ملفات
الموقف البريطاني من الاحتلال الفرنسي لسورية عام 1920
موقع الحكومة البريطانية:
حافظت الحكومة البريطانية منذ ابتداء أزمة إنذار غورو حتى خروج فيصل بن الحسين نهائياً من سورية على سياستها وموقفها بعدم التدخل في منطقة تابعة للانتداب الفرنسي. وهذا ما أكدته الخارجية البريطانية في السادس عشر من تموز إلى الجنرال اللنبي رداً على نداءات الحسين واستغاثاته(1).
كما أن الحكومة البريطانية تجاهل تلك الاستغاثات، ولم ترد على نداءات الحسين.
يقول الدكتور علي سلطان أن بريطانيا وقفت تجاه وثوب فرنسا على سورية، وقفة المشاهد في مسرحية، مع أنها شاركت في تركيب فصولها فصلاً فصلاً. وتركت فرنسا تنهي المشهد الأخير كما أرادت.
وبالتالي كان موقف الحكومة البريطانية من الإحتلال وقبيله هو الصمت وعدم التدخل، ولم ينطلق أحد من الحكومة أو ممثليها بشء، إلا بعد إخراج فيصل بن الحسين من سورية(1).
موقف مجلس العموم البريطاني:
ارتفعت بعض الأصوات في مجلس العموم البريطاني تستفسر عن موقف الحكومة البريطانية إزاء الأزمة تجاه سورية.
ونشر اللورد ليمتن رسالة مفتوحة في صحيفة التايمز في العدد الصادر في التاسع عشر من تموز 1920م، قال فيها ان بريطانيا وعدت الملك حسيناً باستقلال سورية فلا يسعها أن تنفض يدها من المسألة(1).
وفي جلسة مجلس العموم البريطاني التي عقدت في الثاني والعشرين من تموز 1920م، سأل النائب (كين ورثي)، لماذا لا نبذل جهدنا لنحل القضية بين فيصل والفرنسيين في عصبة الأمم. فأجاب رئيس الوزراء :”إننا لا نستطيع أن ندعو عصبة الأمم”، فسأل كين:”كيف استطعنا في مسألة بولونيا”، فكان الجواب: “نحن الآن لا نستطيع.
وسأل النائب (اورمبسي غور)، عما حدث في سورية، فأجابه (بونارلو) رئيس المجلس، بأن فرنسا قدمت إنذار للحكومة السورية، نظراً لما تعرضت له من هجوم مسلح على قواتها في الحدود، ولعداء الحكومة العربية لها. وأجاب على سؤال آخر، بأن اعطاء الانتداب لفرنسة على سورية، لا يخل بالعهد الذي اعطته بريطانيا لفيصل بتشكيل حكومة عربية في المدن الأربع.
وسأل النائب (رابير) هل يدخل في الانتداب الاحتلال العسكري، فأجاب (هارمس وورثي)، بأنه يجب أن يلاحظ هذه المسألة، فسأل الأول وإذن أين استقلال سورية؟ وأجاب رئيس الوزراء على سؤال (اورمبس غور) عن الوضع العسكري والسياسي في سورية، وتنفيذ العهود للعرب، فقال: “لا اعرف شيئاً عن الوضع السياسي والعسكري الآن، أما بالنسبة للعهود فقد كتب لنا الحسين كتباً كثيرة، وعندما كان فيصل هنا أبلغناه بأنه لا توجد قضية تختلف عما جاء في عهودنا لهم. ولا توافق الحكومة على أننا أخلينا في تنفيذ أي عهد لهم”.
الصجافة البريطانية:
حاولت الصحافة البريطانية، ومع الإعداد الفرنسي لاحتلال سورية، إلى أن هذا الاحتلال لا يناقض استقلال سورية، واعتبرت صحيفة التايمز في افتتاحية العدد الصادر في التاسع عشر من تموز 1920م، أن الانتداب يكون شرطاً لاستقلال سورية ووسيلة اليه. كما حاولت الصحيفة تبرير هذا الاجراء الفرنسي من خلال الإشارة إلى الرواية الفرنسية التي تحدثت عن الغارات التي استهدفت القوات الفرنسية وأعمال السلب والنهب، بالإضافة إلى موضوع التعدي على الأقليات الغير مسلمة. والملفت في التقارير التي صدرت في تلك الفترة، أي قبيل مغادرة فيصل بن الحسين دمشق، أنها لوحت ودعت إلى حل شريفي في العراق بعد تسوية المسألة السورية على أن يكون الحكم في العراق تحت حكم أحد أبناء الشريف حسين بشرط عدم سير فيصل وراء سياسة الانتقام والشدة والعنف. وهذا ما جرى لاحقاً عند تسلم فيصل العرش العراقي(1).
موقف القوات البريطانية في فلسطين:
في صباح اليوم التالي لاحتلال القوات الفرنسية لدمشق أي في الخامس والعشرين من آب، حضر إلى حيفا وفد عسكري بريطاني وسافر إلى جهة صور لتعيين الحدود مع المناطق التي احتلتها سورية، والتي صار يطلق عليها منذ ذلك الحين الحدود الفلسطينية – السورية. ونشرت الصحف الصادرة حينها أن الحدود ستكون شمالاً من مجرى نهر الليطاني، وشمال شرق محطة الكسوة، وشرقاً حتى خط حديد درعا (2).
التزم الجنرال اللنبي بتعليمات وزارة الخارجية البريطانية التي تقضي بعدم التدخل في منطقة تابعة للانتداب الفرنسي، وبالتالي لم يرد على رسائل واستغاثات فيصل بن الحسين. وعند مغادرة الأخير دمشق رد اللنبي على سؤاله، حول أي الجهات يسلك من درعا، إلى الحجاز أم حوران، وماذا يكون موقف القوات البريطانية، إذا هاجمه الفرنسيون في حوران؟ وكان رد اللنبي أن يسافر فيصل إلى الحجاز عن طريق قناة السويس، لكنه لن يستطيع رؤيته في القاهرة، ولا إجابته على موقف القوات البريطانية، حتى لا يسيئ إلى الفرنسيين، وأنه أخبر هربرت صموئيل كي يستقبله في فلسطين.
شكر فيصل هربرت صموئيل لاستقباله له، وأطلعه أنه لا يريد اتخاذ خطوات معادية لفرنسا، ولن يحاول إثارة الشقاق بين بريطانيا وفرنسا، وأنه لن يقوم بنشاط سياسي في فلسطين، وأنه يفضل السفر إلى إيطاليا أو سويسرا، لأنه مريض ويحتاج للراحة، ولن يسافر على باخرة إنكليزية ولا فرنسية.
وكان اللنبي “صديق فيصل الحيميم” يستحث صموئيل بإخراج فيصل من فلسطين، حتي لا يثير الناس صد فرنسا. وخرج فيصل من فلسطين إلى إيطاليا في الثامن عشر من آب 1920م.
(1) أرسل الحسين إلى الحكومة البريطانية ما بين 18 – 27 تموز خمسة نداءات، ما بين برقية ورسالة إلى رئيس الوزراء البريطاني، ووزير الخارجية، واللنبي، انظر: سلطان (علي)، تاريخ سورية 1918-1920م، صـ 399.
سلطان (علي)، تاريخ سورية 1918-1920م، صـ 399-401
(2) صحيفة النفير، العدد الصادر في 1 آب 1920م.
(3) صحيفة النفير، العدد الصادر في 1 آب 1920م.
اقرأ:
صدى احتلال دمشق في الصحافة البريطانية عام 1920