مقالات
كارا مُراد بَاشا .. سرٌّ مدفونٌ في قصر العظم بمدينة حماة
سليمان الصليعي الحراكي – التاريخ السوري المعاصر
كارا مُراد بَاشا (ت 1065 هـ/ 1655 م) .. سرٌّ مدفونٌ في قصر العظم بمدينة حماة
[مقدمة لابدَّ منها]
شَعرتُ بحاجةٍ لأَنْ أَمسحَ عُيوني وأَنظمَ رُموشَها، وأنا أنظرُ إلى تلكَ الباحَةِ التي اختفت بين معالم ذلكَ القصر التَليد. حاولتُ إخفاءَ دَهشتِي مِراراً وأنا أَمسحُ بيدي على تِلكَ الشَّواهدِ الحَجريَّة والرُّخامية، فأرى الغبار قد أثر على يدي، نفضتها فأثرت بعض النَّقع. حماةُ فقيرةٌ جِدُّ فقيرة بمثلِ هذهِ المعالم، ذلكَ أنَّ جلَّ مَقابرهَا وتُربهَا التَّاريخية عَدتْ عليها عَوادِي الزَّمن، فأزالَت شَواهِدَ كانَت لِتمدَّنا بمعلومات قلَّ نظيرهَا، تاريخيَّة وأدبيَّة تفيدُ في مختلفِ العلومِ الانسانيَّة. حدثتُ بعض الباحثين عن زوال هذه المعالم فاستغربوا ذلك، وكنتُ أصارع في قَلبي غَضباً مَكتوماً لم أَستَطِعْ البوحَ به.
في عام (1992 م) قمتُ بزيارتي الأولى لقصرِ العظم في مدينتي حماة، حينها كنت يافعاً أمشي برفقة والدي الذي كان يحدثني عن هذه المعالم، وكان – أمدَّ الله في عمره – ذو صوتٍ جَهوريٍّ، وكأني أسمع صدى رنَّة صوته في دروب حيِّ الطَّوافرة، ذلكَ الحيِّ الذي كنا نُكثر المرور فيه لزيارة بعضِ أصدقاء الوالد، وأذكرُ أنِّي زُرتُ معهُ بيتاً لآلِ العظم كانت تَنعقِدُ فيه سَهراتٌ لطيفة.
تركت تلكَ الزياراتُ أثراً بالغاً في نفسي، وباتَ التردُّد إلى تلك المنطقة عادة أقومُ بها كلما شعرتُ بالملالة أو السَّأم.
أمَّا معرفتي بالباحة الخلفيَّة لقصر العظم فكانت في نهاية عام (2006 م)، حين زُرتُ أنا وبعضُ أولادِ العمومَةِ قصرَ العظم، برفقة الصَّديق صاحب الودِّ: فهد بن محمَّد سمير الحريري، حينهَا ساقني الفضولُ إلى هذه الشواهد الأثرية البديعةِ الصَّنعة، لقراءَةِ ما رُقِمَ ونُقِشَ عليها، واهتمامي بهذا الأمرِ هو من قبيل التوثيقِ والتأريخِ فحسب، ولا يحملُ أيَّ صِفةٍ أُخرى، كما قد يظنُّ بعضُ طِوالِ الأُنوف، إضافَة لما فيه من عبرةٍ مُتوخَّاةٍ وآدابٍ جمَّة وفضائل، على قول من قال:
أَلَا يَا عَسْكَرَ الأَحْيَا | ءِ هَذَا عَسْكَرُ المَوْتَى |
أَجَابُوا الدَّعْوَةَ الصُّغْرَى | وَهُمْ مُنْتَظِرُوا الكُبْرَى |
يَحُثُّونَ عَلَى الزَّادِ | ومَا زَادٌ سِوَى التَقْوَى |
يَقُولُونَ لَكُم جُدُّوا | فَهَذا آَخِرُ الدُّنْيَا |
كرَّرْتُ الزِّيارة لهذه التُربة التي قلَّما تُشاهِد مثيلاً لشَواهدها في حماة، وذلكَ في مطلع سنة (2009 م) عند عودتي من السَّفر، برفقة الصَّديق العزيز، ورفيق الدَّرب الشَّيخ نافع بن خالد البرازي، وأطلعته على ما رأيت في سَابق الزِّيارات، والتقطت أصابعنا أوائِلَ الصُّور الفوتوغرافية لشواهدِ القبور تلك، والتي تخفي بين جنباتها أسراراً تاريخيَّة لم يعمل معولُ البحثِ والتنقيب إلَّا من أطرافها، وقمتُ بفكِّ حروفها وتفريغها منذ زمن طويل قد يصل إلى عشر سنوات، وتركتها حبيسةَ دفاتري وأبحاثي التي أعمل عليها.
وفي شهور عام (2009 م) نشرتُ أولى الصور على صفحتي الشخصيَّة، ورأيتُ أنَّ البعضَ نشرَ صوري هذهِ الصُّور دونَ مزيدِ عِنايَةٍ بالإحالة والتاريخ، ثمَّ التقطَ البَعضُ صُوراً أخرى في سنوات لاحقَة، جرى تداولَها مرَّات وكرَّات، عَلى صفحاتِ هذا المحيط الأزرق، فأحببتُ أن أُضئَ هذهِ الزَّاوية بما هو مدفون معها من خفايا، وأبرزَ مكنوناتها وأطوائها، مَع كثرة الأسرار والأخبار التي ظلَّت محجوبةً حتَّى لحظةِ كتابةِ هذه السُّطور، مع ملاحظة أن جميع ما أنقله هنا هو مختصرات عن تراجم، قمت بوضعها في كتابي عن “أعيان حماة وأعلامها” والمرتبة على القرون.
[كارا مراد باشا السرُّ المخبَّأ في تربة قصر العظم]
في قصرِ العظمِ الشَّهير بحماة، وضمنَ حُجرةٍ خلفية، تقبعُ خمسة قبورٍ قَديمة، يَعودُ ثلاثةٌ منها للنِّصف الثَّاني من القرن الحادي عشر الهجري، فيما يعود القبرين الآَخرين للنِّصف الأوَّل من القرنِ الثَّالث عشر الهجري.
يحتوي القبر الرَّابع القائمُ على يسارِ الدَّاخل إلى حجرة القبور، ضريحاً تُعْقَدُ على شَاهِدَته عمامَة، تُشبه إلى حدٍّ كبير ما كان يضعهُ قادة الإنكشاريَّة على رؤوسهم، وقد رُقِم على الشَّاهدة الحجريَّة تأريخُ الوفاةِ بحسابِ الجمَّل، كتبت بخطِّ الثُّلث، وفق النصِّ التالي: ([1] هذا قبرُ المرحومِ المبرور [2] الشَّهيد السَّعيد المجاهدُ في [3] سبيل الله تعالى، الصَّدر [4] الأعظمُ مراد باشَا، المنتقلُ [5] إلى رحمةِ الله، وفسيح جنَّاته [6] تاريخهُ: “لجيْدٌ غَازِي”).
وحسابُ “لجيد غازي” = (30 +3 + 10 + 4 + 1000 +1+ 7 + 10 = 1065 هـ).
والنصُّ الثَّاني، أسفل هذه الكتاب بالتركيَّة العثمانيَّة.
[ترجمةُ مراد بَاشا الأسود أو “كارا مراد باشا”]
أحدُ كبارِ رجالاتِ الدَّولة العُثمانيَّة، تولَّى منصبَ الصَّدارةِ العُظمى مرَّتين. وُصفَ كارَا مُراد بَاشَا بأنَّه شخص ذَكِي مُتفائِل، وشُجاعٌ متحمِّس، لا يهاب المنية، يحسن الإقدام والإحجام كلُّ في وقته.
كان كريماً كثيرَ الإِنفاقِ من حرِّ مالهِ، ضخم الجثَّة يُوصف بالعِمْلاق، اضطلعَ بدورٍ عسكري مهم في فتح كريت، كما كسرَ البنادقة وردهم عن سواحل الدَّولة العثمانية، لكنَّه كان كثير البذخ تجازوت في عهده النَّفقات على الإيرادات.
ولد المترجَمُ في حوالي سنة (1004 هـ/ 1596 م). وهو من أصلٍ ألباني، واسم والدهِ مُصطفى.
دخلَ في خدمة الفيلقِ الإنكشاريِّ في عهد السُّلطان أحمد الأوَّل، وترَقَّى في خدمة المُشاةِ، حتَّى نال رتبة بَاشا في عام (1048 هـ/ 1638 م).
انضمَّ إلى تجريدةِ مُراد الرَّابع إلى بغداد، عَقب تَحريرهَا مِن قُوَّات الاحتلال الصفويَّة الإيرانيَّة، حيث أقام فيها فترةً من الزَّمن.
انتقل للجهاد في جزيرة ِكِريت سنة (1055 هـ/ 1645 م) حيثُ لعبَ دَوراً مُهمَّاً في تحرير العديدِ من القِلاعِ الاستراتيجيَّة، مثل قلعةِ خَانيَا، وقلعة كيسَامُوس في الطرف الشَّماليِّ الغربيِّ منها، وأصبحَ متسلِّماً على خانيا في عهدِ حُسين باشا الدالي.
عند عودتهِ إلى اسطنبول، تورَّط في قضيَّة خلعِ السُّلطان إبراهِيم، على الرُّغم من أنه حينَها لم يَطَّلع بمهامَّ رسميَّة، إلَّا أن تأثيره كانَ كبيراً .
وفي بيته اجتمع المتمردونَ على الصَّدر الأعظم أحمد باشا هيزارابير، بعدَ فرضهِ للضَّرائب الباهظة على الملَّاك والأغوات، ومحاولتِه النَّيل من كُبَرائهم، واتفقوا في بيتِ كارا مراد بَاشا على التَّخلص منه.
بدأ التمردُ بتجمُّع المتمردين في جامع السُّلطان محمَّد الفاتح العثماني، واستطاعوا الوصولَ إلى أحمد باشا، وقاموا بذبحه، وخلعِ السُّلطان إبراهيم، واستبداله بابنه السُّلطان محمَّد الرَّابع ذي السَّبع سنوات، واستقرَّ كارا مراد باشا على زعامة الإنكشاريَّة في الدَّولة العثمانية بتاريخ (29 ذي الحجة 1058 هـ، الموافق 14 يناير 1648 م).
وفي (21 ذي الحجة 1059 هـ/ 1649 م) عُيِّن كارا مراد باشا في منصب الصَّدر الأعظم، حيث استطاعَ بِدهائِه تَلفيقَ بعضِ الأخبار التي تُشيعُ أنَّ الصَّدر الأعظم السَّابق صُوفو محمَّد بَاشا يعمل على خلع السُّلطان، وجَرى طردُ صوفو محمَّد باشا بحجَّة هزيمة البحريَّة العثمانية في البندقيَّة.
واستمرَّ في منصبِ الصَّدارة العُظمى حتَّى تاريخ (17 شعبان 1061 هـ /5 أغسطس 1651 م)، حيث استقالَ طَواعية، لأنَه لم يستطع تَحمَّل ما يقوم به الأغوات ورجال الدَّولة من تدخل في شؤونه وسلطته.
وفي (5 محرم 1064 هـ/ 25 تشرين الثاني 1653 م) تولَّى قيادةَ البحريَّة العثمانيَّة، ورغم عدم حصولهِ على التمويلِ اللَّازم من خزينةِ الدَّولة، فإنه قام بتمويل التصنيعِ الحربيِّ من ثروته التي بناها في خدمةِ الدَّولة العثمانيَّة، ودعمَ صناعة السُّفن الحربية بانشاء سبعة سُفن، كما حشدَ الأسطول المتمركز في تونس ومصر مع اسطوالِ بحر إيجة وخاض معركةً استمرت (6) ساعاتٍ دمَّر فيهِ أُسطولَ البُندقيَّة الذي كانَ يهدِّد مَضيقَ الدَّردنيل. وحصَل بذلكَ عَلى الترقيات والتقدير من قبل السُّلطان.
وفي (5 رجب 1064 هـ/ 11 مايو 1654 م) تسلَّم كارا مراد باشا منصبَ الصَّدارة العُظمى للمرَّة الثَّانية، بعد أن أشعلَ تمرُّداً عَسكريَّاً في اسطنبول، وأسرَ الصَّدر الأعظمَ إِيبشِيري مُصطفى باشا، أثبت في قيادته لهذا التمرد سطوته، ونهبَ بُيوتَ الصَّدر الأعظم مُصطفى باشا، وأعدمه مع غيره من رجالاتِ الدولة.
لكن هذا التمرد تسبَّب باستنفاذ خزينته التي صرفها، ولم يستطع جمع الأموال التي تعهَّد بها للدولة والأغوات ورجال الإنكشاريَّة، كما أنَّه لم يمتلك القدرة الإدرايَّة، ليجدَ نفسهُ مضطراً لكتابة خطاب تملؤُه عبارات المرارة، تنازل به للمرَّة الثانية عن منصب الصَّدارة بعد سنة وثلاثة أشهر من تمرده بتاريخ (16 شوال 1065 هـ/ 19 أغسطس 1655 م)، متحججاً فيه برغبته بالحجِّ إلى بيت الله الحرام.
أبحر كارا مراد باشا إلى السَّواحل الشامية، ونزلَ في بانياس، في طريقه إلى دمشق. وبقي فكرهُ مشغولاً على ما حصل في الأيام المنصرمة، فعاجلته حمى المَلاريا، فاضطر إلى النزول في قَصر محمَّد باشا الأرناؤوط – الألبانيِّ أيضاً – بمدنية حماة، حيثُ أقامَ بُرهة في قصره مع إكرامٍ وتبجيلٍ وعناية بالغة، لكنَّ المنيَّة اخترمته في حماة في ذي الحجة (1065 هـ/ أوكتوبر 1655 م)، ودفنَ في المقبرة التي أعدَّها له محمَّد باشا فيها قرب جامع الأرناؤوط والذي دعي بالمدفن فيما بعد في وسط حماة قرب نهر العاصي.
وفي عام (1962 م)، نقلَ قبرُ مُراد باشا مع شواهدهِ الحجريَّة، بالإضافة إلى أربعةِ قُبورٍ أُخرى من جامع المدفن (الأرناؤوط) إلى قصر العظم، ويعود الفضلُ في ذلك للأُستاذ الباحث الآثاري كامل شحادة رحمه الله (ت 1999 م)، بعد أن هدمت دائرة الأوقاف جامع المدفن (الأرناؤوط)، وبنت في الطابق الأول دكاكين ومخازن وأسواق، وعلَّقت فوقه مبنى جامع المدفن القائم حتى الآن.
[باقي القُبورِ التي نُقلَت إلى قصرِ العظم]
وهي أربعة بالإضافة إلى قبر كارا مراد باشا، أذكرها حسب تاريخ الوفاة:
[1] قبر محمد باشا الأرناؤوط (ت 1068 هـ/ 1658 م):
أحد كبار الأمراء والبشوات في العهد العثماني، تولى وظائف عدة وأظهر خبرة تنظيمية وإدارية، وتحصل على لقب “باشا”. ثم تولى إيالة طرابلس في سنة (1050 هـ/ 1640 م)، ومنها انتقل إلى حماة، وبقي فيها حتى وفاته. ومن أشهر أبناءه علي باشا الأرناؤوط والذي تولى لواء حماة أيضاً.
ومن أشهر آثاره في حماة: قصر الأرناؤوط في مدخل حي البارودية، وجامع الأرناؤوط والذي أصبح اسمه جامع المدفن، وحمَّام الباشا وقد درست، بالإضافة لجسر المراكب، وعدد من المنشآتِ الخدميَّة الأخرى، وقد ترجمتُ له ترجمة موسَّعة في كتابي عن أعيان حماة في القرن الحادي عشر الهجري.
رُقمَ على الشَّاهدة تأريخُ الوفاة بخط الفارسي، وفق مايلي:
([1] لمَّا كان بتاريخ شهر جمادى [2] الأولى من شهور سنة 1068 هـ [3] ثمان وستين وألف، [4] انتقل بالوفاة إلى رحمة [5] الله تعالى منشئ هذا [6] المكان محمَّد باشا، تغمَّده الله برحمته).
[2] مجهول (ت 1069 هـ/ 1659 م):
لم تُشرْ الكتابةُ الموجودة على القبر إلى اسم المتوفَّى، وقد رُقمَ على الشَّاهدة تاريخ الوفاة، مع بيتين من الشِّعر، فيه ركاكةٌ وضَعفٌ، بالخطِّ الفارسيِّ، وفق النصِّ التالي:
(سَألتُكَ يا رَبِّي بجاه محمَّدا | تُؤانس قبر فيه مقصود الحدا |
وتغمده باللُّطف منك برحمة | بحرمة من هو ذخر موعود للغدا |
سنة 1069 هـ).
[3] قبر نصوح باشا العَظم (ت 1229 هـ/ 1813 م):
ويسمَّى أيضاً ناصف أو ناصيف باشا، وهو نصوح بن سعد الدين بن إسماعيل بن إبراهيم العظم، ولد بدمشق سنة (1174 هـ/ 1760 م)، له ترجمة موسعة تناولته بها في كتابي عن أعيان حمان في القرن الثَّالث عشر الهجري.
والشَّاهدة الرُّخامية الموجودة في قصر العظم اليوم، تحفةٌ فنيَّة مبهرة، كانت مذهبة في سالف الأيام، رقم عليه نص يحتوي على تسعةِ أبياتٍ من الشِّعر الحسنِ، بخط الثُّلث الجلي، مع تأريخٍ بحسابِ الجمَّل، ونصُّه هو الآتي:
(هو الخلَّاق الباقي:
مَسَالكُ الفَخرِ جُزْنَاهَا بِلا خَلَلِ | كأنَّها سَاعَةٌ مَرَّت مَع الأَجَلِ |
ثمَّ انْتَهَيْنَا إِلى دَارِ البَقاءِ تَرى | مَا قَدَّمَت يَدنَا مِن رعى (؟) العَمَلِ |
فَمَا لنَا غيرُ عفوِ الله مُلتَجِأً | يا نَفْسُ لا تَقْنَطِي مِن زَحْمَةِ الزَّلَلِ |
الذَّنبُ في العَفوِ شَيءٌ لَا مَجَال لَهُ | يَذُوبُ مِن وَقتِهِ فَورَاً بِلا مَثَلِ |
بُشرى إذَا خَيرُ خَلقِ الله شَافِعُنَا | فَيَا لَهُ مِن رَسُولٍ سَيِّدَ الرُّسلِ |
يَرجُو شَفَاعَتَهُ عَبْدٌ قَضَى زَمَنَاً | في حُبِّهِ وَالِهَاً دَوَمَاً مَع الأمَلِ |
في جنَّة الخُلدِ يَرجُو أَن يَكونَ لَهُ | مَواطِنٌ زَانَهَا مَلابِسُ الحُلَلِ |
“نَصُوحُ” يُدعَى وَزِيْراً، كَانَ مُنْتَجَبَاً | وَفَاتَ أَيَّامُه وَالعُمرُ بِالعَجَلِ |
أَرَّخْتُهُ أَجَلٌ لله مَرجِعُنَا | نِعمَ الرُّجوعُ إلى المُهيمِنِ الأَزَلِي |
والي مصر سابق، المرحوم ومغفور له نصوح باشا ابن سعد الدين باشا عظيم زاده، طاب ثراهمَا، الفاتحة المؤرخة في را سنة 1229 هـ).
[4] أمُّ الخير الكيلاني (ت 1253 هـ/ 1837 م):
هي أمُّ الخير بنت إبراهيم بن محمَّد سعيد بن عبد الله بن ياسين بن عبد الرَّزاق بن شرف الدِّين بن أحمد بن علي الهاشمي بن شهاب الدِّين أحمد بن شرف الدِّين قاسم بن محيي الدِّين يحيى بن حسين بن علي بن محمَّد بن سيف الدِّين يحيى الكيلاني نزيل حماة سنة (685 هـ).
أما أبوها فهو الشَّيخ إبراهيم (ت 1217 هـ/ 1802 م)، نقيب أشراف حماة، ومُفتيها. أخذَ عن الشِّهاب أحمد العطَّار الدِّمشقي وغيره. ودفنَ عندَ جده الشَّيخ ياسين في الجوعيَّة، دَاخل القُبة في سفح قاسيون بدمشق.
وأخوتها هم:
الشَّيخ عبد القادر (ت 1252 هـ/ 1836 م) نقيب أشراف حماة، دفن في مقبرة العائلة الكيلانية في حوش الشيخ عفيف الدين حسين الكيلاني.
الشيخ عبد الله (ت 1252 هـ/ 1836 م) أيضاً، نقيب أشراف حماة. دفن بجوار أخيه عبد القادر.
وهي ثالثُ زوجاتِ نصوح باشا العَظم (ت 1229 هـ / 1814 م)، وله منها محمَّد المؤيَّد، وأحمد المؤيَّد، وسعد الدِّين، وأسعد. وقد توفي ثلاثة منهم صغاراً، ولم يتبق إلا أحمد المؤيد، وكان عمره حين وفاة والدة ستة أعوام، وهو جدَّ الفرع الشَّهير من العظمية بالمؤيَّدية، ومنهم عائلة العظم الذين كانوا يقطنون حي الباشورة بمدينة حماة.
وقد رقم على هذه الشاهدة، بخطٍ فارسي ممشوق، ما نصُّه:
(هو الباقي:
هَذا ضَريحُ الدُرَّة المَصونَة | ومرقَدُ الجَوهَرةِ المكنُونَة |
شمسٌ أَبوهَا، عَلمُ الشَّرقِ الذَّي | ضاءَ عَلى الغَربِ فَصَفَّ شُؤونَه |
بل جدُّها طَه الشَّفيع مَن بِه | دَامَت مِن الله لَها المَعونَة |
وفي جنَّانِ الخُلدِ بينَ حُورِها | قَد أَشرَقَت غُرَّتُها المَيموْنَة |
وهاتِفُ الرَّحمة نَادى مُذْ رَأى | تَاريخَ “أمِّ الخَير وَاشُجُونه” |
سنة 1253 هـ).
وحسابُ الجمَّل: [أم الخير واشجونه] =
[1+40+1+30+600+10+200+6+1+300+3+6+50+5 = 1253 هـ]
ختاماً أقول: إنَّ دراسة هذه المُنمنَمَات تمدُّنا بمعلوماتٍ مهمَّة في باب علمِ التَراجم والتَّاريخ، وكتابةِ السِّير والأعلام، كما أنَّها مَادة أدبيَّة ثريَّة ترفدُ المكتبةَ العربيَّة بأشعارِ الرَّقائق والرثاء، فضْلاً عن القيمةِ الأثريَّة التي تتحلى بها هذه الشَواهد، وقد اهتمَّ بهذا الباب علماء العرب والغرب على حدٍّ سواء، وألَّف فيه جمعٌ من العُلماءِ والفضلاء، مثل: أحمد بن عيسى البغدادي، الذي جمعَ كتاباً عنوانه “في القبور وما قُرئَ عليهَا من المواعظ”، والعلَّامة أحمد بن خليل الدِّمشقي الصَّالحي الشَّهير بابن اللُّبُودِي (ت 896 هـ) في “إخبار الأخيار بما وُجدَ على القبورِ من أشعار”، والذي اختصره علَّامة الشَّام ابن طُولون الصَّالحي (ت 953 هـ).
ومنها مَا اختصَّ بالاشارة إلى بقاعَ محدَّدة مثل: ما ألفه العلَّامة جمال الدِّين محمَّد بن علي الشَّيبي القرشي (ت 837 هـ) في كتابه “الشَّرف الأعلى في ذكر مقبرةِ الباب المعلَّى”، وأبو القاسم تمام بن محمد الرَّازي في كتابه “ما على الحجارةِ الَّتي بمدينة دمشق مكتوبٌ على الحيطان القديمة”، وعيسى اسكندر معلوف في كتابه “الاحتضارات والقبريات”.
كما عقدَ كثيرٌ من العلماءِ فُصولاً في كُتبِهم لهذا الغرضِ كابن عبد ربه في “العقدِ الفريد”، والهمداني في “الإكليل”، والرَّاغب الأصفهاني في “محاضرة الأدباء”، والرازي في “مسامرةِ النُّدمان”، وابن الأبار في “تحفة القادم”، والتجيبي في “لمحِ السِّحرِ”، وغيرهم كثير.
اقرأ:
سلمان المرشد في تقارير المخابرات البريطانية 1943
مدينة ُحماة في «الوثائق الهَاشميَّة – مذكَّرات عبد الله بن الحُسين» (2/1)
مدينة ُحماة في «الوثائق الهَاشميَّة – مذكَّرات عبد الله بن الحُسين» (2/2)
“نبِّه النُدمان” .. من موشحات الشاعر محمد الهلالي الحموي
الحكومَةُ الحَمَويَّة – بينَ حُكْمِ دَولَتَين
تاريخ حماة من طوابعها البريديَّة