نشرت صحيفة الجزيرة خبراً عن بدء محاكمة المقدم فؤاد مردم في الساعة الحادية عشرة قبل ظهر يوم “السبت” الثاني عشر من آذار عام 1949م، في نادي الضباط العسكريين بجانب البرلمان بقضية شحنة الأسلحة التي اشترتها الحكومة السورية وغرقت عند سواحل ايطاليا في 19 نيسان 1948م، قبل أن تضع إسرائيل يدها على الشحنة بعد إنقاذها وارسالها الى سورية.
واعتمد مراسل الصحيفة على ما أدلى به الدكتور تيني رئيس محطة إذاعة باري العربية أثناء الحرب في إيطاليا، والذي عاد إلى روما مؤخراً عائداً من دمشق بعد أن قدم شهادته في هذه القضية.
وأشار المراسل ان أوساط إيطالية كثيرة تهتم بقضية الضابط مردم بك لأن مسرحها كان مدينة روما. وتولي الجاليات العربية الدعوى أهمية عظيمة وتترقب بفارغ الصبر النتيجة لأن القضية شغلت العرب المقيمين في روما زمناً طويلاً، وكانت عواقبها وخيمة جداً إلى حد أنها أدمت قلوبهم، ثم انشطر العرب هناك شطرين، شطر يلقي التبعة على مردم، والآخر يجد له عذراً.
ويذكر المراسل أن: ( القضية فتتلخص في أن الحكومة السورية أوفدات الضابط فؤاد مردم إلى روما منذ أواسط العام الماضي لكي يشتري السلاح للجيش السوري، في أثناء معركة فلسطين.
وعقد مردم صفقة كبيرة لشراء الأسلحة من يوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا كلفت ملايين من الليرات. ثم جرى شحن هذه الأسلحة على باخرة إيطالية ذهبت من تريستا إلى فيومي حيث شحنت الأسلحة، ونزلت بها في البحر الأدرياتيكي قاصدة البحر المتوسط. على أن ربانها قرر التوقف في مرفأ “باري” في إيطاليا ليتزود بالوقود. وبينما الباخرة راسية في ذلك المرفأ وقع فيها انفجار قوي، نشأ عن مواد متفجرة، فنسف جزءاً من الباخرة ومن الأسلحة على أن قسماً كبيراً منها ظل سالماً.
ولما وقع الانفجار، تدخل الجيش الإيطالي واحتل مرفأ باري وأنزل الصناديق السالمة – وهي 70 بالمئة من الشحنة- تحت اشرافه إلى مستودعاته، ريثما يتقرر مصيرها.
ثم جرت مفاوضات بين سوريا وإيطاليا، انتهت بأن اجازت الحكومة الايطالية إعادة شحن البضاعة إلى سوريا. وكان الضابط مردم يلاحق القضية بنفسه، فدبر باخرة أخرى حملت الضباعة وغادرت روما في اتجاه مالطة لتغرير الاسرائيليين الذين كانوا يحاولن تتبع الباخرة . ثم انكفأت ليلاً على موازاة ساحل افريقيا الشمالية حتى بلغت مصر وكان مقرراً أن يتولى الأسطول حمايتها على محاذاة المياه الفلسطينية حتى تبلغ المياه اللبنانية – السورية بيد أن الحماية المنتظرة لم تعط الباخرة لأسباب مجهولة وغادرت الاسكندرية وحدها، فلما أصبحت على مقربة من تل أبيب تصدى لها زورق إسرائيلي مسلح، وأرغمها على مرافقته إلى المرفأ واستولت إسرائيل على السلاح كله غنيمة باردة!
واستدعى الضابط فؤاد مردم على عجل إلى سوريا حيث اعتقل، وماتزال محاكته جارية سرياً، كما تقول أنباء دمشق.
قلنا ان آراء العرب المقيمين في روما مختلفة في هذه القضية، فهناك جماعة يلقون على مردم التبعة، لأنه لم يتكتم في أعماله وأقواله. فقد انصرف في روما إلى الملذات علناً وهام بغانية تعمل للجاسوسية الإسرائيلية وكانت اتصالاته لا تنطوي على تبصر او حذر، حتى أصبح امره وامر مهتمه السرية شائعاً. ولعل اسرائيل عرفت تفاصيل الشحنة بواسطة تلك المرأة.
وهناك جماعة آخرون يقولون أن اسرائيل عرفت بالأمر لا من مردم نفسه ولا من تصرفاته بل من جواسيسهم في يوغسلافيا وتشيكوسوفاكيا ان لم يكن من تينك الحكومتين عينهما.
ومهما يكن من أمر فإن القضية تنطوي على إهمال خطير وعلى استهتار فاضح. ذلك أنه لا يجوز تكليف شاب كالضابط مردم وحده بمهمة حيوية كتلك المهمة. وكان على الحكومة السورية ان توفد من يراقبه ويتعقبه كما كان يجب أن ترافقه بعثة مكلفة بتنظيم الجاسوسية السورية حول الشحنة، وتنظيم مكافحة الجاسوسية ضدها.
ومن أغرب ما علم أنه تبين بعد الانفجار في “باري” أن معظم بحارة الباخرة كانوا من اليهود!
ثم ان الانفجار كان كافياً لفتح أعين العرب على يقظة الاسرائيليين، فكان عليهم أن يحتاطوا للأمر بأكثر من تكليف فؤاد مردم بإعادة شحن الأسلحة على باخرة أخرى. ومن يدري اذا لم يكن ربان الباخرة متواطئاً مع الاسرائيليين، فذهب وسلمها اليهم هدية. الم يكن من الأفضل ان يسير في المياه اليونانية والتركية إلى المياه السورية رأساً؟
وكانت القيادة السورية قد أبرقت إلى مردم في إيطاليا لكي يركب مع الأسلحة في الباخرة عند سفرها من باري. ولكنه خاف على نفسه، فترك الباخرة لبحارتها، وبقي هو ناعم البال في روما. ولما سئل عن سبب هذا الاهمال بعد ضياع الباخرة اجاب:
– ما الفائدة من هذا السؤال الان؟ لو نفذت أمر القيادة لسقطت مع الأسلحة في أيدي الاسرائيليين!
هذه هي المعلومات التي تتردد الان على السن العرب المقيمين في روما، وهم يترقبون نتيجة المحاكمة).
اقرأ:
انظر ايضاً:
صحيفة عام 1956: تبادل أسرى بين سوريا وإسرائيل