قصة أخرى من جهاد أهل حمص لتحصيل العلم .. عريضة للصدارة العظمى من مدير المدرسة العلمية الأدبية
و المشكلة التي واجهت المكتب في هذه الفترة أنه كان خصوصيًا و لم يكن تحت رعاية الدولة , و لذلك كان يتم رفض تقديم أي تخصيصات من وزارة المعارف .
إلى جناب الصدارة العظمى
خلاصة : مسألة حياة أو موت بالنسبة للمكتب ( المدرسة ) , أرجو منكم , مسترحمًا , قراءته من البداية و إيجاد حل في أسرع وقت لتدارك الموقف .
هذا معروض تابعكم / خادمكم العاجز
قبل خمس سنين , تم إنشاء مكتب ” العلمية الأدبية ” في قصبة حمص بولاية سورية من قبل كومسيون / هيئة تضمّ أهل المعرفة و العلم و بعض وجوه المدينة , ليتضمن مراحل الإبتدائية و الرشدية و الإعدادية بنظام ليلي و نهاري دون التفريق بين جنس الطلبة أو مذهبهم و لتضمّ عموم الأطفال العثمانيين . و في ظرف مدة وجيزة اكتسب المكتب شهرة واسعة في جميع أنحاء ولاية سورية بعد إظهار كفاءته العلمية و بدأت أفواج الطلبة من طرابلس و حماة و دمشق بالقدوم إلى مكتبنا , و لكن المبالغ المحصّلة من قبل الطلاب لم تكن كافية لسدّ حاجة المكتب السنوية و المقدّرة بألف ليرة , و منذ أربع سنين ترتّب على المكتب عجز سنوي بمقدار ثمانين ليرة .
و بعد عدم قدرة هيئة المؤسسين على سد العجز إستأذن أغلب أعضاء الهيئة ممن أرادوا من عملهم هذا الجزاء المادي وليس المعنوي , استأذنوا و انسحبوا من الهيئة , و بهذه الحالة تبقّى في الهيئة 8 أشخاص من أصل 25 , و قد أكّد الباقون عدم قدرتهم المادية على دفع بارة واحد حتى , و قبل هذا بشهر حينما أظهر الصندوق المالي للمكتب عدم إمكانية دفع أجار المبنى / الخانة المخصصة للمكتب و المقدّر بـ 8000 قرش , و قد وصل بنا الحال إلى درجة كنا فيها على وشك إغلاق أبواب المكتب و تسريح الطلاب , طلبنا من أعضاء الهيئة المنسحبين ( و كانوا لا يزالون ضمن الهيئة ) إعانة ولو بعدّة قروش لإنقاذ المكتب من الإغلاق و لكن لم نجد منهم أي ردّ نبيل .
بل على العكس , زادوا الحال سوءًا حينما أبدوا رغبتهم بطرح أغراض المكتب و أثاثه للبيع في المزاد العلني و كانت قيمته تقدّر بثلاثمئة ليرة ,و التلهّف على المادة كان مقروءًا في جباههم و وجوههم.
و لله الحمد فقد استطعنا حينها دفع أجار المبنى على دفعات قليلة بعد أن أبدى صاحب الخانة الرضى تجاه هذا الأمر , واستطعنا إنقاذ المكتب من الخطر بشكل مؤقت , و لكن بعد فترة من الزمن عاد هذا الكابوس و أيقنا أن المكتب سيتم إغلاقه بنسبة مئة في المئة بعد أن تفاقمت المشاكل المادية إلى حد خطير .
في الحقيقة من الممكن إبعاد سحابة الإفلاس التي توشك على حرق مكتبنا بصواعقها , بطريقتين ؛
الأولى هي رفع أجرة الطلبة لدينا , والثانية من خلال معونة من نظارة المعارف الجليلة .
وبالنسبة للطريقة الأولى فالأهالي هنا لم يعتادوا صرف الكثير من المال لتعليم أولادهم , أو بالأحرى ليس لدى القسم الأعظم منهم ما يكفي لذلك , و سوف يؤدي رفع الأسعار إلى التعجيل بإنهاء المكتب حيث سيقوم أغلبهم بسحب أطفاله .
أما بالنسبة للحل المنجي , هو الحل الثاني ؛
فما أن المكاتب هي مصدر شمس المعرفة التي تضمن نشوء و نماء شجرة المشروطية , و نظارة المعارف الجليلة تشجع سَدَنة العلم بتخصيص معاش لمدرّسي اللغة التركية في المدارس الخصوصية حتى , و التي تؤسسها الطوائف في مختلف الممالك العثمانية مسلمة و غير مسلمة ,
في هذه الحالة أعرض طلبات مكتبنا الذي لم يمدد يد الحاجة حتى الآن لأي أحد و بأي شكل من الأشكال , و الآن و قد وقع في هذه الورطة , أنا مطمئن أن نظارة المعارف الجليلة التي تتعهد بحماية التعليم أمام الأمة و الضمير , ستنقذ مكتبنا عن طريق تخصيص معاش بمقدار 500 قرش شهريًا على الأقل لمدرّسي اللغة التركية في مكتبنا , و الذين يقومون بعمل مكمّل وممتاز في تدريسهم اللغة التركية بقواعدها و إملاءها و أدبياتها .
أقدم طلبي هذا مع التوسل و الإسترحام لإنقاذ مكتبنا من وحش الهلاك المحقق بسدّ العجز السنوي البالغ 8000 قرش , إما عن طريق تخصيصات سنوية بمقدار 8000 قرش , أو عن طريق تخصيص معاش لمعلّمي اللغة التركية بمبلغ 700 قرش شهريًا.
هذا الطلب مرفوع إلى وكالة الصدارة ذات الجناب السامي , التي هي ألمع نجوم المعرفة الساطعة في سماء المشروطية و أشدّها بريقًا في عقد حب الوطن , للمسارعة بإنقاذ المكتب مما يحصل له أمام مرأى الله و الأمة و من عذاب الضمير أما المسؤولية المعنوية فيما قد يحصل مستقبلًا , لمدّ مرساة السلامة قبل السقوط في دوّامة العدم لمكتبنا و طاقمنا المجهّز للتصدّي لأكبر عدوّ من بين أعداءنا , و هو الجهل .
و في النهاية الأمر و القرار لحضرة ولي الأمر .
1 كانون الثاني .1326
مدير المدرسة العلمية الأدبية الأعدادية الخصوصية الكائنة في قصبة حمص بولاية سورية .
محمد علي
اقرأ:
من الأرشيف العثماني 1877 -كتاب شكر من أهالي حمص إلى السلطان عبد الحميد الثاني
من الأرشيف العثماني 1914- رسالة مدير المدرسة العلمية في حمص إلى نظارة المعارف
من الأرشيف العثماني 1910- عريضة للصدارة العظمى من مدير المدرسة العلمية الأدبية في حمص