شهادات ومذكرات
من مذكرات جمال الفيصل – دعم ثورة تموز 1958 في العراق ومعالجة تداعياتها (2/1)
كتب الفريق جمال الفيصل في مذكراته :
ثورة ١٤ تموز في العراق والعلاقات مع الجمهورية العربية المتحدة :
في الصباح الباكر من يوم 14 تموز 1958 اتصل بي هاتفياً المقدم محمد اسطنبولي رئيس شعبة المخابرات الحربية وأعلمني عن قيام انقلاب عسكري في العراق أطاح بالنظام الملكي التابع لبريطانيا وأعلن قيام النظام الجمهوري، هذا كل ما علمته عن انقلاب العراق في ساعته الأولى.
وفوراً أعلمت المشير عامر ببرقية أرسلتها إلى القاهرة وطلب مني في جوابه عليها تأييد الانقلاب وعند ذلك اتصلت بزعماء الانقلاب هاتفياً عن طريق هاتف دير الزور-البوكمال وخلال الاتصال علمت أن زعيم الانقلاب هو الزعيم عبد الكريم قاسم وأن قائد اللواء الذي نفذ عملية الانقلاب هو العقيد عبد السلام عارف وقد سبق لهذين الضابطين أن تعرفا على بعض الضباط السوريين عندما كانا على رأس اللواء العراقي الذي جاء للدفاع عن الأردن أثناء العدوان الثلاثي على مصر.
اتصلت بالزعيم عبد الكريم قاسم وطلب مني دعم حركته الانقلابية كما أعلمني أن السيد فائق السامرائي سيصل إلى دمشق للاتصال معنا وفعلاً وصل السيد السامرائي إلى دمشق مساء اليوم التالي وقابلته وطلب تزويد العراق بالأسلحة والذخائر بريطانية الصنع حدث ذلك بينما كان الرئيس عبد الناصر يقوم بزيارة يوغوسلافيا وكان قد غادرها باتجاه الاسكندرية عن طريق البحر فأعلمه الرئيس تيتو بأن الأسطول السادس الأمريكي قد انتشر في أرجاء البحر الأبيض المتوسط فعاد الرئيس إلى يوغوسلافيا وسافر منها إلى روسيا واجتمع مع خورتشوف الذي أبلغه تأييده المطلق. وأثناء إقامته في روسيا علم بخبر الإنزال الأمريكي في لبنان والبريطاني في الأردن ثم عاد إلى سوريا جواً عن طريق إيران.
وفي نفس اليوم الذي وصل فيه الرئيس عبد الناصر إلى دمشق وصل العقيد عبد السلام عارف إليها مع وفد عراقي وأمام قصر الضيافة بدمشق خطب الرئيس عبد الناصر معلناً تأييده لثورة العراق كما أعلن العقيد عبد السلام عارف أن العراق يعتمد على تأييد الرئيس عبد الناصر وشعب الجمهورية العربية المتحدة كما أعلن عن استعداد العراق للانضمام إلى الوحدة السورية المصرية وكان يتكلم بلغة سليمة تخللها بعض الآيات القرآنية.
وفي المساء عقد اجتماع بين الرئيس والوفد العراقي في منزل المشير عامر بدمشق ثم طلب مني الرئيس الاجتماع بالوفد العراقي المرافق للعقيد عبد السلام عارف وتم الاتفاق مع الوفد العراقي على تزويد العراق بالأسلحة الانكليزية وذخائرها من مصر وخاصة المدافع الساحلية لحماية ميناء شط العرب ومدافع الميدان وكانت تنقل بالبواخر من مصر إلى اللاذقية في سوريا ومنها إلى دمشق ومن دمشق إلى بغداد على متن السيارات العراقية وبالمقابل كانت السيارات العراقية تحمل عند مجيئها من العراق بصفائح البنزين المخصص للطائرات لأن سوريا كانت تعاني نقصاً بالوقود. وخلال عمليات النقل هذه كانت الاتصالات البرقية مستمرة بيني وبين الزعيم عبد الكريم قاسم وكانت عبارة عن طلبات عراقية يجري تلبيتها بسرعة.
وخلال الأيام الأولى من الانقلاب العراقي أرسلت أحد الضباط للاطلاع على تقارير حلف بغداد التي كان يرسلها الملحق العسكري العراقي في دمشق العقيد صالح مهدي السامرائي أثناء فترة الانقلابات السورية العديدة وخلال قيام حكومة نوري السعيد في العراق بالدعوة لمشروعي سوريا الكبرى ثم الهلال الخصيب الساعية لضم سوريا إلى الملكية العراقية وعاد الضابط لدمشق وهو يحمل ثلاث حقائب مملوءة أخذها من مقر حلف بغداد في العاصمة العراقية فيها معلومات مفصلة عن بعض السياسيين والعسكريين السوريين والصحف السورية المتعاملة مع النظام العراقي مع تفصيلات عن المبالغ المدفوعة لهذه الجهات وكثير من التقارير الاستخباراتية عن الوضع السياسي في سوريا ووضع الجيش السوري وقطعاته وأمتنع عن ذكر هذه الأسماء .
ثم تم تعيين المقدم عبد المجيد فريد من ضباط الإقليم الجنوبي يعاونه المقدم طلعت صدقي كملحق عسكري للجمهورية العربية المتحدة في بغداد وفي الأشهر الأولى لقيام الثورة العراقية دب الخلاف بين زعيمي الثورة عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف ، فالزعيم عبد الكريم قاسم ويؤيده الشيوعيون ورجال الحزب الوطني الديمقراطي كان يميل لانتهاج سياسة يسارية بينما كان عبد السلام عارف ويؤيده القوميون العرب والبعثيون يطالبون بالوحدة التامة مع مصر وسوريا.
وتفاقم الخلاف بينهما وأدى لخلاف بين العراق والجمهورية العربية المتحدة لعبت فيه الأهواء السياسية والميول الحزبية لعبة غير شريفة إلى أن وصل الأمر إلى مهاترات إذاعية وانتهى الأمر بتنحية عبد السلام عارف واستئثار عبد الكريم قاسم بالسلطة مع مجموعة من الضباط اليساريين على رأسهم العقيد المهداوي رئيس المحكمة العسكرية التي قامت بمحاكمة رجالات العهد الملكي بالعراق.
اقرأ:
الانفصال في مذكرات الفريق جمال الفيصل – وفاءٌ للقسم (3/3)
الانفصال في مذكرات الفريق جمال الفيصل – تنفيذ الانقلاب (3/2)
الانفصال في مذكرات الفريق جمال الفيصل – ما قبل الانفصال (3/1)
النقيب أحمد عنتر مع جمال الفيصل في الكويت في الستينيات
الفريق جمال الفيصل بريشة الفنان مروان السباعي عام 1957م
للإطلاع على تسلسل أحداث التاريخ السوري المعاصر بحسب الأيام
انظر أيضاً :
أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات