وائل محمود العطار
في بداية سنة 1980 أو قبلها بقليل أرسل حافظ الأسد إلى مدينة حماة مبعوثه الخاص زهير مشارقة، عضو القيادة القطرية وابن مدينة حلب، أرسله إلى حماه برسالة خاصة ومهمة سرية جداً.
وقد وصلتني هذه الرسالة عن طريق أحد كبار الموظفين في المحافظة وقد كان حينها على رأس عمله، قال لي رحمه الله : اجتمع زهير مشارقة في مبنى حزب البعث في ساحة العاصي بحضور أمين الفرع أحمد الأسعد و أعضاء حزب البعث وقال لهم:
جئت لأنقل اليكم رسالة الرئيس حافظ الأسد : رسالته لكم أن عليكم أن تبحثوا عن الشباب الضائعين الصايعين من أصحاب السوابق والمغضوبين وممن يعاقرون الخمور ويرتادون المقاصف و يعقون الآباء والأمهات و يفعلون الموبقات ابحثوا عنهم ثم جندوهم في وحدة عسكرية مسلحة منظمة والرئيس سوف يدعمكم بالأسلحة وبكل الأسباب اللازمة ليكونوا قوة عسكرية ضاربة ضد الإخوان المسلمين.
ولما سمع هذا الكلام ٱحد الحضور تفاجأ واستغرب أن يأمر الأسد بجمع الحثالة وتكريرها لينتج منها قوة عسكرية فقال مستفهماً ومسننكراً : يا رفيق زهير هل حقا قال لك السيد الرئيس هذا الكلام؟
فقال له . نعم هذه رسالة الرئيس .!!!!!!.كانت رسالته واضحة.
وهكذا تم انتقاء هؤلاء الشباب وأغرائهم بالمال والنساء ومن ثم تجنيدهم في كتائب عسكرية أطلق عليها اسم الكتائب المسلحة، وتولى قيادتها (عبد العزيز حنيظل المشهور باسم عزو حنيظل ومعه رياض الروح)، وقد صحح لي هذه المعلومة أخونا الحاج نايف العريان.
وقد كنت أظن أن رئيس الكتائب المسلحة هو رياض نايف الجمال الذي قتل وقتها و قد وجدت جثته مقطعة ومرمية في أكياس القمامة، ولست ادري من قام بهذه الجريمة ولكن علامات المخابرات الأسدية واضحة عليها والمخابرات الأسدية هي من يمثل بالجثث ويقطعها وإن كنت لا أبرىء الأخوان .
ولكن كانت عادة الأخوان لاتتجاوز الاغتيالات ولا تصل الذبح وتقطيع الجثث ..
وهنا يحضرني قول لهشام جنباز رحمه القيادي في الإخوان عندما التقى به أحدهم وقال له (لماذا وضعتم اسم أخي على لائحة المخبرين و أنذرتموه بالقتل والثصفية وأخي بريء منها).
فأجابه هشام جنباز قائلا : ألم تفهموا الى الآن ان هذه من مكائد المخابرات ليفتن بيننا وبين أهلنا.
ونعود الى الحديث عن الكتائب المسلحة، كان يتم تدريب الكتائب في معسكر الشيخ غضبان على طريق مصياف وكانت دورات صاعقة لمدة شهر وبعضها ثلاثة أسابيع وكان يتم تدريب الشباب مع البنات من الطوائف الموالية للأسد من باب الإغراء وجذب الشباب الطائشين. وكان عناصر الكتائب في نهاية الدورة يستلمون مسدسات سبعة تشيكية وأما دروات المظليين والمظليات فكانت تتم في دمشق في مقرات سرايا الدفاع التابعة لرفعت الأسد.
واشتهرت من المظليات المظلية ألماظة خليل التي لم تفتح مظلتها فسقطت وأصبحت شهيدة عندهم، ومثلاً للفتيات الأسديات.
و لقد اتخذت الكتائب المسلحة من مبنى الكشافة عند باب النهر مركزاً لها و غرفة لعملياتها العسكرية بعد ان طردوا الكشافة منه، واستولوا عليه .
وكانت تنطلق منه دوريات الكتائب لتجوب شوارع المدينة بسيارات اللاندروفر الانكليزية، وتنشر الرعب.
وكنت أراهم في سيارة اللاندروفر وقد فتحوا ابوابها الخلفية وأشهروا بنادقهم الروسية وهم على أهبة الاستعداد لاطلاق النار.
و كانوا جميعا من أهل حماة بل وكان بعضهم من عائلات حماة المحترمة، ولكن كانوا من شواذ تلك العائلات. وكنت أعرف بعضهم معرفة جيدة، و بالإضافة الى الكتائب المسلحة كان يتبع لهم قسم شبيبة الثورة وهم منتخبون من طلاب المدارس الاعدادية والثانوية ويشرف عليهم بعض الاساتذة وجميعهم من مدينة حماة.
وكانوا يقومون بدوريات ليلية و ينصبون الحواجز على قارعة الطريق، وحينها كان والدي مؤذنا في مسجد سعد بن معاذ، وحين كان يخرج الى صلاة الفجر يمر بهم فيوقفونه وهم يعرفونه ويعرفهم ولكن كانوا يتجاهلون معرفته. وكان يقول لي.: هم يظنون أنني لا اعرفهم ولهذا يلوون ألسنتهم ويتكلمون بلغة القاف . يقصد (باللغة العلوية).
وكانوا يرتكبون الجرائم من قتل ونهب و فجور، ومن الأعمال الإجرامية التي أذكرها انهم خطفوا امرأتين وقتلوهما ورموا بجثتيهما في المقبرة، وقد رفع أبوهما دعوى ضد المجرم و لما أخذ هذا المجرم حكم الاعدام . جاء أمر من القيادة القطرية بالعفو عنه واطلاق سراحه.
ومن الحوادث التي تستحق الذكر أننا استيقظنا ذات يوم على خبر شديد مؤلم. كان أستاذ الرياضة من بيت الصالح في مدرستنا وهو من منتسبي شبيبة الثورة في مدرسة بسام حمشو كان يترأس مجموعة من الطلاب ومنهم من كان في الصف العاشر ومنهم من كان في الحادي عشر ويقومون بحراسة حارتهم في عين اللوزة بإذن من الأمن وتحت رعايتهم.
استيقظنا صباحاً على خبر مقتلهم جميعاً. وجاءت الأخبار الحزينة تقول أن عناصر من المخابرات المدججين بالسلاح اقتحموا الحارة واوقفوا هؤلاء الشباب. ولم يبالوا بهم وهم يقولون لهم أنهم من الشبيبة وأنهم في مهمة رسمية. بل أوقفوهم على الحائط وقاموا باطلاق النار عليهم و تصفيتهم ، وكانت شهادة الجيران كلها تؤكد بأن المجرمين كانوا من عناصر الجيش، وكانت هذه الأعمال تدار بعقلية مخابراتية مجرمة لإشعال نار الفتنة واتهام الإخوان بهم.
ومضت الأيام وانتهت الحوادث، وانتهت الكتائب المسلحة وقام الأسد بتوزيع عناصرها على دوائر الدولة و توظيفهم في الوظائف العامة شكرا لهم على انجازاتهم المشرفة.
وكان من يحصل منهم على الشهادة الثانوية تضاف الى علاماته عدة درجات ربما تصل إلى أربعين درجة ليستطيع أن يدخل بها في أعلى الجامعات التي٠ لا يستحقها . وأذكر أن أحدهم دخل كلية الطب البشري ولكنه لم يستطع النجاح و رسب مرارا ثم تركها .
وكانت مكافأة رياض نايف الجمال أن كتبت باسمه مدرسة ومازالت باسمه الى الآن.
