مؤتمر الصلح في باريس عام 1919

مؤتمر الصلح في باريس عام 1919

افتتاح المؤتمر 

افتتح مؤتمر السلم رسمياً في الثامن عشر من كانون الثاني عام 1919م،

مجلس العشرة

كان الجهاز الشرف على المؤتمر حتى منتصف شهر آذار 1919 مجلس العشرة المؤلف من رؤساء الدول ووزراء الخارجية للدول الكبرى: الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا واثنين من الساسة اليابانيين.

وانقسم مجلس العشرة بعد ذلك إلى مجلسين الأول لرؤساء الدول أو الأربعة الكبار والثاني لوزراء الخارجية أو مجلس الخمسة، وكان المجلس الحربي الأعلى له نفس العضوية إلا أنه مختص بالأمور ذات الطابع العسكري.

مبادئ ويلسون

ورغم المبادئ السامية التي أعلنها ويلسون الرئيس الأميركي حول تطبيق العدالة وروح الدبلوماسية المفتوحة والمساواة بين الأمم وحقها في تقرير مصيرها فقد جرت معظم تسويات مؤتمر السلم وراء أبواب موصدة، واتخذت القرارات من قبل مجلس العشرة أو الأربعة قبل أن تعرض على وفود الأمم المختلفة التي يهمها مباحثات السلم.

وسمح للوفود بالتكلم أمام المؤتمر وعرض قضاياها كما مثلت في لجان مختلفة، ولكن دون أن يكون لها سلطة لتقرير أو إبداء رأى أو اعتراض على خطة وخاصة إذا تناقضت مع مصالح الدول الكبرى.

وكان استياء وفود الأمم الصغيرة يزداد بمرور الأسابيع وهي تنتظر قرار الدول الكبرى، وخاصة بعد أن فقد ويلسون مركزه القيادي الذي كان يمكن أن يحتله بين الأمم الصغيرة وخضع لرأي القائلين بتفوق الدول الكبرى.

تقسم الدولة العثمانية

وكانت مشكلة مصير الدولة العثمانية وتقسيمها من أهم القضايا التي طرحت في باريس، وقد اتخذ مؤتمر السلم قراراً في الثلاثين من كانون الثاني 1919 بعد أسابيع من افتتاح مؤتمر السلم بفصل أجزاء معينة من الإمبراطورية العثمانية التي تشمل سورية وفلسطين والعراق وأرمينيا وكليكيا وأجزاء أخرى من آسيا الصغرى ووضعها تحت إشراف العصبة عن طريق حكومات تعمل كدول منتدبة تستطيع أن تأخذ على عاتقها رفاهية هذه الشعوب وتقدمها.

وكان هذا القرار أساساً للمادة (22) من ميثاق عصبة الأمم الذي أنهى وضع مسودته النهائية في 28 نيسان 1919م.

ونظام الانتداب هو تجربة سياسية غريبة وصيغة مهذبة اخترعت لإرضاء ويلسون وغيره من المثاليين الذين أوجدوا العصبة كتطبيق لمبدأ حق تقرير المصير بحيث إن الدولة المنتدبة التي تختارها الشعوب المنتدبة لن تحصل على أي سيادة أو مصلحة ذاتية بل همها أن تساعد الشعب الذي يعهد به إليها من قبل العصبة.

القضية العربية في مؤتمر الصلح:

وسط هذا المشهد عرضت القضية العربية على المؤتمر، وكانت فرص فيصل في النجاح ضئيلة. ووحد نفسه وسط عالم غريب يجاهد أمام قوى أقوى منه وإلى جانبه لورنس الذي رشحه بلفور مستشاراً في الوفد البريطاني، وربط نفسه بالوفد العربي دون صفة رسمية برغم أن الفرنسيين كانوا معادين لوجوده وبعض الزعماء العرب يشكون في خططه.

وسعى هذا الوفد البريطاني كي يكسب للوفد العربي مقعداً في مؤتمر السلم بعد معارضة كلمنصو وبيشون فكسب له مقعدين في المجلس.

أخذ فيصل ذلك دليلاً على بداية متفائلة لكل معارك المستقبل مما دفعه إلى الإعتقاد بأن البريطانيين هم وحدهم أصدقاء العرب، وجعله يعتمد على لورانس لأنه كان حلقة الاتصال بينه وبين رجال السياسة البريطانية.

واعتبر فيصل ممثلاً لمملكة الحجاز فقد وليس للبلاد العربية، برغم أنه في أعين الوفود المشاركة اعتبر ناطقاً باسم الشعب العربي الذي اشترك في الثورة.

رفض الحسين إلا أن يكون ممثلاً للحكومة العربية التي تعني الحجاز والحكومة التي أقيمت باسمه في دمشق، وأي حكومة محتملة في العراق، وكان الأمل يحدو فيصلاً بأنه سيخرج من المؤتمر ممثلاً لملك العرب.

دراسة القضية العربية

بدأ النظر في القضية العربية رسمياً في السادس من شباط عام 1919 في مبنى وزارة الخارجية الفرنسية أمام مجلس العشرة.

وزع فيصل بن الحسين مذكرة على الوفود التي شاركت في المؤتمر جاء فيها: (جئت ممثلاً لوالدي الذي قاد الثورة العربية ضد الأتراك تلبية منه لرغبة بريطانيا وفرنسا، ولأطالب بأن تكون الشعوب الناطقة بالعربية في آسيا من خط اسكندرونة – ديا بكر شمالاً حتى المحيط الهندي جنوباً معترفاً باستقلالها وسيادتها بضمان عصبة الأمم المتحدة).

وكان خطاب فيصلاً توسيعاً لمذكرتين رفعهما الوفد العربي إلى مؤتمر السلم، الأولى في الأول من كانون الثاني عام 1919م، والثانية في 29 كانون الثاني عام 1919م.

في المذكرة الأولى عرض فيصل المطالب العربية على أساس مبادئ عامة منها حق الشعوب الناطقة بالعربية في آسيا بالاستقلال والوحدة.

وقد أكدت المذكرة الثانية في 29 كانون الثاني 1919 على طلب الاستقلال والوحدة التي تنص على أن تسوية أية مسألة ستبنى على أساس القبول الحر لهذه التسوية من قبل الشعوب المعنية مباشرة.

ولم يكن فيصل الوحيد الذي أثار البحث حول مصير سوريا، إذ بعد خطابه بأسبوع في 13 شباط ظهر أمام مؤتمر العشرة الدكتور بلس مدير الكلية البروتسنتية السورية في بيروت وعرض بطريقة مقنعة أمل الشعب في سورية في مبادئ ويلسون والتصريح المشترك، وطلب إرسال لجنة تحقيق إلى سورية للحصول على بيان دقيق عن وجهة نظر السوريين.

وكان الدكتور بلس قد شرح إلى ويلسون رفض السوريين للادعاءات الفرنسية، وتقبلهم لأي مساعدة أمريكية نظراً لعدم وجود مطامع سياسية لها في المنطقة.

مطالبات بانتداب فرنسا على سورية

وبدعم وإيعاز من فرنسا ظهرت أمام المؤتمر وفود سورية أخرى لتأييد خطط فرنسا أولها وفد الجمعية السورية المركزية برئاسة شكري غانم، وكان يدعى أنه يتكلم باسم السوريين جميعاً وباسم عشرات الجمعيات السورية في العالم، وأنكر الوفد على فيصل نظام حكمه في دمشق واقترح دولة سوريا بحدودها الطبيعية تحت انتداب فرنسي، لأن الحاقها بالجزيرة يعد خطأ سياسياً، كما كان يرى.

كما سمح لوفود أخرى تطالب بتوسيع لبنان وبالحماية الفرنسية بالتكلم أمام المؤتمر وكانت غاية فرنسا من إرسال هذه الوفود ومارافقها من برقيات، الضغط على آراء أعضاء المؤتمر.

تأخر اتخاذ قرار بشأن سورية التي كانت تمثل قمة المساومات والتناقضات والتحالفات السرية في المؤتمر، ودعا لويد جورج إلى إجتماع سري للمجلس الأعلى للأربعة الكبار في شقته في باريس في العشرين من آذار 1919م.

كان هذا الاجتماع من أهم الاجتماعات الحاسمة في المؤتمر ظهر فيها أول نزاع رئيسي بين الولايات المتحدة من جهة وفرنسا وبريطانيا من جهة أخرى.

وقد طالب بيشون وزير خارجية فرنسا بالتمسك الكامل بالمعاهدات السرية وأن تعامل سورية كوحدة على أن تكون فرنسا المنتدبة عليها، مع رفض أي ادعاء سياسي لبريطانيا في المنطقة ورفض التقييد بالتزامات بريطانيا نحو الحسين.

بدوره تمسك لويد جورج بنصوص مراسلات الحسين – مكماهون التي لها وضعية المعاهدة وشرح للمؤتمر أن الحسين قد دخل الحرب على أساس الالتزامات التي تضمنها، وأن فرنسا قد قبلتها عن طريق بيكو في 23 تشرين الثاني 1915 حيث اعترف في اتفاقية 1916 بأن منطقة المدن الأربعة (دمشق، حلب، حمص، حماة)، تقع ضمن الحدود التي وعدت بريطانيا أن تدعم الاستقلال العربي فيها.

وأكد اللنبي في المؤتمر على قيمة المساعدة العربية في الحرب وأنه قد أعطى تأكيدات لفيصل بعد الحرب بأن كل الإجراءات في المنطقة مؤقتة ريثما تتم التسوية النهائية، وأن هدف العصبة هو إعطاء الأمم الصغيرة حق تقرير مصيرها، وحذر المجتمعين بأن فرض فرنسا على سوريا سيثير مشاكل قد تؤدي إلى حرب بين الفرنسيين والعرب، ولو تولى فيصل قيادة العمليات فقد يتطور الأمر إلى حرب تغطى المنطقة كلها وسينضم لها عرب الحجاز مما سيربك القوات البريطانية في فلسطين ومصر.

إرسال لجنة دولية

وكي يوفق الرئيس ويلسون بين مطالب الدولتين ومبدأ تقرير المصير أعلن عن إرسال لجنة تحقيق من هيئة خبراء من الدول الكبرى لمعرفة رغبات السكان في المنطقة والتحقق من الوضع وعلى أساس الوقائع المكتشفة يمكن إرساء العدالة وتأمين السلام وذلك كي يقنع العالم بأن حاول جهده لإيجاد أساس موضوعي ممكن للتسوية القادمة.

وفكرة إرسال المؤتمر وفداً لم تكن أمراً جديداً بل عرضه فيصل في خطابه أمام المؤتمر وطالب به الوفد العربي مراراً، كما اقترحه ويلس أمام مجلس العشرة، ووضع الرئيس الأميركي تعليماته إلى اللجنة المقترحة ووافق المجلس الأعلى عليها رسمياً في 25 آذار 1919، وتطلب هذه التعليمات من اللجنة “زيارة الشرق الأدنى والتعرف بقدر إمكانياتها على حالة الرأي العام وعلى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمنطقة وتكوين رأى حول تقسيم المنطقة وتوزيع الانتدابات فيها بحيث يمكن توطيد النظام والسلام وتطوير شعوب هذه البلاد.

الموقف البريطاني والفرنسي من اللجنة

حاولت بريطانيا عبر وزير خارجيتها السيد لويد جورج إقناع الرئيس الأميركي ويلسون بعدم جدوى إرسال لجنة التحقيق،ولكن الأخير أصر على قيام اللجنة حتى ولو لم تشترك فيها الدول الأخرى.

عودة فيصل والمؤتمر السوري

عاد الأمير فيصل إلى دمشق التي وصلها في الخامس من أيار 1919م، وعقد إجتماعاً موسعاً مع أعيان البلاد وتحدث فيه عن مؤتمر الصلح وأهمية القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي ويلسون بإيفاد لجنة التحقيق إلى سورية، وسعى لتشكيل مجلس أو عقد مؤتمر سورية يمثل الأمة ويدافع عن حقوفها.

انظر:

زيارة لجنة كينغ كراين الى سورية عام 1919

برقية تفويض الأمير فيصل بتمثيل أهالي سورية في مؤتمر الصلح عام 1919

تصريح رئيس الوفد اللبناني في مؤتمر الصلح حول سورية