وثائق سوريا
مذكرة جادو عز الدين إلى جمال عبد الناصر يشرح الوضع في سورية عام 1960
مذكرة جادو عز الدين في الحادي عشر من أيار عام 1960م، إلى الرئيس جمال عبد الناصر يشرح الوضع في سورية
المذكرة بخط اليد، وتوجد نسخة منها في أرشيف الرئيس جمال عبد الناصر.
نص المذكرة:
سيدي الرئيس,
وافر احترامي وعميق تقديري وبعده،
أرجو المعذرة إن تجرأت وكتبت لسيادتكم بهذا الشكل، وحافزي لهذا يا سيدي أن أنقل لسيادتكم شعوري بالوضع الراهن في الإقليم في هذه الفترة الأخيرة، وإني أتشرف بعرض ما يلي على سيادتكم:
لا اختلاف في أساس الوضع كما كان عليه ويوم غادرتم الإقليم، سوى أن الفئات التي لم يتملكها الايمان بعد لتقلع عن تكتكها لغير الوحدة، وكذلك العناصر التي تستحوذ عليها حتى الآن عوامل أقوى من المصلحة العامة، هذه الفئات والعناصر أخذت تنشط في تعكير صفو التيار الشعبي الجارف الذي شاهتموه يوم زرتهم سيادتكم للمرة الأخيرة الإقليم، هذا الشعب صاحب الوحدة وصاحب المصلحة العامة. وربما وجدت هذه الفئات أن هذا الوقت هو الأكثر ملائمة لأن تعمل معولها في المصلحة العامة لتبنى كيان مصالحها الخاصة، وقد تجلى ذلك بالآتي:
قامت في الفترة الأخيرة موجة من الإشاعات لم تكن معروفة من قبل في مثل هذا التركيز طيلة سنتي الوحدة الماضيتين، وكل هذه الاشعات تنصب على انقاذ السياسة المتبعة في حكم الاقليم، هذه السياسة التي يرى المنتقدون أنها لم تمكن معظم الفئات الصالحة من الاستمرار في التعاون بالحكم، الذي تميز حتى الآن بطغيان إقليم على آخر – على حد ادعائهم- وغل يد الوزراء وقلص امكانيات تصرفهم.
منشأ هذه الإشاعات:
إن المنشأ لهذه الإشاعات هو عناصر حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي يبدى حالياً نشاطاً متزايداً في محاربة الوضع عن هذا الطريق، والذي بدأ يجاهر إلى حد ما في انتقاد الوضع، وطبعاً تتجاوب في هذا عناصر حزبية وجماعات أخرى، وإن كانت أقل انطلاقاً أو أكثر تحفظاً في أحاديثها. هذا وقد بدأ الحزب محاولة التقارب مع بقية عناصر الأحزاب والهيئات الأخرى، ويتجلى ذلك بالتزاور الذي لم يكن ملحوظاً من جهة، والسعى لرأب الصدع الذي كان اتسع بين عناصر الحزب العربي الاشتراكي عندما كانت في الحكم، وبين عناصر باقي الأحزاب والفئات الأخرى بمختلف نوعياتها، وذلك بنفى الاتهامات وتبرير الاساءات التي كانت قد نسبت إليهم أثناء وجودهم في الحكم. ودفاعهم يتركز على أنهم لم يستطيعوا بكل امكانياتهم الحيلولة دون ما كان، وذلك ما حدا بهم أخيراً إلى الاستقالة بعد أن وجدوا أنه لا جدوى من الاستمرار بالتعاون، مرددين أن ما كان هو جزء مما سيكون، وأن الشعب سيدرك قريباً حقيقة موقفهم ومدى حيلولتهم دون الطغيان الذي سيغزو الإقليم بعد انسحابهم من الحكم. والمتتبع لهذه الاشاعات يتضح له وكأنها سلسلة مترابطة ومحضرة لأن تطلق فوراً، لمجرد حدوث أية حادثة قبل مضى الزمن الذي ينتظر بعده ظهور التعليقات.
لماذا كانت التعليقات في هذا الوقت والغاية منها؟
1- تبريز أسباب استقالاتهم وإعطائهم طابع الدفاع عن الإقليم قبل أن يعفو على آثارها الزمن.
2- الظهور أمام الشعب بمظهر القوة خارج الحكم كما لو كانوا فيه، لأنهم يعتقدون أن غير هذا السلوك سيزيدهم ضعفاً، وسيؤدي إلى انفضاض جزء كبير من عناصرهم من حولهم.
3- أخذهم زمام المبادهة طالما لم يحدث لهم التشهير بالشكل الذي كانوا يتوقعونه.
4- ليثبتوا أنهم أقوى من الشيوعيين ومن آية فئة أخرى.
5- لإثاؤة الفئات الأخرى والأخذ بيدها وتشجيعها على التعاون في هذا المضمار.
6- الاستفادة من هذا الوضع الذي لازالت فيه المخابرات ودوائر الأمن والمباحث ملأى بعناصرهم، وقبل أن يصار إلى تخفيفها.
7- الإستفادة من أجهزة الوزارات المحشوة بعناصرهم قبل أن يصار إلى تقليصها.
8- الإستفادة من جهاز العمال الذي لا يزالون يسيطرون على نقاباته.
9- التجاوب مع التذمر السائد – منذ زمن- من عنصر المخابرات والمباحث والأمن، وإن كانت عناصرهم في هذه الأجهزة هي السائدة.
رد الفعل في صفوف الشعب:
أشاعات تطلق في البلد يتناقلها الناس، ولا يجدون أي تبرير أو توضيح أو تكذيب، فتترك في البدء تساؤلا في النفوس، ثم يصار تناقلها وكأنها حقائق لأنهم لم يسمعوا رداً عليها أو عملاً على قطع دابرها.
ونتيجة لذلك يأخذ النفوس قلق أو وهم نتيجة هذا التشويش، حتى أن سواد الشعب آخذ يتساءل عن أسباب التسامح، ويختلفون بالرأى في هذا السلوك الذي تلتزمه السلطة تجاه موجات الأقاويل، ويختلفون في أسبابه وحقيقته، مع اعتقاد أن أي حزم في هذه المواضيع أو أية مكافحة يمكن أن تقضى على هذا النشاط.
رأي الناس في المخابرات والمباحث وعناصر الأمن في هذا الموضوع:
1- إن معظم العناصر التي تشكل أجهزة المباحث والمخابرات والأمن كلها تقريباً حزبية يغلب عليها الطابع البعثي، وإن كانت لازالت مطعمة أيضاً ببعض العناصر الحزبية الأخرى.
2- كانت هذه العناصر (في المباحث والمخابرات) قبل خروج البعثيين من الحكم أبواقاً بهم، وأسواطاً مسلطة فوق رؤوس الذين كانوا يتجرؤون من انتقاد هذه الفئة وتصرفاتها، وكان هذا النقد يفسر على أنه محاربة للوحدة، ولو كان ينصب على حوادث ووقائع لا تقبل كثيراً الاختلاف في مواضيعها.
3- لا يمكن لهذه الأجهزة بوضعها الراهن أن تقود بأي تدبير من شأنه الحد من نشاط البعثيين في إطلاق الشائعات، ولإنشاط الفئات والعناصر الأخرى التي تتجاوب معهم في تجريح الوضع.
4- يرى الناس أن هذه الأجهزة بوضعها الراهن تخدم البعثيين في هذه الفترة الحالية خاصة، وتخدم كل من يؤازرهم في ترويج الاشاعات، لا بالسكوت فحسب وعدم اتخاذ التدابير ضدهم، بل بتهويل الأمور للمسؤولين، وتبنى جانب الدفاع عنها، وحتى الاشتراك بقسم من عناصر المباحث والمخابرات في المساهمة بترويج هذه الإشاعات المضادة للوضع والعهد وحوادث تروى كثيرة.
5- يرى الناس أن عناصر المخابرات والمباحث- في هذه الفترة بالذات- تزيد من تنفير الناس بالعهد، إما عن طريق الدعاية أو التعليق على الإشاعات، او عن طريق المعاملة السيئة التي يلقونها في أعمالهم اليومية.
6- تساؤل عام حول كيفية خدمة الوحدة والعهد ومصالح الناس بأجهزة من هذا النوع، وتساؤل عن امكانية اصلاحها، كيف ومتى؟
الاتحاد القومي ونشاطه في مكافحة هذه الدعايات:
لم يكن له أي نشاط حتى الآن في الرد على حملة الشائعات، ويعلل الناس ذلك:
1- لكونه غير موجه إطلاقاً في هذا الاتجاه بشكل صريح أو بصورة ضمنية.
2- لكونه غالبية عناصره – حسب ما يشاع – خاضعة لمراقبة دقيقة في تصرفاتها وأقوالها.
3- لكون الكثير من عناصره تسعى أن يكون سلوكها ضامن لها التزكية في المراحل المقبلة، ولا ترى الخوض ف يمعاركة ما دام – رغم زعم هذه العناصر- موقف بعض المسؤولين غير واضح، والتوجيه في هذا الاتجاه مبهم إن لم يكن معدوماً.
مطالعتي:
الوضع قوى ومتين وليس هناك ما يقلق – لو أخذنا المناطق واحدة واحدة ودرسنا أوضاعها لما تبين لنا غير ذلك – الناس بمجموعها مرتاحة.
رب العمل بدأ يشعر أن حقه معتبر كحق العامل، المالك الكبير لم يعد يشعر أنه يعامل بروح التشفى بل بروج تطبيق قانوني وضع لمصلحة الشعب عامة. الفلاح الذي تعمل الدولة تمليكه أخذ يفهم أن الموضوع يستهدف رفع سويته لا من أجل إثارته. المزراعين وأصحاب المواشى يشعرون بالجهود التي تبذلها الحكومة – في هذه السنة بالذات الموسم المتردى – لتأمين حاجاتهم من مؤونة وبذور وعلف، ويعلمون ما يكلف ذلك الدولة من مبالغ طائلة لا موارد مقابلها.
التاجر ورجل الأعمال يعتقد أن الحال يسير باتجاه التحسن رغم ضعف الموسم، ولو نظرنا إلى الودائع في البنوك في الفترة الأخيرة نراها في ازدياد، وهذا دليل على طمأنينة وتحسن في الأحوال.
العامل الشعبي، يرى أن الدولة تفتيش بكل وسيلة تؤمن له العمل في هذه السنة الضيقة. كل الناس تدرك أسباب ضيق الحالة نتيجة لتردى المواسم، ولكنها تدرك ايضاً ضخامة وقيمة الجهود التي تبذل من قبل الدولة لتدارك الحلول لهذه الضائقة. سواد الناس مرتاحة للخلاص من عنعنات الحزبيات التي لم تكن يوماً في صالح البلاد.
هذا هو باعتقادي واقع الحال وأن التشويش الكائن مقصود في مصدره – على ما ذكرت لسيادتكم أعلاه- من الفئات التي لم تتلاقى مصالحها يوماً مع مصالح الشعب، والتي تحرص الإبقاء على هذه المصالح ولو كانت على حساب الشعب كله، فكانت هذه الموجة من الاشاعات التي تستهدف البقاء على كيان هذه الفئات، لتبقى فعاليته ولتبقى بالتالي هذه المصالح مصانة.
وتقبلوا مني ياسيادة الرئيس أسمى آيات الاحترام والتقدير،
11/ 5/ 1960
المخلص
جادو عز الدين
رفقاً بعض المعلومات من أخبار وشائعات كثيرة لم نستطع التأكد منها بعد إلا ماهو وارد بعد.
1- جرى اجتماع بين صبري العسلي وأكرم الحوراني، بواسطة أسعد طباع عضو الاتحاد القومي والذي تربطه بأكرم الحوراني قرابة نسب.
2- أكرم الحوراني يقول: ليس هنالك أشياء ثابتة يدين بها عبد الناصر، ولكن كان بيننا اتفاقية “جنتلمان” إلا أن عبد الناصر انتقض علينا. وقال أكرم الحوراني: إني أفكر في الأيام القريبة الآتية أن أذيع على الشعب بكل الحقائق.
3- في اجتماع في بيت الدكتور فيصل ركابي في حماه ضم:
عبد الفاتح زلط – محامي
فيصل ركابي – طبيب
عبد الجبار عدي – مدير التربية والتعليم
علي عدي – موظف في التربية والتعليم
عبد الكريم الفرا – رئيس الغرفة التجارية في حماة
جورج حريكه – عميل فرنسي قديم ومن المستفيدين من مشروع الغاب
عبد الله فرج – مدير السكة الحديدية.
أقر الآتي بعد:
أ- بث الطمأنينة لدى كافة عناصر الحزب بأنه محافظ على قوته.
ب- إعادة تنظيم صفوف كافة أعضائه.
جـ – التبشير بيوم الخلاص من هذا العهد.
د- إشاعة انحراف المسؤولين – وعلى رأسهم الرئيس عبد الناصر- عن الحياد والمبادئ الديمقراطية.
هـ – توضيح مساوئ العهد- على حد زعمهم- للناس.
و- إقناع الناس بأن الوحدة هي استعمار فرعوني جديد يتستر بالعروبة.
ز- التقرب من كافة الأحزاب الأخرى وتناسى الماضي.
ح- التمجيد بالديمقراطية النيابية السابقة.
4- في إجتماع لأكرم الحوراني في حماه بمناسبة وفاة عمه صرح: إن اقتصادنا بدأ ينهار بسرعة، ونتائج ذلك ستظهر قريباً، والحكام لا يجروؤن على مصارحة الشعب بهذا الانهيار الاقتصادي.
5- في اجتماع لبعض الشباب صرح مصطفى حمدون: أن الثورة ستحدث ومن جاء بالمصريين لسوريا سيعيدهم إلى مصر، إن الأوضاع في العراق تبشر بتحسن منتظر.
6- يتردد عبد الغني قنوت على بشير صادق كثيراً عند مجئ الأخير لدمشق، وبشير صادق يقول: لا خلاص من الأوضاع إلا عن طريق العراق وطريق عبد الكريم قاسم، الذي لديه فرصة سانحة حالياً.
7- أينما جلس سامي جمعة – موظف في المباحث والمخابرات سابقاً- يتفوه بالسباب والشتيمة عن سيادة الرئيس والمشير والمصريين عموماً، ثم نتقل لامتداح السراج.
8- أبلغ مصطفى حمدون أخاه – عدنان حمدون – الضابط المحال إلى وزارة الخارجية – وجوب الاستقالة هو ومن يؤازره من الضباط المحالين إلى الخارجية.
9- يشيع عناصر المباحث والمخابرات أنه لا يستبعد إذا ما أقصى السراج عن الداخلية، أن يكون هنالك أعمال شغب وتخريب.
10- اجتمع عبد الحميد السراج عدة مرات بعبد الغني قنوات في بيت عبد الغني قنوت، وقد ورد في أحد الاجتماعات أن قنوت كان يقول لعبد الحميد: نحن الذين دعمناك، نحن الذين غامرنا بدمنا في سبيلك لما أرادوا نقلك من الشعبة الثانية – يقصد عصيان قطنا- تأكد أنك ستجد نفسك يوما ًما مطروجاً منبوذاً من الناس وإن الذين حولك قد انفضوا، وستجدنا كما عرفتنا، فإياك أن تغتر بأحد فنحن فقط الذين نحميك وأنت تعرف هذا جيداً.
أجاب عبد الحميد: والله ما أدرى ما أفعل سأنتظر الظروف، وتأكد أنت ومصطفى أني لن أغدر بكم ولم أتأخر يوماً عن أن أخدمكم. ( وقيل إن عبد الحميد قد بكى في هذه الجلسة).
11- يقول بعض رجال المباحث منهم الياس خوري وأحمد عيسى – أحدهما شيوعي والآخر قومي سوري – أنه لولا تدخل عبد الحميد السراج لما كان هناك احتفال بعيد الجلاء، ولأن المصريين لا يريدون أعياداً قومية غير 23 يوليو.
12- يقول رئيس قسم هيئات المباحث أن ناصر صالح – رئيس المباحث- كلفه بمراقبة كافة عناصر الاتحاد القومي.
13- استدعت المباحث أحد العناصر وسألته في قول له : “سأواجه الرئيس وأشكو له حزب البعث، وكان من أسئلة استجوابه على الشكل التالي:
- هل يعني هذا ان البعثيين خونة؟
- هل يعني أن مصطفى حمدون غير قومي؟
14- تحاول القنصلية الروسية بدمشق الحصول على معلومات عن مدى انسجام السراج مع الوضع أو عدمه.
اقرأ:
رجل من الزمن الماضي.. جادو عز الدين
الانفصال في مذكرات الفريق جمال الفيصل – وفاءٌ للقسم (3/3)
السويداء -رفع العلم السوري يوم الجلاء في 17 نيسان 1946
للإطلاع على تسلسل أحداث التاريخ السوري المعاصر بحسب الأيام
انظر أيضاً :
أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات