أعلام وشخصيات
عبد الرحمن زكي المدرس
عبد الرحمن زكي بك المدرس
عبد الرحمن زكي بك بن حسين باشا المدرس.
وجيه ارتضع ثدي المكرمات طفلاً و سطعت كواكب مجده كهلاً و ظهرت عليه إمارات النجابة منذ نعومة أظفاره فكانت تبشر بسمو مقداره.
حصّل جانباً من العربية، واكب على درس اللغة التركية إذ كانت هي الرائجة في ذلك الحين فحصّل منها قسماً وافراً
وصار له فيها الإنشاء الحسن.
تقلب في عدة مناصب:
أولها عين مميزاً في قلم مكتوبي الولاية.
ثم عين عضواً في مجلس إدارة الولاية، بقي في ذلك مدة طويلة. و كان لا يألو جهداً في قضاء مصالح الناس و إن لم تساعده الظروف على قضاء مصلحة اعتذر أحسن اعتذار.
مع وجوده في عضوية مجلس الإدارة الولاية صار عضواً في لجنة دائرة الأوقاف و في لجنة المهاجرين و في لجنة النافعة وورث أملاكاً وقرى عن والده و زادت أملاكه على ما ورثه من أبيه لعنايته بالزراعة.
كان من صلحاء الوجهاء حسن الاعتقاد محباً لأهل العلم و الفضل مواظباً على الصلاة وكان لا يدع صلاة الصبح في جامع المدرسة العثمانية الواقع بالقرب من داره وربما أيقظ خدمة الجامع للصلاة وبعد عودته يقرأ جزءً من القرآن ثم يجلس لاستقبال الزائرين إلى الضحوة الكبرى ثم يذهب لمجلس الإدارة.
كان سمح اليد و بيته محط الرحال يؤمه الولاة والمأمورون المعنيون لهذه الولاية و الذاهبون إلى البلاد الشرقية و الآيبون منها إذ لم يكن في حلب الشهباء وقتئذ فنادق منظمة كما هو اليوم و كان الآتون للشهباء و المارون بها ينزلون في البيوت كل صنف من الناس عند صنفه و كان هذا هو المعتاد في البلاد السورية و المصرية و العراقية والأناضولية و غيرها.
وسمعت بعض الوجهاء يقول بعد وفاة المترجم أن زكي بك ممن بيض وجوه الحلبيين بصدره الرحب و حسن قرأه لمن أم منزله
وكان يلقب ب”زكي بك” ثم لما أنعمت عليه الدولة العثمانية برتبة (أمير ميران) صار يدعى زكي باشا ثم أنعم عليه برتبة [روم ايلى بكلربكىٍِ] ثم برتبة بالا وهي أكبر الرتب القلمية.
من آثاره الخالدة :
الجامع العظيم الذي عمَّره في المحلة المعروفة بالجميلية و سبب عمارته له أنه لما عمَّر جميل باشا والي حلب داره خارج باب الفرج غربي نهر قويق و غربي التربة الدقماقية التي درس معظمها و اتخذ منها جادة و بني في قسم كبير منها دار عظيمة هي الآن دائرة الاقتصاد العامة
[و قد ذكرت ذلك في ترجمة الوالي جميل باشا في الجزء الثالث]، صار الناس يبنون هناك الدور و بُني هناك المكتب السلطاني الكبير و تتابع البناء فأصبحت محلة واسعة سميت في دوائر الحكومة محلة السليمية غير أنه غلب عليها إلى الآن اسم (الجميلية) نسبة إلى جميل باشا المتقدم الذكر
عند ذلك رأى المترجم أن المحلة أصبحت في حاجة لبناء جامع فيها فاهتم في ذلك و اشترى أرضاً مساحتها 1460 ذراعاً بالذراع النجاري و بنى فيها جامعة الذي سمي باسمه (جامع زكي باشا)
وكان الباني له الحاج على صهريج البنّاء المشهور وصرف في عمارته نحو 1500 ليرة عثمانية ذهباً وبعض الناس يقولون أن بعض هذا المصروف من وصية زوجة عمه تقي الدين باشا و لا صحة لذلك بل جميعه من ماله الخاص.
وكان بناؤه له سنة 1317 و عين له إماماً الشيخ الفاضل ابن خالي الشيخ محمد كلزية وهو إمامه إلى يومنا هذا
وبنى في الجهة الشمالية من الجامع حجرتين مقبوتين بالأحجار أحدهما لسكن الإمام و الثانية لوضع أدوات الجامع
وحجرة كبيرة معدة لتعليم أطفال المسلمين القرآن العظيم
وبنى صهريجاً مقبواً بالأحجار واقعاً تحت قبلية الجامع يملأ من ماء المطر ووضع جرنين يملآن من الصهريج المذكور ليشرب منهما الناس.
ووقف على هذا الجامع في هذه المحلة أربعة دور متلاصقة بناها و داراً و جنينة و عرصة لبناء اصطبل مساحة الجميع 3355 ذراعاً بالذراع النجاري كما هو موضح في كتاب وقفه المؤرخ في ثامن عشر شهر ذي القعدة سنة ثمان عشرة
وثلاثمائة و ألف من الهجرة النبوية.
ومما شرطه في هذا الكتاب أن يشتري المتولي عليه من ريع هذه الدور كل سنة قبل عيد الفطر خاماً وطرابيش
ونعالاً بمبلغ خمسمائة قرش يوزعها على الأطفال الأيتام الفقراء الذين يتعلمون في مكتبه المذكور جزاه الله عن سعيه أحسن الجزاء و أجزل له الثواب بمنه و كرمه.
و لما أتم بناء الجامع امتدحه الشيخ أحمد بن الشيخ شهيد الترمانيني “مفتي حارم” بأبيات مطرزاً فيها اسم المترجم في أول كل كلمة من الشطرة الأولى و ذاكراً الجامع في آخر كل كلمة منها بحيث صار المجموع بيتاً على حدة في كل شطرة منه تاريخ البناء و ذلك سنة 1317 و طرز اسمه في أول كل كلمة من الشطرة الثانية و هي:
(ز) زها بارق الشهباء و المنهل العذب (ب)
(م) مقاصفها يرتاح في شمها القلب
(ك) كما شـاء قلبي و الهوى لي منهج (ج)
(ن) نهاني النهى عن غيه و له أصبو
(ي) يواصلني في حندس الليل طيفها(ا)
(ا) أفيق و لي و الفجر في وصلها حرب
(ب)بدوت وما في البدو قصدي و لم احم(م)
(ح) حما و صلها و الصب بغيته القرب
(ا) ألا يا بني الشهباء هل ثم سامع (ع)
(م) مجير فلي في طي بلدتكم نحب
(ش) شوى قلبي الولهان وجد مبرح (ح)
(د) دعاني لها و الحب منهجه صعب
(ا) أنادي و هل بعد الزكي محافظ (ظ)
(م) مودة من يحويه مجلسه الرحب
(ل) لرب البرايا ثم بالخير سعيه (ه)
(ف) فدونك و التقــوى بجامعه تربـو
(ه)هوى دجى الأسحار لله خاشعاً(ا)
(ت) تراقبه الأملاك في الليل و الكتب
(ا) اعدَّ سبيلاً فاؤه الوفر هاطل (ل)
(ي) يبـاح إلى الظمــآن منهلـه العــذب
(ل) لــه الأثـــر المشـكور لله باقيا (ا)
(ح) حميــداً و كم لله في دينه صحب
(ف)فكم ثم في ملك الحميد محاسن(ن)
(ا) إليــه انتمت حقـــاً و فيـه لهــا حب
(ض) ضيـا الديـــن في أيــام دولتــه (و)
(ر)رفعت لقلت الكون و الملك و الحرب
(ل) لاحسان باريه الزكي مناظر (ر)
(م) من الغــر أبنـاء المدرس هـم حـزب
ومما يجدر ذكره هنا أنه لما عمّر الجامع اتخذ فيه منبراً إلا أن السلطان عبد الحميد خان لما كان لا يأذن بإقامة الخطبة لما يتجدد في زمنه من الجوامع و ذلك بسبب الوهم الذي كان مستحوذاً على أفكاره، بقي الجامع من حين أن عمّر إلى سنة 1328 لا تقام فيه الخطبة و لا تصلى فيه الجمعة، ففي هذه السنة سعى السيد بها بك الأميري حينما كان مبعوثاُ عن ولاية حلب في مجلس المبعوثين الذي عقد في الآستانة في الاستحصال على الإرادة السلطانية بالأذن بإقامة الخطبة فيه وتوفق إلى ذلك واحتفل في أول خطبة أقيمت فيه دعي إلى حضور ذلك الاحتفال العلماء والوجهاء وكان الخطيب يومئذ شيخنا الشيخ بشير الغزي و تعرّض في أثناء الخطبة للثناء على من سعى في هذا العمل المبرور. وبالجملة فإن إنشاء هذا الجامع في هذه المحلة كان له وقع كبير في النفوس جزى الله بانيه احسن الجزاء و أجزل له الثواب بمنه وكرمه.
توفي في سنة 1313هـ(1).
(1)باسل عمر حريري، الموسوعة التاريخية لأعلام حلب