصبه النظام لها. وتربأ المقاومة الشعبية أن تقوم بأعمال مطبوعة بطابع ردة الفعل. بل عليها، وهي التي تستهدف قيام مجتمع قومي ديمقراطي شعبي يتساوى فيه المواطنون بصرف النظر عن الاختلاف في الدين والمذهب والعقيدة، عليها أن تمارس في داخلها ووجدانها ووعيها وفي ممارساتها هذا الهدف.
ويفيد هذا الباب كثيراً أن يصدر التمييز بين النظام الطائفي وبين الطائفة التي يحاول النظام توريطها في نظامه بفعل التخويف والتهويل وبفضل التضليل الإعلامي بأن تبين عامة الصامتة والناطقة أنها براء من نظام يقوم على التمييز الطائفي.
إذا رأى امرؤ منكم منكراً فليغيره بيده وان عجز فبلسانه وان عجر فبقلبه وهو اضعف الايمان.
اقرأ:
مروان حبش : صلاح البيطار وقرارات التأميم
جلال السيد: ميشيل عفلق يتحدث عن صلاح البيطار
كلمة ميشيل عفلق في حفل تأبين صلاح الدين البيطار
أنظر :
وزير الخارجية صلاح الدين البيطار داخل مقطورة قطار في الهند 1957
جمال عبد الناصر وصلاح الدين البيطار بعد انتهاء مؤتمر القمة العربي 1964